لو صحيح ده مش إله
كنت أول عين يا ناس شافت عيوبه
إنه أعرج إنه أكرت
إنه أهبل إنه داعر
إنه معدوم المشاعر
باختصاااار
لو مكنش إله
أبقى أنا المخدوع وعادي
أبقى أعمى .. أبقى أخطأت المسار
بالعربي :
"طريقُ الرجل الطيَّب محاصر من جميع الجهات بظلمِ واستبدادِ الرجل الشرير ، باسم المحبة والخير والإرادة الحسنة .. سأرعى الضعيف في وادي الظلمات"
اكتشفتُ بدهشة – وكأنني أعرف للمرة الأولى – أن كل قصة يمكن أن تروى بأشكالٍ مختلفة .. تقلبها رأساً على عقب !
يعرف هؤلاء الذين يقع مكان سكنهم .. عملهم .. أو سكن أحد أقربائهم بين إمبابة والجيزة هذا الميني باس الشهير الذي يصل بين المنطقتين ، أسكنُ أنا في المنتصف تقريباً .. عند تلك المنطقة التي يرمز لها بميدان لبنان ..
بالأمسِ كنتُ ذاهباً إلى صديقٍ لي في الجيزة .. وكاختيار بديهي ركبتُ أحد هذه الميني باصات ..
في فترة الظهيرة .. من الجيد أن تجد مكان تطأ فيه قدمك عوضاً عن طموحك المشروع بالجلوس ، ركبتُ أحدهم .. وقفتُ في بداية العربة ممسكاً كالعادة بالميدالية .. الموبايل .. كيس المناديل ، عند أرض اللواء ينزل العديدين ويركب آخرين .. يتبدلون ومع ذلك تبقى نفس الملامح والوجوه ، في ثواني أصبح هناك العديد من الكراسي الفارغة في مؤخرة العربة .. في ثواني ستمتلئ ، لذلك فقد اتخذتُ خطواتاً متعجلة للجلوس في كرسي مفضل في آخرها بعيداً عن مناوشات المقدمة المعتادة على فراغات تكفي لوضع قدمين – و ربما واحدة - ..
لا أعرف تحديداً ماذا حدث .. فقط أثناء مروري كان هناك سيدة عجوز تجلس على كرسي الخارجي .. بيدها كيس كبير به "رقاق" نصفه بالطرقة والنصف الآخر تضعه على قدميها .. بدا أن هناك مسافة كافية لمروري دون الاحتكاك بكيس الرقاق هذا .. إلا أنها صرخت بضجر :
- حاسب حاسب هتكسره هتكسره
- ما هو ...
- طب عدَّي بقى .. عدَّي
نطقت الجملة الأخيرة بتأفف واضح .. ربما مهين كذلك ، شعرتُ بتلك الصفة الأخيرة - بعد مروري وجلوسي بهدوء ودون رد - من خلال تلك الحسناء التي تجلس أمامي والتي رمقتني بطرفِ عينيها بإشارة بدت تنمُ عن شيء من قبيل : انتَ مش هترد عليها بروح أمها ؟؟!
ابتلعتُ الغضب بداخلي وحولت نظراتي بين الخارج حيناً وبين السيدة العجوز حيناً آخر .. لم أدقق النظر كثيراً في ملامحها فجميعهم يملكون نفس الملامح المُرهَقَة التي حفر الزمن لنفسه مملكتاً فيها .. نفس الأشكال بالفعل .. حتى بحبات العرق الدقيق التي تبرز على الوجه أيًّ كان الجو – صيفاً كان أو شتاء - .. والطرحة السوداء الرخيصة الموضوعة بغير عناية ولا اكتراث بما تخفيه – وما تظهره – من شعر .. والجلباب – الأسود دائماً - المُبَقَّع المثقوب من أسفل ويظهر تحته جلباباً أحمر اللون لا يقل رخصاً ولكنه يتكاتف مع أخيه لحمابتها من برد الشتاء .. تمسك كيس الرقاق هذا باصرار طفل يرضع في ثدي والدته بعد جوع ..
لم يكن الاهتمام بتلك التفاصيل منبعه النية المسبقة لما أكتبه الآن .. إطلاقاً ، فهذا لم يدر بذهني فالأمر حتى الآن عادي جداً .. نمر به جميعاً ولا يثير الاهتمام ..
لكن منبع الاهتمام بدأ من محاولة الوصول لأن ما فعلته كان الصواب .. وأنه – وإن كان كوَّن بعض الغضب – التصرف المناسب والسليم في حالة مثل تلك ، أنها ببساطة من هؤلاء الذين نسميهم ( شلق ) ونتحدث عنها على القهاوي بابتسامة عريضة باعتبارهم ( عالم ولاد كلب ) ، ما الذي يدخلني معها في صراع فارغ ؟؟ .. بل أن تصرفي يملك بعداً يجعل مني المؤدب الهادئ الذي اختار عدم الرد على امرأة في سن جدته برغم قلة زوقها ..
برغم الغضب .. فإنَّ مشاهدة الأمر بتلك الصورة كان مرضياً إلى حدًّ بعيد ..
إلاَّ أن شيء ما تحرك داخلي يليق بمن قرأ روايتي فيكتور هوجو "البؤساء وأحدب نوتردام" في سن الثالثة عشر وأعادهما منذ عدة أسابيع خارجاً بقناعة أن كل منا لديه منطلق واضح فيما يفعله .. لديه خير حقيقي بداخله حتى لو توارى وراء قناعات ترابية من العنف والشر والأنانية والقبح ..
حاولت جعل الأمر أكثر عمقاً من تلك السذاجة التي طرحتها بالأعلى :
بالنسبةِ لي : كان هناك مسافة كافية لمروري دون إحداث أي كسر بكيس الرقاق مما يجعل تصرف العجوز غير مهذب على الإطلاق .. ويجعلها – منطقياً – "ست شلق" ..
بالنسبة لها : فالأمر مختلف تماماً ، فما أنا إلا "شاب سيس" من هؤلاء الذين تراهم كثيراً .. لا يعلمون أي شيء عن قسوة الحياة ، يكتفي الواحد منهم بكونه يمسك تليفوناً أحضره البابا .. ومناديل يجففُ بها عرقه الثمين متأففاً من أمثالها من الذين تسبقهم رائحتهم ولا يمنعها مُذيل عرق مميز كذلك الذي يستخدمه ..
بالنسبة لي : كان المرور غاية .. المسافة كافية .. وحدوث خطأ ما يؤدي إلى كسر الرقاق ليسَ بذات الأهمية ويمكن محوه باعتذار مبتسم ..
بالنسبة لها : فحماية الرقاق هي الغاية الأهم .. الغاية الأسمى التي تعلو حتى على مشاعر أفندي لطيف مثلي – هكذا كنتُ سأوصف في مشهد مثل هذا برواية ليحيى حقي أوطه حسين ! - ، وحدوث خطأ ما يعني ضياع قوت يوم كامل .. أتدري ؟؟ يوم كامل قد يكفله هذا الكيس ، ولا معنى لهراء الاعتذار المبتسم هنا .. فالأمر أكثر جدية ، فعلى ماذا ستخاف وتصبح شرسه إذا لم تخف على طعامها وطعام أولادها من شخص لا يدرك شيء من كل هذا ؟؟
كان من الممكن أن ينتهي الأمر هنا أيضاً برؤيتي منطلقات كل منا ..
إلا أن هذا غيرُ مرضي !
فقد خرجت هي بالرقاق سليم .. ومع ذلك فقد خلفت لي الغضب وربما الإهانة ..
شعرتُ حينها بأن الأمر غير عادل
وحاولت إعادة تشكيل المشهد بأشكالٍ أخرى متاحة
"طريقُ الرجل الطيَّب محاصر من جميع الجهات بظلمِ واستبدادِ الرجل الشرير ، باسم المحبة والخير والإرادة الحسنة .. سأرعى الضعيف في وادي الظلمات"
1
- أنا آسف يا ستي مكنش قصدي
- ولا يهمك يا ابني
أبتسم .. تبتسم .. وتبدو الابتسامتين من أجمل وأصدق ما صادفتُ في يومي
لا تصبح لي في تلك الحالة جزء من ملامح مزعجة ومتشابهة .. بل كياناً إنسانياً شَكَّلتُ في لحظة خطراً على قوته فتعامل بعنف .. وفي اللحظة التي تليها أشعرته بإنسانيته – وربما إنسانيتي – فتعامل بلين !
بدا الأمر رائعاً حقاً
به بعض السذاجة .. ولكن من قال أننا لسنا بحاجة ملحة لأن نتصالح مع كل سذاجاتنا التي تجعلنا أكثر إنسانية ؟؟
****
خرجتُ من كل تلك الأفكار على صوت السيدة العجوز تشتم السائق ويردُّ عليها بالمثل لأنها طلبت منه أن يهدء سرعة العربة كي تنزل بحمولتها ولكنه تعجل فكادت تسقط ويتهشم قوتها ..
بدا ليَ الأمر في تلك اللحظة مثيراً للشفقة .. لها وله ، ماذا لو ابتسم أحدهما لثانية واعتذر ببساطة ؟ ماذا لو ساعدها أحد الركاب في إنزال كيس الرقاق للأسفل ؟ ماذا لو تمهل السائق نفسه لثواني تتيح لها النزول بأريحية ؟ وماذا لو لم ترفع صوتها عليها وتشتمه ؟؟
بدا ليَ كذلك أن أدعي وقتها ادعاءً – ربما غير سليم – وهو أن كل ما نقرأه من كتب .. نشاهده من أفلام .. نسمعه من موسيقى ، أن كل تفاعلتنا مع العالم الخارجي مع اتساعها تصب جميعها في مصبٍ واحد : أن تجعلنا أكثر بشرية !
تابعتُ السيدة بنظري .. بدت ملامحها ساخطة ولاعنة للكثير من الأشياء التي صادفتها في رحلتها اليومية ، في الأغلب كنتُ من ضمن تلك الأشياء ، ومع ذلك ودتُّ لو استطعت الاعتذار إليها والتأكيد على أن المسافة كانت كافية للمرور دون أي خطر على الرقاق !
إلا أنها غابت عن نظري بعد تحرك العربة سريعاً مع صراخ التابع "جيزة جيزة جيزة"
عام 1967 قدم المخرج الناشيء مارتن سكورسيزي عملاً قصيراً في خمس دقائق ونصف يسمى ذا بيج شاف لم ينتشر على مستوى واسع وقتها .. وحتى أمس فقط لم أكن قد شاهدته أو سمعت عنه .. لولا صديق عزيز أشار عليَّ به أثناء حديث متسع عن سينما مارتن سكورسيزي ومشروعه عن أمريكا ..
إعجابي بهذا العمل - انبهاري بمعنى أصح - تجاوز بالفعل الجانب الفني والتقني به والذي رأيت به الشرارة الأولى لبعض من الأساليب التي رسخها سكورسيزي في سينماه بعد ذلك - شاهد هذا الولاء الجم للتفاصيل البسيطة الموجودة في مشهد وديكور واحد لا يوجد به شيء يثير العين تقريباً إلا أن سكورسيزي يعطيه منحنى مختلف تماماً .. شاهد زاوية التصوير التي قدم بها أول لقطات العمل وتذكر كم مرة شاهدتها في شوارع وضيعة أو تاكسي درايفر أو الثور الهائج أو الطيار .. شاهد أسلوب القطع على متناثرات الحمام في بداية هذا العمل ومثيله تماماً في المشهد الأخير من الثور الهائج لكن على غرفة لاموتا هذه المرة .. شاهد طريقة التقاط الكاميرا للرجل بأكثر من موضوع ومثيلها في الطيار بمشاهد الحمام تحديداً .. شاهد حتى اضطراب المشهد ككل اللي بيفكرنا تلقائياً بمشهد "أتتحدث إلي" في تاكسي درايفر " - وبالرغم من عظيمة كل هذا إلا أن ما بهرني أبعد من ذلك ..
العمل بسيط للغاية .. ولكنه يقدم رؤية مبدئية ومبسطة لأمريكا من وجهه نظر سكورسيزي .. نفس تلك الرؤية التي رسخها بعد ذلك على مدار أربع عقود بعدة أفلام تستحق بلا أي مبالغة كلمة ( تحف ) ..
صدور الفيلم بعد الحرب الأمريكية على فيتنام لا يجعله فقط منوطاً بذلك ، هو مرتبط بأمريكا كل وقت وعقد .. هل هناك فرق لو قدم هذا العمل نفسه بعد حرب الخليخ أو حرب العراق أو أفغانستان ؟؟ ، الأمر واحد : في ذروة هذا التجمل الذي تتجمله أمريكا أمام العالم .. أو في ذروة رغبتها في أن تجعل كل شيء متكاملاً كما تبغاه تقوم ( بتجريح ) نفسها وتجريع العالم كذلك بالكثير والكثير من الدماء والعنف والحروب والدمار .. مع وجود آلية إعلامية - مياة الحوض - تقوم بتغطية تلك الدماء ولكن الأمر يزداد عن الحد ويتطور مع الوقت حتى تعجز الأدوات الإعلامية تلك/مياة الحوض في السيطرة على الوضع ، تغرق الدماء الأرضية وبقية الحوض .. وجه الرجل/أمريكا .. وكامل جسده ، وهو في كل ذلك لا يشعر أبداً بشيء خارق قد اقترفه في حق نفسه أو في حق الإنسانية بشكل عام .. فالأمر مجرد حلاقة ذقن تجميلية ولكنها مبالغة بعض الشيء !!
تلك الرؤية - العبقرية في نظري - التي قدمها الشاب ذو الخامسة والعشرون عاماً في ذلك الوقت مارتن سكورسيزي ، هي نفسها التي طبعت كافة أفلام المسيرة .. وكونت بدورها رؤية متسعة لما يوضع تحت عنوان عريض :
America Was Born In The Streets*
باختصار شديد :
لقد بدأ المشروع
أبكر كثيراً مما توقعت !!
---
ملحوظة 1 : حينما شاهدت هذا العمل بالأمس وانتويت طرحه بالمدونة لم ألحظ أن اليوم - 17 نوفمبر - وهو عيد الميلاد الخامس والستين لمارتن سكورسيزي .. كل سنة وانتَ طيب يا مارتي :)
ملحوظة 2 : الفيلم قد يكون عنيف بالنسبة للبعض لاحتواءه على الكثير من مشاهد الدماء .. بس بلاش دلع والنبي عشان الفيلم جميل :)
ملحوظة 3 : شكر واسع بطول الطريق الواصل بين مصر وإسكندرية للأخوين جودة - أحمد ومحمود - فلولاهما لم أكن قد شاهدت العمل بعد .. بل أن جزء من تحليلي الشخصي للعمل نتج عن نقاش معهم عنه .. شكراً يا رجالة :)
---
* The Gangs of New York Tagline
ولأن تارنتينو مبهور بكل ما له علاقة بالتجديد ومخالفة المألوف .. ولأننا كمحبين له أحببنا فيه ذلك .. انتظرنا عمله الجديد ، ضد الموت في نظري عمل جريندهاوس حقيقي .. مصنوع بشكل مُتقن حتى في جوانب رداءته – المقصودة تماماً - .. به روعة تصويرية وقدرة مميزة على صنع حوارات مثيرة تقوم أساساً على اللا شيء – حوارات عن طقطقة الظهر أو أشكال البرجر المختلفة أو الحيوانات القذرة أو حتى طبيعة المداعبة الجنسية التي تحدث بين مراهقة شابة وصديفها والتي تنهيها بطرده خارج المنزل ! - .. روح تانتينو موجودة في هذا العمل بالفعل – ربما أكثر حتى من كيل بيل - .. ولكن هناك مشكلة واحدة : أن تارنتينو لم يلهو بكاميراته هذه المرة قدرما قلَّد ثورته السينمائية التي حققها في منتصف التسعينات .. ولأن العبث إذا قُلَّد – حتى لو بإحكام – سيفقد خصوصيته .. لم أشعر بخصوصية تارنتينو هنا كما شعرتها في كافة أفلامه السابقة ..
في كافة أفلام تارنتينو السابقة هناك قصة بسيطة للغاية تدور حول الجريمة من زاوية أخرى غير التي اعتدنا عليها تقوم على أساس "لا منطق الجريمة" مع تركيز واضح على "منطق مرتكبيها" ، في أفلامه السابقة هناك "فلسفة" واضحة لكل مجرم فيما يفعله .. تبدو عبثية في أحيان كثيرة ولكنها تملك منطقها الخاص الذي لا تستطيع إلا أن تحترمه .. وفي المقابل هناك شغف بإظهار مدى لهو "الجريمة" وكأنها بطل مشارك في العمل "بلا منطقه الخاص" الذي يرفض تماماً منطق المجرمين ، إناس يموتون في أوقات غريبة وبشكل أغرب .. مخططات يتم كشفها .. فشل في تحقيق المهام المحددة سلفاً .. لأنه ببساطة لا يوجد في الجريمة أي منطق !
"ضد الموت" يمتلك بالفعل كل هذا ولكن دون العمق الذي امتلكته أفلام الرجل السابقة .. سواء إن كان هذا العمق على مستوى الصورة السينمائية أو حتى الأفكار الضاربة في اللهو ، هناك اكتفاء بجنون القصة وشغف إحياء سينما الجريندهاوس وإكسابها نكهة مميزة عن طريق حوارات تارنتونية النكهة ولكن دونَ اقتراب كافي من منطق المجرم – كذلك الذي يحمله جولز في بلب فيكشن مثلاً ! – .. أو حتى صنع ذلك بنكهة التجديد التي نراها في كيل بيل ، هناك مشاهد بدت وكأنها قص ولصق من أفلام الرجل السابقة – مشهد المطعم ومثيله في بداية كلاب المستودع .. مشهد السيارة ومثيله بنفس الزاوية التصويرية في بلب فيكشن .. بل ومشهد أبيض وأسود على نسق آخر في كيل بيل لم أفهم هدفه أو الداعي إليه ! – .. حتى الحوارات التي ميزته دائماً شعرتُ أنها لرجل يَدَّعي أنه تارنتينو ولكنه ليس هو بالفعل ، تارنتينو يُقلد تارنيتنو !
سيكون من الظلم اعتبار هذا العمل سيء بأي حال من الأحوال ، بالعكس هو عمل ممتع ومصنوع بشكل جيَّد للغاية مع تفوق معتاد من الرجل في أدواته السينمائية كافة ، ولكن لن يكون من الظلم أبداً – في نظري على الأقل – اعتباره أقل أفلام كوينتن تارنتينو .. سواء من ناحية الابتكار .. أو من ناحية العمق .. أو من ناحية الجودة ، فهو لم يخرج بكاميراته لاهياً هذه المرَّة كما اعتادَ دائماً ..
الوصول .. اختيار
يا الله !
شوف يا مؤمن الزمن !
البتاع ده فضلت أدوَّر عليه لشهور .. ومش لقيته !
قررت أسجَّلُه لما ييجي الفيلم .. ومن ساعتها الفيلم مجاش !
وفي الآخر ألاقيه بالصدفة !
عموماً أنا مش بنزله بس عشان حاجة كنت بدوَّر عليها من فترة طويلة جداً - أكتر من سنة ونص ! - ولقيلتها ..
أنا بنزله لسببين :
أولهم إني فرحت لما لقيته بشكل أكتر حتى ما أنا كُنت متخيَّل وفضلت أنط مع مُحسن على مُحاكاة عظيمة لاستعراض زي "الرقص تحت المطر" وأنا مُتخيَّل إن روح جين كيلي بترعانا في تلك اللحظة الاستثنائية من تاريخ البشرية !
والتاني إن في تلاتة من اللي بيدخلوا المدونة دي أفتكر إن هيكون عندهم اهتمام بالأغنية والاستعراض ده بشكل كبير وهيفرحوا برضه لما يلاقوه صدفة !
شكراً لليوتوب اللي مظبَّطنا تماماً
وشكراً للأستاذ مرسي اللي رفع الفيديو النادر ده عليه
ولنرقص بسعادة هانئين تحت المطر مع جين كيلي ومحسن محيي الدين
جُملة مُفتَتَح :
"إنَّني أسألُ نفسي لماذا عملتُ في هذا الميدانِ خمسين عاماً وأكثر ؟! ، لماذا تستيقظ مبكراً في الصباح كي تبتكر وتخلق أشياءً جديدة ؟ وأجدُ نفسي أجيبُ عن هذه الأسئلة بأنني أُريدُ إيجاد صلة مباشرة بيني وبين الناس لأخبرهم بأشياءٍ عن أنفسهم .. وعنَّي أيضاً ، رُبَّما يُصبحُ في إمكاننا بالوسائلِ المتواضعة تغيير بعض الأشياء ، حتى لو كانت أشياء صغيرة"
كان من الطبيعي أن أهتم - كمُراهق شغوف بالتعرف على سينما اللهجات المختلفة - على مُخرج ذا سُمعة كبيرة مثل إنجمار بيرجمان ، طبيعي لإنه واحد من أكبر وأعظم مخرجي العالم بشكل عام وخارج أمريكا بشكل خاص – يكاد لا ينافسه في ذلك سوى الإيطالي فيليني – درجة فوزه بجائزة الأوسكار ثلاث مرَّات طوال رحلة سينمائية استمرت قرابة الخمسين عاماً ، كان من الطبيعي كذلك أن أتفهم ذلك الشغف الهوليودي بسينماه وأختصره ذات مرة في جملة بسيطة "هوليود كرَّمت بيرجمان وفيليني لأنها ببساطة لم تستطع تقديم ما قدَّماه" ومن فيلمٍ إلى فيلم يُحال الأمر إلى تعمُّق أكبر في مشروعه ويقين يزداد بأنه "لا يوجد من ينافسه في صُنع سينما فلسفية بتلك الطريقة" ، مع مرور الوقت وجدت أن سينما بيرجمان لم تفتح لي باباً لمشاهدة سينما مختلفة فحسبٍ بل فَتَحت ليَ باباً آخر فاصلاً بينَ الحياة والموت – نعم هو باب بهذا الكبر ! - ..باباً لا يهتم به من هُم في أعمارنا عادةً حيثُ يكون شغف وحماس البدايات أهم كثيراً من علامة الاستفهام الكُبرى عن النهاية ، كيف استطاع استطاع مُخرج الخمسين عاماً أن يصلنا بعلامة الاستفهام هذه ؟؟ .. أمر إعجازي حينما يتعلق بفن يعتبره الكثيرين ترفيها .. من مُخرج بدأ تلك الأفكار منذ مطلع شبابه بالكثير والكثير من العمق .. واجه معوقات التوزيع ولم يخضع للسينما التجارية في أيًّ من أركان مشواره الممتد ، صعب كذلك حينما نتحدث عن مُخرج سويدي رفض في كافة أعماله العمل بلهجة غيرها بل والتصوير خارج حدودها حتَّى ، إنه إنجمار بيرجمان !
جُملة توسيط :
"إنَّ المرء يشعر بمسئولية أن يقول الحقيقة عمَّا يراه .. وهذه هي الراحة النفسية كما أتصورها"
على عكس الكثيرين الذين تناولوا سينماه ورأوا أنها ذات نزعة عدمية تُفيد بأن النهاية هى نقطة لا يوجد بعدها سطراً جديداً في توجه إلحادي واضح ، على عكس هؤلاء كُنت أرى أن مشروع بيرجمان لا يُحاول فرض وجهه نظر مُعينة عن الموت .. الحياة الأخرى .. قدرما يتساءل ويشاركنا معه في تساؤله وحيرته .. يحاول جاهداً استكشاف ما يكمن بداخل الروح – كمعنى مادي ورمزي - .. يبحث عن الحقيقة التي لم يستطيع الوصول إليها ، يضعنا في مواجهة شخصيات ضعيفة .. هشة .. حائرة .. تبحث عن نقطة نور واضحة وسط ما تعانيه من تشتُّت وغضب .. نتجوَّل بداخلها لبرهة قبل أن نكتشف أن المخرج الفيلسوف يضع آلامنا بجانب بعضها البعض متجاوزاً الموطن واللغة – وهذا سبب من أسباب عالمية سينماه – طارحاً سؤال النهاية الدائم : "ماذا بعد ؟؟"
جُملة خِتام :
"سيكون من العبث ألا يوجد شيء بعد أن نموت ، لستُ خائفاً من الموت وأتمنى أن يكون هناك حياة أخرى لأنني أتمنى أن أرى زوجتي إنجريد هُناك"
وماذا بعد ؟؟
تُرى كيفَ كان الموت ؟؟
كيفَ ارتأيتَ شريطَ الحياة الطويل قبل لحطاتٍ من الرحيل ؟؟
بأيَّ صورةَ جاءك ملك الموتِ ؟ هل كان بالفعلِ مُرتدياً لباساً أسود ؟؟
كم امتدَّ بينكما دور الشطرنج المُراهِن على حياة كاملة ؟؟ هل خدعك ولم يلعبه ؟!
أم أنَّك استسلمت له مبتسماً في راحة لأنك قد وصلت لنقطة النهاية التي تنتهي بعدها كل حيرة عانيتها ؟؟
هل قابلتُ إنجريد عزيزي بيرجمان ؟؟
أيًّ كانت إجاباتك
يوماً ما سنعلم
فلا أحد يهربُ منه !
Ingmar Bergman
14 July 1918 – 30 July 2007
One of the Greatest Director
.. Ever