05 مارس 2015

الكتب التي تحمل الزمن.. (نسخة 2014)


إلى نُهَى


"مَينقطعش الجاي والرايح"


.
.

بوست السنة اللي فاتت
.
.

كل فترة من حياتي بييجي شخص يفكرني أو أتقاسم معه فؤاد حدّاد، وتحديداً "أيام العجب والموت".

في الأول أحمد صلاح، كان اسمه في المنتدى بتاع كفاية "مندوب القلّة المندسّة"، كان فشيخ وقتها، هادئ ومُلْهِم جداً، أظن إن سبب أساسي لارتباطي بشعر فؤاد حداد في وقت صغير كان هُو، فيه دراما عن قد إيه إحنا بُعاد عن بعض دلوقتي، وإن شخص بتلك "الرقّة" اللي كان عليها يبقاله الميول الدموية الحالية دي بسبب السياسة، أنا بس وأنا بكتب دلوقتي، وفي حال حصلت مُعجزة وقرا الكلام ده في يوم من الأيام، فأنا عايز أمتَن جداً للشخص الذي كانه.

المهم، في الأول كان صلاح، بعدها بشوية حسين، بعدها أمين نفسه، وسامية، ثم بعدت شوية لحد ما نوران رجعته بكل الرقة اللي بيخلقها في القلب لما عرفنا بعض في مارس اللي فات، ومن أكتر الذكريات الطيبة اللي تقاسمتها مع حد طول السنة اللي فاتت كانت الأوقات اللي كنا سوا فيها بنسمع فؤاد حداد أو نقراه في بلكونة البيت.

وفي الآخر، من كام أسبوع، جه طحَّان لما كنا قاعدين عَ القهوة، وكان بيحكي عن إنه بيسمع قصيدة "جودة سعيد الديب"كتير جداً الفترة دي، فأروَّح واكتشف إني عمري ما سمعتها بصوت فؤاد حداد رغم إنها أكتر قصيدة قريتها في حياتي، واسمعها، ومن وقتها وطول أيام بعدها مكنش بسمع غيرها، في أي حتة وفي كل مكان، وأحياناً أكون ماشي في الشارع أو راكب العجلة وأردد بصوت عالي "والسنين فاتت وأنا بناديك
/كنت من صغري بحايل فيك/أما دلوقتي فؤادي انفجر"، سمَّعتها لفرح، بعت جزء منها لنوران، وكتبت لسُهى على أول ورقة في كتاب "مصطفى ذكري" عن"التراب اللي انحضن وانباس".

كُنت ممتلئ بالقصيدة وأنا مش عارف ومش بحاول أعرف هي ليه كبيرة في قلبي للدرجة دلوقتي، كانت أيام حزينة جداً بعد المذبحة، وهو كان مؤانس بشدّة.

https://soundcloud.com/foadhaddad/oo7txtpnfw8z

وكالعادة رجعت لنسخة "أيام العجب والموت" اللي حكيت عنها مرة هنا. وفكرت –وأنا بحضَّر الكتب اللي قريتها السنة عشان البوست ده ومن ضمنها إني قريت الديوان في مارس اللي فات- إنه أكتر كتاب فِضل معايا، تنقل بين البيوت، من بيت أهلي لبيت جدتي لشقتي القديمة في الدقي لجاردن سيتي لإني خدته معايا مرة المقطم، 5 بيوت غير عابرة، وكتاب، وكنت بفكَّر إن الديوان ده تحديداً شيء مُنساب في زمني تماماً، مختلف عن أي كتاب تاني قريته.

عشان كده محستش إني عايز أحطُّه بين الكُتب التي تحمل الزمن، لإن زمنه أكبر كثيراً من السنة اللي فاتت بس، وبدلاً من كده قلت إني هكتب مُقدمة البوست عنه، ووانا بكتب تحول لإنه كمان عن الناس اللي ارتبطوا بيه.

.
.

"البوست ده تأريخ شخصي بتون مُختلف للسنة اللي فاتت في حياتي، مش عن الكُتُب بالضرورة، والتَّرقيم مش دقيق ولا بيعني حاجة صارِمَة قد ما هو مُحاولة لغَربَلَة الزَّمَن":

13- ملحمة الحرافيش.. نجيب محفوظ (يونيو 2014): السنة دي كانت سنة إعادة نجيب محفوظ، بالصدفة في الأول لما رجعت أقرا أهم روايتين ليه بالنسبة لي في يونيو، ثم عشان تحضير الملف اللي عملته عنه في المصري اليوم رجعت قريت روايات كتير ليه في أغسطس، مستغرب إن "الملحمة" تراجعت شوية عن ذكرياتي عنها، فيه حكايات في النص كان واضح المرة دي بالنسبة لي إنها  أقل تماسكاً وبهاءً من الحكايات الأهم عن عاشور الناجي وشمس الدين وزُهرة وفتح الباب وجلال.

أكتر حاجة فاكر إنها تبقَّت هي الفكرة دي عن إني عايز أروح "كاترين" وأقعد بمعزل عن الناس لفترة، في مُحاكاة للوصف الرائق جداً اللي كتبه عن عاشور الناجي مع ابنه وزوجته، "حين جعلوا الصحراء تنقي أرواحهم".

مفروض آخر الشهر هروح "ڤي-باسانا" لمدة 10 أيام، هو شيء قَريب جداً من كده رغم شكله المختلف، هَيبان.


12- الثقافة الجماهيرية والحداثة في مصر.. والتر أمبرست (أبريل 2014):
أمبرست من أكتر الناس اللي قريت لهم اللي بيحللوا بوعي وحِس متأني الظواهر الجماهيرية وعلاقتها بالمزاج العام في المجتمع، عوضاً عن الكلام اللي بيحمله الكتاب نفسه وقيمته في تشكيل صورة "الوقت" –نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات- من خلال الأعمال اللي حققت طفرة جماهيرية.. فهو كان مُلهم عموماً في أفكار كتير.


11- كتاب الضحك والنسيان.. ميلان كونديرا (أكتوبر 2014): إلى جانب محفوظ، فالسنة دي قريت بكثافة لكونديرا، بدأ كل شيء بالصدفة عن طريق إعادة "كائن لا تُحتمل خفته"، ثم قريت بالتتابع كذا عمل ليه، في القراءات الجديدة "كتاب الضحك والنسيان" كان أجملهم وأكثرهم قرباً.

أظن إن قيمة "الكتاب" –كنت بقول في الريفيو على جودريدز إن كتاب هو أدق وصف ووضعها في العنوان من قِبَل كونديرا مفهوم جداً بالنسبة لي لإنه أكتر تداعي حُر في كل اللي كتبه-، كنت بقول إن قيمة الكتاب زادت مع الوقت في الكام شهر اللي فاتوا، بتذكر قصة الناس اللي بيحاولوا يستعيدوا رسائلهم القديمة بعد نهاية الغزو السوفييتي، أو كتابته عن علاقته بأبوه وذاتيته المُباشرة اللي مش فاكر إنه كتب بيها في عمل تاني قريتهوله، أو الفصل بتاع الـ"لوتيست".. الفصل المُنْحَط والعظيم اللي بيمَسْخر فيه الشعر والشعراء، كان شيء فائق الموهبة والشَر.


10- الجميلات النائمات.. ياسوناري كاواباتا (نوفمبر 2014)
9- موت إيفان إيليتش.. ليو تولستوي (ديسمبر 2014)


الروايتين قريتهم بالصدفة ورا بعض، آخر نوفمبر وأول ديسمبر، وكانت مُصادفة عظيمة لإنهم بقوا في ذهني كانوا شديدي الاكتمال.

الجميلات النائمات عن العَجَز والشيخوخة وإدراك قُرب الموت والذكريات البعيدة اللي بتقترب في أواخر الزمن، "موت إيفات إيليتش" هي عن لحظة الموت نفسها بشكل مُباشر.. مُساءلة النَّفس عن كُل ما حدث.. والألم النفسي –عوضاً عن الجسدي في حالة بطل الرواية- عن إنه "خلاص كده".

"انتهى الموت، قال لنفسه، لم يعد هناك موتاً آخر"
بفكر، بصلة من الروايتين دول ورواية جورج أمادو "الرجل الذي مات مرتين" اللي قريتها في سبتمبر، إني عِشت في سنين عُمري القليلة حياة صاخبة وصعبة وجَميلة، كما أردت تماماً أن أعيشها، وعندي في اللحظة دي امتنان عابر لده.
.
.

فاصل: أثناء كتابة البوست، توقفت هُنا وقُمت، وعند العودة فتحت «جودريدز» لاستكماله، واستعادة تواريخ القراءة بدقة، فوجدت أول تحديث هُناك لنُهى، ريفيو قصير عن رواية "أصلان" الأخيرة، وتقول أنها تذكرتني، وتذكرت حين كُنت أتحدث عن أن الكتب تحمل زمنها معها، البوست القديم الذي بدأت ثَانيه هذا بإهداءٍ لها منذ 4 ساعات فقط، الصدف تتحرَّك بالطاقات كما أؤمن، والحياة مَكان كَريم أحياناً.. في الكثير من الأحيان.
.
.


8- فردوس الزهراء.. أمير وخليل – ترجمة: أحمد وريم (ديسمبر 2014):

بحب الحكاية، إني في أكتوبر ونوفمبر 2012 كنت بحضر لملف عن ذكرى محمد محمود، قابلت بعض من أهالي الشهداء، ومن أكثر ما بقى في قلبي هو والدة الشهيد "محمد بشر أنور" وهي بتحكي عن إنه اتأخر، ونزلت تدوَّر عليه، لما كتبت ده في الملف، اللي كان اسمه "الريح التي تهز الشعير"، كتبت "تلك الليلة التي لن تنساها، والتي قضتها تُلاحق الأمل الذي يتضاءل بوجوده حياً، هرولت إلى التحرير حين تأخر وأخبرها أحد أصدقاءه أنه هناك، دعت أن تجده في الشارع وبين الناس ولم تجده، فدعت أن تجده بين المصابين في المستفياتِ ولم تجده، فذهبت إلى المشرحة وهي تدعو ألا تجده، ووجدته."

في الرواية دي، اللي مكنتش عظيمة بمقاييس فنية مباشرة، أو بشكل الحكاية اللي بتحكيها، بس امتلكت شحنة عاطفية عظيمة، اكتملت تماماً لما أم مهدي كانت بتقول في جزء "هل تتخيلين أنني ذهبت إلى المستشفى وأنا أتمنى أن أجده؟!".

ثم كانت الهوامش الأخيرة، ملامسة أحمد وريم لكم الشبة والوصل، الحكايات الجانبية عمَّن غيبتهم الثورة، الإهداء في الصفحة الأولى، والـ16 ألف اسماً في الصفحاتِ الأخيرة.

كانت هدية ماجد في عيد ميلادي، راجل شوَّاف ماجد برضه :)


7- جنوب الحدود غرب الشمس.. هاروكي موراكامي (نوفمبر 2014): 


كل شيء مَلفوف ومُتصل، تماماً، الحياة دائرية بشكلٍ مُدهش، مبهر بالنسبة لي حتى مع تسليمي الدائم ليه.

لما اشتريت الرواية كان قبل سَفر نُهى لألمانيا، كانت بتقول إنها عايزة كتاب تخليه معاها في السفرية، وبتفكر في الرواية دي، نزلنا سوا من البيت ورحنا لمكتبة "تنمية"، بس طلبت مني أجيب لنفسي أنا كمان نُسخة، مكنتش متحمس عشان عارف إني مش هقراها دلوقتي، بس جبتها كجزء من الاتفاق.

لاحقاً، لما بدأت قرايتها، في أول نوفمبر، كانت أيام صعبة وضبابية شوية، تخص أهم قرار خدته السنة دي، عني أنا وفرح، فاكر اللحظة كويس، كنت مُثقل، عند الحلاَّق عشان مش عايز أفضل في البيت ولا أكون مع ناس فقلت هنزل أحلق، فيه اتنين كانوا قبلي فطلعت الموبايل نزلت الرواية وقلت هقرا صفحات منها وأكملها في النسخة الورقية لما أروح، بدأت أقرا.. وفي المفتتح كانت بطلة الرواية بتقول لبطلها "كل شيء سيكون على ما يرام، ابقَ هُنا وكل شيء سيكون أفضل". وكان ده ليه معنى وأثر في عالمي، مفضلتش وكملت عشان الجملة بس لحظتها كان شيء أثر فيَّ فعلاً. ثم صار كل شيء أفضل وعلى ما يرام.

خلاف كده، كنت بشوف في الرواية أنا قد إيه كبرت، السنة قبل اللي فاتت، أبريل 2013، وأنا بقرا "الغابة النرويجية"، كنت بزق نفسي مع الشخصيات لتجاوز الماضي، وأنا بقرا "جنوب الحدود غرب الشمس" كنت حاسس إني سابق الشخصيات –المُشابهة للغابة النرويجية.. ولعالم موراكامي المتصل بشكل عام- بخطوة.

الماضي شيء خطير، لازم التصالح معاه أول بأول.


6- الطريق.. نجيب محفوظ (أغسطس 2014): 


شيء كبير أوي بقى والله العظيم، يعني أظن إن دي "أمتن حكاية" في الكُتب اللي موجودة في البوست كله.

أعدت قراءتها أثناء التحضير لملف محفوظ، كانت إعادة قراية مُدهشة، الطريقة اللي الحكاية بتكبر بيها، وإزاي الطريق في النهاية بيتفرع لـ3 خيارات –الأب.. كريمة.. إلهام- كل واحد منهم هيحدد حياتك للأبد، وإنك تتناول أمور على القدر ده من العُمق والفلسفة في ظل حكاية بوليسية بالأساس، أنا منبهر تماماً.

أكتر فكرة سيطرت على بالي وقتها إن لو نجيب محفوظ كاتب فرنسي أثناء الموجة الجديدة كان هيطلع منه كم أفلام عَظيمة مش قليل، وإني فهمت جملة توفيق صالح عن إن "السينما المصرية هي نجيب محفوظ". من الجيد إن موهبة استثنائية بالحجم ده نالت التقدير والتكريم اللي تستحقه مع مرور الزمن.


5- كتاب الطاو.. النص المُقدس الصيني بترجمة علاء الديب (يوليو وأغسطس 2014): 


بدأ كل شيء أثناء القعدة مع هالة لطفي، كانت بتحكي عن إنها قبل بداية تصوير "الخروج للنهار" ادّت لكل واحد من فريق الفيلم نسخة من كتاب الطاو بترجمة علاء الديب، وبعتت لي نسخة من الكتاب، مكنتش سمعت عنه قبل كده، بدأت أقرا.. ببطء وتمهُّل.

"الخطئية الكبرى هي الرغبة، اللعنة الكبرى هي عدم الرضا، سوء الحظ الأكبر هو الرغبة في الحصول على الأشياء، من يعرف أن الكفاية كفاية.. يحصل –دائماً- على ما يكفيه"
بَحاول


4- كائن لا تُحتمل خفته.. ميلان كونديرا (أغسطس 2014): 


لما قريت الكتاب أول مرة كنت أصغر، مكنتش أعرف تحديداً هو بيتكلم عن إيه، يبدو كلام عَميق وكويس عن حاجة أنا أصلاً معرفهاش.

فرق السنين بين القرايتين هو أنا، اختبار كَم مُختلف من التجارب والمشاعر والعلاقات والناس بيأدي لإني فاهم فعلاً هو بيحكي عن إيه، وبالتالي كنت شايف كونديرا، والرواية دي تحديداً، من أكتر الحاجات اللي قريتها في حياتي عُمقاً وصِلَة وفِهماً للبني آدمين، واستكشافاً لماهية الحُب والطاقات الرايحة جاية، كنت في أحيان كتير بقوله بطريقة عبدالفتاح القصري في ابن حميدو "يا كونديرا يا فاهم يا واعي يا مستوعب الأشياء" :)

أكتر جملة تبقت هي الجملة دي

 وأكتر جزء مُكتمل وبيحضر على بعضه في بالي هو الحلم، حلم "توماس" بأقرب تصوّراته عن الجنة، "كان يجلس مع امرأة، "تشع هدوءاً وحركة يدها ناعمة"، ويصف بأنه "طوال حياته افتقد هذا الهدوء الأنثوي بالذات"، وحين استيقظ، ظلَّ يتصور بأنه يعيش في عالمٍ مثالي مع امرأة حلمه، وأنه سعيدٌ، ولكن، في حلمِ يقظته هذا، وفي لحظةٍ مثالية منه، يتخيَّل "تيريزا"، حبيبة حياته الأرضية، تَمُرّ من أمام الشباك، وتنظر له مع امرأته، وعندئذٍ سيشعر بألمها في قلبه، و"سيغور في روحها
".

تخيَّل "توماس" نفسه وهو يقفز، ويذهب إليها، وتخبره، بحركةٍ عصبية يكرهها، وبمرارةٍ تملأ فمها، بأن عليه أن يبقى حيث يشعر بالسعادة، وهو يُدرك، في تلك اللحظة بالذات، داخل حلم اليقظة وخارجه، أنه مُستعد لأن يترك بيت سعادته والجنة التي يعيش فيها مع امرأة حلمه "في سبيلِ الرحيل مع تيريزا، هذه المرأة المولودة من ست صدف مُضحكة".


(3) ليالي ألف ليلة.. نجيب محفوظ (يوليو 2014): 


"ثلاثة أجساد مؤقتة ليصير السفاح درويشاً"

وكأن مُحمّد قد شرب عشر أرطالاً من الخمر

على عكس "ملحمة الحرافيش" اللي قلّت شوية، فكل ما تركته في "ليالي ألف ليلة" وجدته هُنا

"
أحبُّ، أكثر من أي شيء، الطريقة التي يتعامل بها نَجيب مع نفوسِ الناس، ليست نقيَّة تماماً ولكنها ليست عَفِنَة بالكامِل، كيف تعرَّض فاضل صُنعان لمعجزة الطاقية فأفسدته، وكيف تعرَّض معروف الإسكافي لمعجزةِ الخاتم فانتصرت رَوحه، لماذا مَنَح الله عَجر الحلاق فُرصاً متتالية للتوبة.. في مُقابل أخذ علاء الدين مَظلوماً، حكاية الشيخ عن الرجل "الذي نَجَّاه الله من الموت بالموتِ"، والحِكْمَة والرّضا والسحر المتراكم في تلك الرواية سَطْراً بعد سَطر."
الحِس الصوفي الفاتن ده في التعامل مع العالم، وقدر الحَكي العظيمة في تسليم الحكايات لبعضها.

أعظم روايات محفوظ بالنسبة لي، ومن أعظم ما قرأته في حياتي على الإطلاق



(2) هيتشكوك
/تروفو.. حوار ألفريد هيتشكوك الطويل مع فرانسوا تروفو (يناير وفبراير 2014):


الكتاب ده منحني أهم تجربة قراءة ومُشاهدة خلال السنة.

هو الحوار الطويل اللي عمله فرانسوا تروفو مع هيتش سنة 66، وبيتتبع فيه مسيرته فيلم فيلم، يتكلموا عنه ويستشكفوه

أثناء القراءة رجعت شُفت كل أفلام "هيتشكوك" مرة تانية، كل فيلم تزامناً مع الجزء اللي يخصه في الحوار، كنت بشوف بعين أكبر ونفس أكثر تواضعاً ورغبة في الفِهم والاستكشاف، وكان من أهم الكتب السينمائية اللي "اتعلّمت" منها، سواء مُشاهدة أو تنفيذ الأفلام.

ثم، بنفس القدر من الأهمية، وبطريقة مُدهشة ومُلهمة، الكتاب بيتحول في الآخر لعمل أدبي عظيم، هيتشكوك بيموت سنة 80، والنسخة اللي عندي هي النسخة اللي "تروفو" كتب لها مقال ختامي طويل سنة 84، بيتكلم فيه عن العقدين الأخرانيين في حياة الراجل، إزاي كان بيكبر، والعالم بيتغير، والمزاج العام بيميل ناحية التلفزيون، ومحاولته المستميتة في تحدي الزمن والاستمرار داخل اللعبة، وفشله في ده بفعل العَجَز، وقتها حسيت إن الكتاب كله بقى رواية أصيلة ومتماسكة جداً، ومَسرودة بشكل غير مُعتاد: بعد ما تابعت حياة هيتشكوك على مدار خمسين سنة، دخوله السينما، صعود اسمه، تحوله لأنجح مخرج هوليوودي، لحظات النجاح والفشل، بييجوا آخر 50 صفحة دول كفصل أخير في الرواية، بمُعايشة مُدْهِشَة لكل المشاعر اللي بيمر بيها راجل عجوز في سنينه الأخيرة، "كيف كان علينا أن نتعامل مع شيخوخة رجل عظيم؟"


(1) لطائف الإشارات.. الإمام القشيري (من أبريل إلى نوفمبر 2014):



كنا في كاترين، صباح 4 أبريل الماضي، حين فَتحت الكتاب لأول مرة، كانت النُّسخة لرضوى.

بدأت القراءة، "تفسير صوفي للقرآن" هو تعريف مثير للاهتمام، خصوصاً مع قراءة بعض المقاطع من "الرسالة القشيرية" في وقتٍ سابق، فتحت جزء التفسير الخاص بسورة يوسف، أقرب سور القرآن لي، وأكثر ما أعرفه منه، استغرقت كثيراً كثيراً، لم أقرأ من قبل شيئاً يتعامل مع النص الديني بتلك العذوبة. كانت الحياة مُرهقة ومُلَخْبِطَة حينها، وعدة أرواح ليست بخير، وفي تفسير السورة كنت قد وَصلت للجزء الذي يُفسر فيه رَمي يوسف في البئر، كان الإمام القشيري يقول أن الناس.. العابرين الذين أنقذوا النبي.. عطلهم الله أمام هذا البئر تحديداً، ربما سَكَنت ركوباتهم أو خَلصت مياههم أو أي شيء آخر سيبدو ضاراً، فقط لأن لُطف تقديره يُحتم أن يكونوا سبباً في إنقاذ يوسف، "أفلا رب تشويش يقع في العالم والمقصود به سكون واحد"؟ اهتز قلبي ثم سَكَن، كتبت الجملة على ورقتين.. أعطيت لرضوى واحدة واحتفظتُ بالأخرى.


حين عُدنا للقاهرة اشتريت الكتاب، وخلال البقية الباقية من العام كنت أقرأ فيه بهدوء وبطء وعلى مهل، صاحبني طوال أشهر طويلة، وما من شيء يمكن قوله بأكثر من العنوان نفسه.. كل هذا اللُّطف في الإشارت، كل هذا العطف المُرسل من هناك إلى هنا.

أذكر أوقاتاً بعينها كان الكتاب موجوداً، تلك الرسالة التي كنت أكتبها لمي سعد، عن الثورة وعن ماهينور وعنا، وتزامنت مع وصولي لجزءٍ من الكتاب بقول فيه الإمام: "ويقال حُكم الله بأنه لا يفتح للمريدين شيئاً من الأحوال إلا بعد يأسهم منها، وقال تعالى "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته"، فكما أنه ينزل المطر بعد اليأس، فكذلك يفتح الأحوال بعد اليأس منها، والرضا بالإفلاس عنها".

هذا العام كان مهماً، كان الأهم في حياتي، وهذا الكتاب صاحبني في الزَّمن كله.