31 ديسمبر 2013

ثلاثة افتتانات عابرة بالسيدة أم كلثوم



(1)

وأم كلثوم اللي ساكنة الراديوهات
قاعدة ويَّا الجدّة في الدور الفوقاني

كُل حواديتهم آهات
                                   أمين حدَّاد

(2)

«أم كلثوم نفسها كانت تَكْبُر»! بدت الجملة غريبة، حين قالها المُلحّن محمد الموجي في حوارٍ بعد سنوات طويلة من وفاتها، كأن أحداً لا يُصدق بديهية أنها، «السّت»، كانت أيضاً تَهْرُم وتَعْجَز وتَشِيخ.

بدا «الموجي» بحاجة إلى حكاية كي يؤكد على حقيقة تبدو للوهلةِ الأولى بديهيَّة، قال أنه حين قدَّم معها أغنية «للصبرِ حدود» عام 1964 أرهقته كثيراً، كانت تقدم الكثير من الاقتراحات على الجُمَل اللَّحنية، العُلُو والهبوط، متى يَرِق صوتها ومتى يَشتَد، بعدها بسبعِ سنوات اجتمعا من جديد في أغنية «اسأل رُوحك»، وفي تلك المرَّة تركت له «ثومة» كل شيء، كانت أغنيته.. دون اقتراحات منها، لأن «الست»، حتى لو بدا ذلك غريباً على السامعين، كانت تكبُر.

و«الموجي»، رغم كل تلك السنوات، لم يَنسَ ما قالته له صَبيحة غناءها «للصبرِ حدود»، في الوصلة الثانية للحفلِ الذي غنّت في وصلته الأولى «انتَ عُمري»، حين حَدَّثها مُعاتباً، «كده تدبحيني انتِ وعبدالوهاب؟»، في إشارة إلى أن الناس حين انتهوا من ساعتين لـ«لقاءِ السحاب»، كما سُمّي، لم تكن قلوبهم تَحتمل المزيد، فجلسوا هامدين وبدت أغنيته غير ناجحة، والسيّدة ضَحِكَت من جملة المُلَحّن الشاب، ثم قالت له بودّ «اتلهي»، قبل أن تُكْمِل بحكمة «يا مُحمد، بكرة تشوف الأيام هتعمل إيه».

والمُلحّن الشاب.. عَاشَ بعدها كثيراً كثيراً، أمسَى كهلاً، يَرى عَمَل الأيام، وأغنيته تكبر مع الناس، أكثر حتى من لحنِه الآخر الذي خرج دون تدخُّلات من «الست»، وبقدرِ «انتَ عُمري» التي ظن يوماً أنه ذُبح بسببها.

سنوات طويلة بعد ذلك، مات «الموجي»، وتغيَّر العالم عن سابقه، مُستخدم على موقع «يوتيوب» يَقوم برفعِ مَقطع «أكتر من مرَّة عاتبتك» من أغنية «للصبر حدود»، مقطع مثالي عن مُساءلة الفُرص والذكريات، الآهات تعلو وتَهبط،
الصوت يَشتد ويرق، غضب على الضَّال الذي ذهب رغم كل الاحتمالات، وتأسي للنّفس التي ظَلَّت تَرجو وتَنتظر، «أكتر من مرَّة عاتبتك وادّيتلك وَقت تفكَّر / كان قلبي كبير بيسامحك إنما كان غَدرك أكبر»، المُعلّق الأول على المقطع في «يوتيوب» كَتَب، بافتتانٍ، «يا عُمري عليكِ يا ثُومة، يا عُمري عليكِ يا ثُومة»، ويكررها، كأنه يعنيها تماماً، هذا الافتتان يَجعل معنى للحكاياتِ كُلها، قطع بازل صَغيرة: إضافات أم كلثوم في اللحن، ليلة «الموجي» الصعبة ظاناً أنه ذُبِح، ونبوءتها له في الصباح عما سـ«تَعْمله الأيام»، يتداخل كل شيء ويجتمع في الافتتانِ العابر: «يا عُمري عليكِ يا ثُومة».

(3)

في تسجيلاتِ حفلاتِ أم كلثوم، تَكون تلك الافتتانات مَسموعة، صَيحات الجمهور وآهاته في كل مرة، ومع الوقت، مع مرات السماعِ الكثيرة، تصبح تلك الأصوات جزءً من رُوحِ الأغنية، كأنَّها وُضِعَت مع اللَّحن ذاته.

سيّدة «حيَّرت قلبي» الجالسة بين الجمهور تبدو مثالية للتعببر عن ذلك، كانت الأغنية هي اللقاء الأول بين أم كلثوم ورياض السنباطي بعد شهور من الزَّعل والفرقة مطلع الستينات، كان يدقق جداً في «مشروعها الفني» ويجادلها في كلمات أغانيها، رأى أنه ليس من مقامها أن تقول «حب إيه اللي انتَ جاي تقول عليه»، فغضبت، وحين غنتها.. غَضب، وظل الخصام حتى عادوا بـ«حيّرت قلبي معاك».

هناك عدد من أغاني أم كلثوم تبدو «حيَّة» جداً، يتغيَّر «تون» الكلمات واللَّحنِ في آخر الأغنية عما كان عليه في أولها، بهدوءِ ورَويَّة، تبعاً لتبدلِ الحالِ، «حيرت قلبي» واحدة من تلك الأغنياتِ، تَمر «ثومة» أثناء غناءها بأموادِ مُتعاقبة، غَضب من مَحبوبٍ لا يَلحظ حُبها، ثم مُسامحة، ثم عتب فخِصام، ثم خوف، ثم تقبُّل، متلازمة الذهابِ وراء الضَّال وأسئلة المُحِب من طرفٍ واحد، وأخيراً، في المقطع الختامي للأغنية تبدو وكأنها وصلت لحلٍّ «هفضل أحبّك من غير ما أقولّك...
/... لحد قلبَك ما يوم يدلّك»، في تلك اللحظة تَكون أم كلثوم مَبسوطة! يبدو ذلك واضحاً على صوتها، لذلك فهي تكرر الجملة التالية لخمسِ مرات متتالية كأنها تستعذب جمال خيالها: «ولما يرحمني قلبك ويبان لعيني هواك/وتنادي عَ اللي انشغل بك وروحي تسمع نِداك».. في كل مَرَّة تَنْطِق فرحاً، والجمهور بالتالي كان فرحاناً أيضاً، لا يُريدها أن تنتهي، وأن تكرر الجملة أبداً.

في تلك اللحظة تحديداً، تقوم سيدة «حيرت قلبي» بـ«زغروطة» طويلة، كأنها تعبر عن انبساطِها بفرحِ أم كلثوم في الأغنية، أو –ربما- برجاءها الذاتي، تُكرر الزغروطة ثانيةً، ثم مرةً ثالثة، يَصيح الناس، للسيّدة فوق المَسرح وسيّدة أسفله، حينها فقط تتحول «بدّي أشكيلك...
/وبدّي أحكيلك...» على مدارِ الأغنية إلى «أرضى أشكيلك من نار حُبّي/وابقى أحكيلك عَ اللي في قلبي» ولأن الأغنية «حيَّة» فإن جملة «أصور لك ضنى روحي/وعزة نفسي منعاني» تصبح في الختامِ تساؤلاً راضياً «وأقول يا قلبي ليه تخبّي؟/وليه يا نفسي منعاني؟» ، ومع مرَّات طويلة من السَّمَع.. صارت «الزغروطة» جزءً من «حيَّرت قلبي»، كأن لحن «السُّنباطي» وفَرح أم كلثوم لم يَكن ليكتملِ بدونها.

بالمثلِ، تماماً، يبدو محمد عبدالوهاب وكأنه تَرك مساحة فارغة مخصوصة في لحنِ أغنية «فكروني» لأجلِ هذا الرجل الذي صَفَّق له الجمهور!

«فكّروني» واحدة من أكثر الأغاني حُريَّة في تاريخ أم كلثوم، بعد بداية حذرة وتقليدية في «انتَ عمري» و«أمل حياتي»، كان «عبدالوهاب» من الجبروت أن يَجعل «الطبلة» في عزفٍ مُنفرد في أغنية للسِتّ، وكان من العظمة بأن يَمُرّ بذلك ويجعله جميلاً، وفي بقية الأغنية بدت تلك الحريَّة المُتطرفة واضحة، لذلك كان مُلائماً أن يحدث ما حَدَث هُنا تحديداً.

هدوء شديد في اللَّحن، قبل أن تندفع الآلات كُلّها بصخبٍ مَجنون، يَقطعه صوت أم كلثوم –في واحدةٍ من مراحل تجلياته الكبرى- بـ«آآهه» طَويلة مُنَغَّمَة، «آآآآآه يا حَبيبي»، ولم يكن من الممكن أن يمر ما حدث مرور الكرام، رجُل في القاعة يخبرها بصوتٍ واضح «مِ الأول والله مِ الأول»، قبل أن يتدخل آخر موضحاً «يا حبيبي يا ثومة والنَّبي» «يا حبيبي يا ثومة والله» قبل أن تتناثر الكلمات على شفتيه بدافِع الافتتان: «يا حبيبي يا ثومة.. أوي والله». النَّاس صَفَّقوا، والسيّدة ابتسمت، طلبت من فرقتها أن تبدأ «من أول يا حبيبي».

ولا يوجد أي منطق في أن هذا الرجل لم يَكُن جزءً أصيلاً من لحنِ الأغنية، على الأقل لم يَعُد من الممكن أن تكتمل «فكَّروني» بدونه.

(4)

يوسف شاهين نَفسه كان أحد المُفتتنين الكُبار، كمثلِ رجل «يا حبيبي يا ثومة والنَّبي».. أو حتى يزيد!

صحيح أن «جو» لم يكن يريد أن يخرج فيلماً عن «العذراء»، ولذلك فشل مشروع فيلمه عن أم كلثوم، ولكنه أبقى الافتتان باقياً حتى أتى الوقت المُناسب وعَبَّر عنه.

بدأت الحكاية حين اقترحت الرئاسة المصرية إخراج فيلماً ضخماً عن حياة أم كلثوم، بفضلِ مجهودها الاستثنائي بعد حرب 1967 ربما، أو فقط لأنها أم كلثوم! سعد الدين وهبة اقترح اسم «شاهين» ليخرج الفيلم، والذي كان عِرْقُه المَصري يَهيم بها، وافق سريعاً، قابلوا السّت، واتفقوا على بعضِ التفاصيل ليبدأ «وهبة» في الكتابة، ويبدأ «شاهين» تصوير مادة تسجيلية ستستخدم في الفيلم لـ«ثومة» في سنّها الحالي.

الخلافات بدأت سريعاً، أم كلثوم اشترطت عدم الاقتراب من حياتها الشخصية، و«شاهين» رد بخفَّة «أنا مش جاي أخرج فيلم عن العذرا»، فانتهى كل شيء!

ما تبقى فقط كانت الحفلة الملونة الوحيدة المصوَّرة لأم كلثوم، في مدينة طنطا، مايو 1969، وبعد سنوات.. 12 عاماً كاملة، حين بدأ في إخراج فيلمه «حدوتة مصرية»، شعر أن جزءً من تلك المادة يُمكن أن يَخْرج، وكان المشهد، بالكامِل، عن الافتتانِ، عن نظرات المُخرج الشاب للسيّدة التي تُمثل رمز بلاده الأهم لخمسةِ عقودٍ كاملة.

نور الشريف، بطل الفيلم، حَكى أن هذا المشهد صور كثيراً، لم يكن يستطيع أن يعبر عن نظرات الشغف و«الافتتان» التي يريدها «شاهين»، وفي النهاية.. جَلَس «جو» على المقعد وراءه، طلب من مساعديه تشغيل أم كلثوم، ثم بدأ يتحدث بجانِب أذنه عن شعوره بها، عن الحفلِ والمنديل والأغنية، عن صيحات الناس، وعن المدينة الساهِرة حول راديو صغير، عن ليلة الخميس الأول من كُلّ شهر، وعن الصوتِ الذي كان ثم ظل وبقى هو الموسيقى الرسمية للحياة القاهرية كل يوم، عن هزَّةِ الكون حين ماتت، وعن رَجفة القلوب في وداعها، تحدَّث «شاهين» عن كل شيء، وحينها رأى النظرة التي أرادها في عينِ «نور»، أشار لمساعديه بتشغيل الكاميرا، فاكتمل المَشهد.


(5)

والأغاني بتنتهي ومبتنتهيش
أم كلثوم اللي قالت للهوا «خليني أعيش»
ردّت الشيش في الإمام...
                             أمين حدَّاد

25 ديسمبر 2013

«كأنّ الحياة أبد».. عن أنفاسِ المُخرجين داخل أفلامهم




 
أحياناً، لا يَبدو الاختصار مُخلاّ، إذا قُلنا أن السينما، في نهايةِ الأمر، هي «نَفَس»!

تتكوّن الأفلام من عملية خَلق مُستمرَّة، من ورقٍ إلى صورة، ومن صورةٍ إلى صورٍ مُتتابعة، خلال المَرحلتين.. يكون هُناك المُخرج هو ذلك الشَّخص الذي يَضَع «نَفَسه» بداخل العَمل كي يَمنحه الحياة. «النَّفَس» الدَّاخل والخارج، الشَّهيق والزَّفير، رُوح الفيلم وإيقاعه.

«أوروسون ويلز»، صاحب «المواطن كين» وأحد أهم رموز السينما، كان يقول أن «الأفلام الجيدة تشبه مخرجيها»، لذلك فإن المخرجين.. لا يضعون في أفلامهم فقط ذكريات وتفاصيل وحواديت «يُحُوشْهَا» الزَّمن معهم، فهم، قبل كل شيء، يَضعون «حِسُّهم ونفسهم». فيَنْتَظم إيقاع الصور بحسبِ شعورهم بالعالم.

«ويلز» يَصلح كنموذجٍ للأمر، يَقول أن «أكثر أفلامه التي كرهها هي الأفلام التي صنعها مُضطراً»، الناس لا يمكن أن يُشبهوا إلا أنفسهم، ذلك الفارق الملموس بين الصدق والإدعاء، المحبَّة والفتور، بين أن تصنع شيئاً لأنك «تريد» أن تصنعه أو لأنك «يجب» أن تصنعه، يرى «ويلز» أن «أي شيء تفعله بمحبَّة يظهر فيه ذلك، حتى لو كان كوباً من القهوة»، الأفلام لا تشذ عن ذلك أبداً، ضع فيها روحك وسيكون ذلك واضحاً، لأن «خام السينما هو أنت، هو انعكاس لصورتِك» «ذلك الخام أقرب للأرضِ البور، على الفنان زراعته، أن يجعله حيَّاً، وأن يعيش أبدا».

هذا المَلَف عن ستة مخرجين تُشبههم أفلامهم، لأنهم وضعوا فيها «نَفَساً وحِسَّاً» واضحاً، ولم تَكُن لتخرج بتلك الصورة لو كان أي شخص آخر وراءها.

نَفَس العَجائر: كلينت إيستوود.. من يَعِش ثمانين حولاً لا يَخجل من البكاء



في عامِ 1989، قررت رابطة الصحافة الأجنبية مَنح «إيستوود»، في عامه الـ59، جائزة خاصة عن مُجملِ مسيرته، كان الظن حينها أن عالمه يَنتهي، وأن الرَّجَل الذي كان رمزاً لأفلامِ «الويسترن» طوال عَقدين سيبرح المكان إلى الظل بعد أن يُكمل عقده السادس، لَم يَدر بخلدِ أحد أن تلك كانت البداية.
 

الإرث السينمائي الحقيقي الذي سيتركه «إيستوود» هو في الحقيقة ما بدأ في صناعته بعد سنّ الستين، بالتحديد ثلاثة أفلام عَظيمة ستبقى:
Unforgiven عام 1992، Mystic River عام 2003، وMillion Dollar Baby عام 2004.

لم تكن تلك الأفلام لتتحقق إلا بنفسٍ عَجوز وبطئ، لرجلٍ امتلأ قلبه بالوَحْشَة، وتركت له الأيام الكثير من النَّدم، ولم يَعد يخجَل من البُكاء.

تَجاعيد وَجه إيستوود، الخيوط الدقيقة على يديه، حولت قصصاً شبة عادية إلى أفلامٍ عَظيمة، لم يَكُن ليصنعها إلا رجلٍ عَجوز، فيُعطيها الدّفعة الشعوريَّة اللازمة في كل ثانية، فتكون الأفلام هي انعكاس له: في صورةٍ وليام ماني رجل العصابات والغرب الأمريكي الذي يفتقد زوجته التي أصلحت قلبه، وفي صورة الأصدقاء الثلاثة الذين لم يبارحهم ماضيهم رغم عقود طويلة قد مرت ولم تترك لهم سوى الأسى، وفي صورة «فرانكين» - جسده «إيستوود» عام 2004 وهو في الرابعة والسبعين- الذي علمته الأيام أن يخاف الأمل.

ولم يكن هناك شيء يُفسر لأعضاء رابطة الصحافة الأجنبية، أو لغيرهم، كيف يمكن أن تبدأ المسيرة الحقيقية لمخرجٍ بعد سن الستين، والإجابة الحقيقية الوحيدة قالها «إيستوود» بشكلٍ عابر ذات مرة: «لقد عشت الكثير من الوقت، صرت أخاف، أشعر بالوَحْشَة، يداي ترتعشان، أحاول فقط أن أأنس بالحَكِي عن أناسٍ يخافون ويستوحشون وترتعش أيديهم».

نَفَس العابِر سريعاً: ويس أندرسون.. كائن لا تُحتمل خِفّته



في بداية حياته، فكَّر «ويس أندرسون» في دراسة الفلسفة، «بدت شيئاً مهماً يمكن أن أهتم به»، ليبدأ بالفعل في الدراسة، «لم أفهم حتى ما تتكلم عنه»، فينصرف عنها، «وجدت نفسي أكتب قصص قصيرة»، والأمر بدا أنه يروقه، «لم أفعل شيئاً خلال تلك الفترة إلا أن أحكي»، حينها علم أن هذا هو ما يريد فعله لبقية حياته، «أريد أن أحكي حكايات عن أُناسٌ يحاولون أن يكونوا سعداء».

«أندرسون» يُحب السفر، والموسيقى، والألوان، وهو يُحب أبطال أفلامه أيضاً، «أشعر بنفسي أكبر معهم »، ولذلك فهو يريد أن يجعلهم سعداء، «لأنهم ببساطة يستحقون ذلك».

لذلك، ففي كُل فيلم من أفلامه السبعة، هناك احتفالاً بَصرياً، وصَخب لا نهائي، وعلى عكس «إيستوود» مثلاً، تتمتلئ الأفلام باحتفاءٍ مُستمر بالحياة، نَفْسٌ لاهِثة، تلاحُق ما تُحب، دون يأس. ويبدو كل شيء مُتاح.

حتى في اللحظات الحَزينة جداً في أفلام «أندرسون»، كانتحار «ريتشي تينينباومز» على أغنية
Needle in the Hay لإليوت سميث، أو افتقاد «روزميري كروس» لزوجها في Rushmore، أو رحيل «ستيف زيزو» في The Life Aquatic، يتعامل معها الرجل بخفة الفتية، «الأشياء السيئة تحدث، ونحن علينا تجاوزها»، كما يقول السيد «فوكس» في Fantastic Mr. Fox، هكذا بتلك البساطة!

«أندرسون» يَعلم أن هناك الكثير من الحزن في العالم، ولكنه يعلم أيضاً أن هناك أماكن لم يزرها وموسيقى لم يسمعها وألوان لم يستخدمها بعد. وبخفَّة ونفسٍ طَويل يحاول اكتشاف ذلك في كل فيلم يُخرجه.


نَفَسٌ ثائِر: سيرجي آيزنشتاين.. السينما هي الثورة



الأشياء الصغيرة يُمكن أن تُغير العالم، بائع تونسي متجول يَحرق جسده فتندلع عدة ثورات في البلدانِ العربية، من الصعب تفسير كيف حدث ذلك.. ولكنه حَدث

وبالمِثل، فإن إضراب عدد من العمال الروسيين اعتراضاً على فصل زميلين أدى، بعدها بـ12 عام، لثورة شيوعيَّة غيَّرت في التاريخ

سيرجي آيزنشتاين كان في السابعة حين جرى الإضراب، وفي التاسعة عشر حين قامت الثورة، «كل ما عرفته خلال تلك الفترة كان الغضب»، لذلك.. فحين وصل إلى السابعة والعشرين.. خلَّد أرواح مئات العمَّال الذي مَهَّدوا الطريق، في فيلمه الأهم «المُدرَّعة بوتميكن» عام 1925.

يُفتتح الفيلم بجملة «لينين» بأن «الثورة هي الحرب، وبين كل حروب التاريخ.. هي الحرب الوحيدة القانونية والعادلة والعظيمة»، لا تبدو الثورة عند «آيزنشتاين» نقيَّة أو نزيهة أو تدعّي السلمية، الثورة –كما في معناها لغوياً- هي الغضب، لذلك فإن فيلمه يَنْبُض بتلكَ الرُّوح، كأنَّه يُعايش مرة أخرى قصة البحَّارة المضربون الذين لَم يَرهم، يتنفس معهم الغضب والبارود، ويحول الخَيبة والحسرة إلى أمل وانتصار.

لاحقاً، بعد «بوتمكين»، لم يتوقف «آيزنشتاين» عن صنع أفلاماً تُلامس رُوح الثورة وتحكي عنها، وكان يُدرك أنه يُدين لها بكل شيء، «أصبحت ما أنا عليه بفضل كل ما حدث، لقد منحتني الثورة أثمن شيء في حياتي.. جعلت مني فناناً».

 وحين مات صغيراً، في الخمسين من عمره فقط، ارتبط اسمه بشيئين: الأول هو المونتاج.. بوصفه أكثر من أسهم في تطويره في تاريخ السينما، والثاني كان الثورة، حتى أن مخرجاً فرنسياً كبيراً كـ«جان لوك جودار» قال ذات مرة، حين طُلب منه في أواخر الستينات أن يصنع فيلماً عن «ثورة الطلبة» في باريس: «الثورة؟ يمكن لنا أن نشاهد أفلام آيزنشتاين».

من الصَّعب التفسير ذلك، ولكن كل شيء بدأ بإضراب صغير لمجموعة من العمال اعتراضاً على فصل اثنين من زملائهم في عهد القيصر!


نَفَس الناحت في الزمن: شادي عبدالسلام.. كصبرِ أيُّوب



لَم يَكُن «شادي» يصنع الأفلام، كان في الحقيقية يَنْحَتها.

لذلك، فليس من الغريبِ لمسيرته أن تحمل فيلماً واحداً طويلاً، ولا من الغريب أن يَعيش هذا الفيلم طويلاً طويلاً، ويُخلّد معه صاحبه.. فيبقى.

لم يتعلَّم شادي، حين درس صغيراً، فنون النَّحت والعمارة فقط، هو، قبل كل شيء، تعلَّم «الصبر»، أن يَفعل كل شيء ببطءٍ جَميل.

لذلك فقد عُرِفَ عنه الدقَّة المتناهية والنَّفَس الطويل، ارتبط اسمه بكل الأفلام التاريخية التي صُنِعَت في مصر، وحين أتت الفرصة ليصنع فيلمه هو، استلهمه من الأثر، من جُملة عابرة في إحدى الدعوات للآلهة المصرية القديمة: «يا من تذهب سوف تعود
/يا من تنام سوف تصحو/يا من تمضي سوفَ تُبْعَث»، ثم بدأ في نَحت «المومياء».. لستِ سنواتٍ أو يزيد.

الفيلم، حين خرج إلى النُّور، كان بطيئاً، ساحراً ويَسِير على مَهلٍ، مثل صاحبه الذي عَلِمَ أن هذا هو ما سيُبقيه يوم أن تُحصى السنين، ورغم الصورة المأساوية التي تكتمل بها الحكاية، حين فَشَل لـ12 عام في إيجاد تمويل لفيلمه الثاني «إخناتون»، ومات مَقهوراً، إلا أن لحظة ترميم فيلم «المومياء» عن طريق مؤسسة «مارتن سكورسيزي» عام 2005 –ووصفه حينها بأنه «أحد أعظم الأفلام التي شاهدها في حياته»- كانت اللحظة التي بدا فيها أن شادي لم يَمُت بل صَعد، ثم «عاد وصَحَى وبُعث» كما يقول الابتهالِ في كتاب الموتى، كأن أنفاسه قد بَقت في صور.. كأن الحياة أبد.. ولو بفيلمٍ واحد.


نَفَسٌ غاضب: سيدني لوميت.. أكثر من 12 رجل



في نهاية الستينات، كانت أمريكا تمر بمرحلة مُضطربة من تاريخها، الفشل الكبير في فيتنام أنتج جيلاً مُحبطاً، وكل شيء في الداخل بدا عرضه للانهيار، «كنا كجسدٍ مَسْجِي يَنخره السوس» كما يصف المخرج «سيدني لوميت».

«لوميت» لم يبدأ مسيرته في ذلك الوقت، لم يكن ضمن «أصحاب اللُّحى الخمس»* الذين غيَّروا السينما الأمريكية، ولكنه، بشكلٍ أو بآخر ورغم سنوات طويلة تفرقه عنهم، كان منهم.

ورغم إخراجه في وقتٍ مبكر من حياته فيلماً عظيماً كـ
12 Angry Men، إلا أن السبعينات حملت الثقل الحقيقي في مسيرة «لوميت»، قارب الخمسين من عمره نعم ولكنه يَحمل الجذوة التي تجعله جزءً من حركة سينمائية كبرى تغيّر هوليوود وربما أمريكا نفسها، بدأ يصنع أفلاماً أساسها الغضب: فساد الشرطة في Serpico عام 1973، القهر المُجتمعي الذي يدفع رجل عادي إلى التحول لمجرم كي يحمي حياة أسرته في Dog Day Afternoon عام 1975، ثم فيلمه الأعظم Network عام 1976 الذي يحمل «مانفيستو الغضب» في واحد من أكثر مشاهد السينما أيقونية، حين يَقَف «هوارد بيل» أمام شاشات التلفزيون ويطلب من الناس: «قوموا من على كراسيكم، اخرجوا رؤوسكم من النوافذ، اصرخوا لآخر ما تستطيعون.. أنا غاضب ولم أعد أحتمل ذلك بعد الآن».

تلك الأفلام تبدو الآن أقرب لـ«ثلاثية غضب» متصلة ببعضها، غضب مرتبط بشخص صانعها قبل كل شيء، ولم يكن غريباً أن يسترجع «لوميت» مسيرة حياته، وحين يأتي عند السبعينات يصفها بجملة واحدة: «كنت غاضباً، لم أجد شيئاً أفضل من أصنع أفلاماً عن رجالٍ غاضبين».


نَفَس المُتَيَّم: عباس كياروستامي.. كيف نَشفى من الياسمين؟



تَحكي الأسطورة أن الخليفة الأموي مروان بن عبدالحكم قد سمع بأمرِ «ليلى العامرية»، التي تُيّم المجنون في حُبها، فأراد أن يرى تلك المرأة التي تدفع رجلاً للجنونِ، وحين أحضرها شَعَر ببعض الإحباط، وجدها «عادية»، لا شيء مميز فيها، ولم يستطع منع نفسه من التساؤل عن السبب الذي دَفَعَ شاعراً ذو شأن كـ«قيسِ بن الملوح» للهيام بها، فأجابت بأنه يجب أن يراها بعينِ «قَيس» كي يَفهم.

شيءٌ من هذا القبيل يَربط المخرج عباس كياروستامي بمدينته، شيء يَجعله يَعيش حياة الترحال خلال السنوات الأخيرة، في مُدنٍ أجمل وأهدأ، ويصنع أفلاماً في طوكيو وباريس، ولكن رغم ذلك يَحِن لما يمثله البيت، فيقول ذات مرة «أعتقد أن المُدن تُشبه قلوب سكانَها، ولطهرانِ قلبٌ طيّب». والسَّامِع لم يفهم تحديداً، كان له أن يرى المَدينة بعينِ «عباس» كي يَفهم.

تلك المَدينة التي مَنَحته الوَنَس والرفقة، ومَنحها وضع اسمها على خريطة السينما العالمية، وقيادة جيل كامل من مخرجي السينما الإيرانية نحو أن يُصبح لهم فنهم وعالمهم وصوتهم الخاص، ويَسمع الجميع لهم.

وفي كُلّ مرة، كانت المَدينة وناسها هم الأساس في أفلامِ «كياروستامي»، هم التجربة والحكاية التي تنسج نفسها، شيء يرتبط بشكل وَثيق بعملية صناعة الفيلم عنده، والمختلفة عن أي صانع أفلام آخر، فهو لا يتحرك من ورقٍ ثم صورة، ولكنه يبدأ من الناس ثم يأتي كل شيء بعد ذلك.

«كياروستامي» لم يَكتب أي سيناريو خاص بأفلامه، هو يَبني فقط تفاصيل شخصية ما في رأسه، ثم يبحث عن مثيلٍ لها في الواقع، وحين يجده.. يصادقه ويجاروه، لستة أشهر على الأقل، يَخلط الخيال الفوضوي في رأسه.. بالتفاصيل الواقعية التي يَحْياها يومياً، لا يقوم ببروفات عمل أو كتابة حوار مُحدد، فقط في لحظةٍ ما، «بعد أن نعرف بعضنا جيداً، أنا وبطلي»، يبدأ التصوير، «لست مُخرجاً بالمعنى المَفهوم، أصبح أقرب للصديق، لا أُدير الممثلين، أتركهم هُم يديرونني»، وفي النهاية لا يُخرج الفيلم كحكايةٍ تُحكى، ولكن حَياة تُعاش.

أمر يُمكن مُلاحظته في كُل أفلامه العظيمة بلا استثناء، الناس يتصرفون بحريتهم وطبيعيتهم، في «الحياة تستمر» أو «بين أشجار الزيتون»، في «طَعم الكرز» أو –طبعاً- «كلوز آب»، وهو شيء لن تجده في فيلميه الأجنبيين
Certified Copy أو Like Someone in Love، صحيح أن بهم –بشكل تِقَني- كل ما مَيزه.. ولكنه يبدو مُقيداً فيهم، كأن آخر يُحاكي أسلوبه، هذا شيء لا يُفسَّر إلا بـ«النَّفس»، الحريَّة التي يتحرَّك بها في أرضٍ ضيّقة يعرفها، والتقيُّد الذي يَحْكَمه في أرضٍ أوسع.. ولكنها غَريبة.

«كياروستامي» نفسه يُدرك ذلك، يبدو مُنتمياً لنظرية شاعرية عن صناعة الأفلام، فقد أكمل حَديثه عن المُدن التي تُشبه قلوب سُكانها بأنه «عَلَم منذ وقت طويل أن السينما ليست الحكاية، ليست السرد، ليست التفاصيل، السينما الحقيقية بالنسبة لي هي أنفاس الخلائق».

 وبعد، لا يبدو أننا قد نَشفى من الياسمين أبداً.





09 أكتوبر 2013

في ذكر مينا دانيال


يوم 29 يناير الصُّبح نزلت ميدان التحرير الساعة 9 تقريباً، كنت روَّحت الليلة اللي قبلها قُرب الفَجر على بيت صَديقة قديمة عشان أعرف أَطَمّن أهلي وأطمن على أصحابي في ظل إن التليفونات مَقطوعة، وكُنت مُحبط جداً عشان آخر مشاهد من الليلة اللي قبلها –رغم ملحمية 28 يناير- كانت كابوسية جداً، خطاب مُبارك.. مُدرَّعة الجيش اللي وصَّلت ذخيرة للداخليَّة.. صوت القنابل اللي متوقفش لحد ما مشيت.. والسؤال عن انحياز المؤسسة العسكرية هيكون للنظام ولا للانتفاضة الشعبية اللي بقت ثورة من كام ساعة، والراجل اللي كان بينَهْنَه جوا نفسه في مركز «هشام مُبارك» واحنا بنسمع خطاب مبارك والاشتباكات مع مُدرَّعات الجيش في الشارع، صورة ضيّقة كده اتحاصرت جوَّاها كانت مخليَّاني قلقان ومُحبط في اليوم اللي بقى بعد كده أعظم يوم في حياتي/حيواتنا

بالخلفية دي، لما نزلت الميدان، كان مُجرَّد إننا لسه متجمَّعين وموجودين أمر عَظيم، سمعت صوت القنابل والرصاص لسه مُستمر في شارع محمد محمود، رُحت على هناك، دي المَعركة الصغيَّرة اللي تاهت وسط ملحمية 28 يناير وموقعة الجمل –رغم إن أعداد الشهدا مثلاً فيها كان أضعاف عدد شُهداء 2 فبراير-، الداخلية كانت بتتعامل بافترا وتجبُّر شديدين باعتبار إن مفيش حاجة تانية تخسرها، عددنا كان قليل جداً، كل شوية واحد يُقع برصاصة في دماغه أو صِدره، بس الناس ثابتة عشان تمنع أي قوات من إنها تِدخل أو تقرَّب الميدان –نفس الصورة اللي اتكررت بعدها بـ10 شهور؟!-

بعدها حَصَل هُدْنَة، نَقيب جيش تدخَّل بين الداخلية والمتظاهرين، الضرب قَل، رجعنا الميدان، الضرب بيحصل على فترات مُتقطعة، توقف في ساعات النهار، رِجع في فجر يوم 30 بقتل مُتعمّد لأي حد بيقرّب من الشارع، لحد ما العدد زاد جداً ظُهر يوم 30 وبقى فيه انتصار واضح بالناس، الجيش حُيّد شعبياً بهتاف "إيد واحدة"، والداخلية انسحبت تماماً من المُحيط ده، واتقال إن حبيب العادلي خَرج متنكر في زي نسائي عشان يعرف يطلع من الوزارة

.
.

يوم 9 أكتوبر كان أول أيام قطم الضهر الكبرى في الثورة، القهر مش إن الناس تموت، عشان كده "محمد محمود" شيء عظيم، فيه نديَّة ومُقاومة رغم الموت، بس القهر الحقيقي إن الناس تداخد على خوانة وعلى غفلة، زي ما حصل في ماسبيرو وزي ما حصل في إستاد بورسعيد، ولما نضيف فكرة استباحة الدولة لأقلية دينية وتنمية مشاعر الفتنة عند الناس عشان اللي حصل يعدّي.. فالأمور في ماسبيرو كانت أكبر من التحمُّل

بَظُن دايماً إن الأحداث الكبيرة في الثورة بترتبط من غير ما نَشْعُر بصورة، شَهيد أو شخص ما، بالنسبة لي عَ الأقل ده بيحصل طول الوقت، عين حرارة في محمد محمود أو الشيخ عماد في مجلس الوزرا أو أنس في بورسعيد أو جيكا في محمد محمود التانية أو الحُسيني في الإتحاديَّة أو أسماء في رابعة، وصورة مينا دانيال كانت كل شيء بشأن مَذبحة ماسبيرو

نَهْنَهة الناس بصوت خفيض في التأبين اللي اتعمله في مسرح روابط بعدها بأيام، المسار بتاع حياته كشاب عادي جداً مُتعلق ومُرتبط بالثورة، أخته اللي فيها شيء من حِسُّه، صورته الحقيقية بعد ما مات بدقايق، وصورته الشعرية في قصيدة أمين حدَّاد لاحقاً كـ«شهيد مبتسم وبيشكر البنت اللي زغرطت في جنازته»، وجملته العَظيمة اللي بتختصر كل شيء في الفيديو اللي اتنشرله بعدها «ليه الثورة جميلة وحلوة وانتَ معايا؟»، ده اللي تبقَّى لَنا من مينا، اللي بقى –مع الوقت- رَفيق بَحمله ذكريات حتى لو عُمري ما شُفته

عشان كده لما اكتشفت بعد سنة وأربع شهور إني فعلاً شُفته.. كان شيء مُدْهِش

.
.

في ذكرى الثورة التانية، يناير 2013، بسَّام مُرتضى اقترح عليَّ نِعمل حلقات متتابعة للمصري اليوم، 18 حلقة على مدى الـ18 يوم، نستغل فيها الماتيريال الضخم اللي موجود عندنا في تأريخ الثورة، لأسباب كتير الشغل ده.. الساعات الطويلة اللي قعدت أتفرَّج فيها على ماتيريال الـ18 يوم.. وشعور استعادة الثورة اللي كان بيَغمرني وقتها.. كان من أعظم الحاجات اللي حصلت لي السنة دي

من ضمن الأسباب دي، أهمها في الحقيقة، لما شُفت ماتيريال يوم 29 يناير، اكتشفت إن نَقيب الجيش اللي وقف بينا وبين الداخلية هو ماجد بولس، الشخص العظيم اللي عرفته بعدها بأربع أيام في موقعة الجَمَل، وعندي ليه حكاية كبيرة بالنسبة لي هحكيها يوماً ما، واكتشفت كمان إني كُنت بجوار مينا دانيال يومها طول الوقت


مش عارف أصف كنت حاسس بإيه، أو تحديداً مش عارف أصف اللي شَعُرته بحياد عاطفي مفيهوش مُبالغة، بس أنا حسّيت إن بقى فيه ذكرى ما بينا تِسمح لي أقول إني كنت أعرفه "ده إحنا حتى كنا مع بعض عند الداخلية يوم 29 يناير الصبح"، وحسيت.. بقامته الثابتة وعلامة النَّصر اللي بيرفعها في «شارع محمود محمود» وقدَّام «كوستا وبينوس» تحديداً –في خلفية الصورة- كإنه كان موجود معانا طول الوقت في الست أيام من 19 لـ25 نوفمبر 2011، كإن الزَّمَن اتحرَّك، كإن الصورة –اللي لو مقلتلكش إنها في يناير مش هتعرف إنها مش في نوفمبر- إثبات إنه كان بالجوار، وأن رُوحاً لم تُبارِح هُنا

.
.

-محمد
مينا
ليه الثورة جَميلة وحلوة وانتَ معايا، ويُضاف إلى ذلك.. هِناهو هِناهو هَنشنقه هِناهو.. في تمارين الصباح إن شاء الله

08 أكتوبر 2013

خمسة أو ستة مسلسلات مفضّلة لأجلِ "بريكينج باد"




تعريف المُسلسل العَظيم بالنسبة لي هو إنه المُسلسل اللي بعد فترة من المُشاهدة تبتدي تتكلم عن شخوصه بأسماءهم فيه مش بأسماء المُمثلين، وتتوَرَّط جوَّاه لدرجة الاهتمام بمصائرهم والحَديث عنها ومُناقشتها، ويتحوَّل في لا وَعيك تدريجياً لإنه حاجة حقيقية بتحصل مش عالم مُختلق

عندي نظرية إن مُشاهدة المسلسلات أسهل بكتير من مشاهدة الأفلام، وإنك تشوف 10 حلقات متتالية من مسلسل متابعه أسهل من إنك تبدأ فُرجة على فيلم، عشان الأمر مُتَعَلّق بالتعرُّف على العالم، في الأفلام فيه عالم جديد بيُبْنَى في أول 15 دقايق.. مِحتاج مَجهود منّك في التورُّط قبل ما تبدأ مرحلة "الفُرجة".. وإدراكك ,وتعلّقك بالعالم ده مُرتبط بحاجات زي مَزاجَك اللحظي مثلاً، في المُسلسلات انتَ غالباً بتدرك عالمها من أول حَلقة.. وحتى لو مسلسل وِحش بس انتَ سَهل تتابعه من أي نُقطة عشان عارف حدود العالم اللي بتتحرَّك فيه فمفيش مَجهود بتبذله عشان "تتفرَّج"

في المُسلسلات الأجْمَل الأمر بيتجاوز لاحقاً نُقطة «الفُرجة» وقد إيه هيَّ سَهْلَة لليفل الــ«مُعايشة»، التعريف اللي في أول فقرة يَصلح كمُرادِف ما للكلمة، وكمرادف آخر فمثلاً في آخر السيزون التالت من مُسلسل مُفضَّل كنت بتكلم مع شريف وفضل عنه.. فشريف قال إنه «بطَّل يقيّم اللي بيشوفه درامياً، بقى بيتقبله كإن حد بيحكيله حكاية حقيقية حصلت، مش هيقعد يحسبه بالمنطق، هو بيصدَّقه زي ما هو

عشان كِده المُسلسلات عالم عَظيم، بشكل شخصي أنا واقِف على حافته تماماً، عدد المسلسلات اللي شفتها في حياتي قليل جداً مقارنةً بالموجود، والمسلسلات اللي شفتها في آخر 5 سنين مثلاً تُعَد على أصابع الإيد الواحدة، ربما للوقت اللي بتحتاجه للمُشاهدة، والحِسبة دي بتاعة إن «مشاهدة مسلسل واحد كامل ممكن تساوي مشاهدة 30 فيلم» ولعَظَمة حاجات تانية مُقابلة في السينما بتخلّي الكفَّة تَمِيل ليها رغم استثنائية احتمالات التورُّط والمُعايشة في المُسلسلات.

بس تقديراً للتلفزيون والمُعايشة والمُسلسلات العَظيمة، حابب جداً إني أكتب البوست ده قبل 3 أيام من الحلقة الأخيرة من «Breaking Bad»، اللي مُمكن أدَّعي إنه أعظم مُسلسل شُفته في حياتي، وواحد من أهم تجارب المُشاهدة والتورُّط والشَّغَف اللي مرّيت بيها بشكل عام.

 

كنت بفكَّر إني عايز أكتب عن المسلسل نَفسه، وأتمنَّى إني أعمل ده يوماً ما، قريب أو بعيد، بس لما حاولت كنت حاسس إنّي مُنْغَمِس تماماً لدرجة إن مفيش حاجة تتقال، أنا في أكبر مراحل إن «حد بيحكيلي حكاية بصدَّقها زي ما هيَّ»، والاهتمام بمصير «والتر» و«جيسي» في الحلقة الأخيرة أهم من إني أبدأ أتكلم عن قد إيه كانوا رِفقة في رِحلة طويلة في صحرا «ألباكركي» خلال 61 حَلقة.

فبدلاً من كده، ولإن «بريكينج باد» تحديداً بيرفع جداً من قيمة «عالم المُسلسلات» والسبب اللي ممكن تِحكي عشانه حكاية في 50 ساعة بدل ساعتين، ففكرَّت إني أستعيد قبل حَلقته الأخيرة مُسلسلات مُفضَّلة ومحاولة التقاط تجارب مُشاهدتها، لأجلِ «والتر» و«جيسي» و«هانك» و«جَس» و«سول» و«مايك» وكل الأوقات الجيدة والعَصيبة اللي حصلت خلال سَنة من حيواتهم وآخر 6 شهور في حياتي.


ملحوظة: هَتكلم عن المُسلسلات العربي الأقرب ليَّ عشان هي الأهم في سياق مُشاهداتي، وبتحقق بشكل دَقيق فكرتي عن الأعمال التلفزيونية العَظيمة، خصوصاً لما إن فيه زَّمن عَدَّى على رؤيتي ليها.. بيخلّي شخوصها وأحداثها «ذكريات» حكاية حقيقية شُفتها يوماً ما.

. .

- أوبرا عايدة (أسامة غازي وأحمد صقر - ೨೦೦೦):



لسَّه فاكِر كويس مُشاهدة  أول حلقة من المُسلسل لأول مرة على قناة «نايل تي في» سنة 2000، إزاي كان شيء مُدْهِش جداً عن كُل اللي أعرفه قبل كده، بدءً من أغنية عَفاف راضي في المُقدّمة بتلك الخفَّة العَظيمة، مروراً بكل التفاصيل الصغيَّرة من أول لَحظة: البيت القديم اللي بيتهز لما الترام يعدّي، المحطَّة المتسميَّة باسم «سيد أوبرا»، صورة حَبيبته المحطوطة ببروزا جنب السرير وهو قاطع منها جوزها اللي واقف جنبها، علاقته بـ«الفيل» وحركته في المَدينة كلها كأنَّها بَيت أبيه.

لاحقاً كانت كل تفصيلة في كل حلقة بتدعّم قد إيه ده مُسلسل مَفيش زيُّه، عالم «إسكندرية» اللي بيتخلق هنا مُمَيّز جداً، رغم اعتماده برضه على فكرة إنها «مَدينة مَفتوحة»، بس وِسع الأرضية اللي بيتحرَّك فيها، وتَشابُك مصائر شخصياتها، ودقة كل شخصية وإزاي مَرسومة بتفاصيل نَضِرَة جداً لدرجة إنك سهل تفكَّر أي حد شاف المسلسل من زمان بيها، عوضاً عن الشكل ده من «الملحميَّة الصغيرة» اللي بيمشي فيه في حلقاته الأخيرة. كل شيء هنا كان جَميل فعلاً.

فاكِر إني كُنت مَبهور بإنه أول مسلسل لمؤلفه «أسامة غازي» وكان بسهولة ممكن تتوقع إنه «ذا نيكست عُكاشة»، فاكِر إني اتصدمت لما مات بعدها بسنتين من غير ما يَترك إلا مسلسل تاني مَكتوب، فاكر إزاي مَحَبَّة وقيمة «أوبرا عايدة» كانت بتزيد مع كل مشاهدة على مَدار السنين، وإني مع الوقت بقيت متأكد إن ده المُسلسل الأقرب لقلبي.


- أنا وانتَ وبابا في المشمش (أسامة أنور عُكاشة ومحمد فاضل- 1989):



المُسَلْسَل الفَلْتَة

بفكَّر إن مَفيش فنانين في تاريخ التلفزيون المَصري كانوا أحرار وهما بيعملوا مُسلسل زي عُكاشة وفاضل في الحاجة الاستثنائية اللي حَصلت هِنا في خَطف من الزَّمَن

على مستوى الكِتابة، أكتر حاجة بتبهرني في المُسلسل هو إزاي إن العالم عمَّال يكبر كل شوية بـ«عبدالباقي الجوهري» وبنته و«بشير»، من مواجهة مع مُدير المؤسسة «السمري بيه»، بتتسع لمُتحكم رأسمالي في المَدينة «أبو صالح»، وبتوصل –ببنا درامي عَظيم- لإنها حاجة بكبر حَجم بلد كاملة مع «صديق عَشَم الخير» و«لبيب شَطَا» و«مدحت السرنجاتي» و«باهر الأمير» (ماذا عن الأسماء أصلاً؟! شوف مشهد تقديمهم العظيم في الحلقة التامنة)

الحاجة التانية إن المُسلسل هو مُواجهة كلاسيكية بين الخير والشر، ناحية فيها «جوهري وبنته ويوسف ونجاتي وبشير» والناحية التانية فيها عصابة الستة، والشر مُتَحَكّم وأقوى بكتير، بس على عكس أغلب المسلسلات المصرية اللي بتجتر المأساة بغُلب الخَيّرين، فالخير هِنا واسِع الحيلة جداً، ما يَنقصه من قوة بيعوَّضه بالذكاء، وبتبقى المُعادلة متكافئة طول الوقت، الإيقاع مَشدود ومُحتمل أي حد يكسب. لعبة مُفضَّلة لعُكاشة عن موازنة القوى وصلت ذروتها هنا في رأيي.

المُعطيات دي كافية لوحدها إنها تِطلع مُسلسل حِلو، بس ده مُسلسل فَلتة فعلاً، الشكل الفنّي اللي اختاره عُكاشة بعد أربعة من نجاحاته الكُبرى (من ضمنهم مَلحمة «ليالي الحِلميَّة») كان حُر فعلاً، ومعنديش كلمة تَصفه غير «الحريَّة» والقدرة على اللّعب، «مشاهد الحوار الغنائي أشعار أسامة أنور عكاشة» وتنفيذ فاضل ده بالقدر المُناسب من الخفَّة وأصوات الناس اللي بتتآلف معاها وأيقونيّة حسن عابدين والمنتصر بالله ومن بعدهم كل المُمثلين بلا استثناء.


- الشهد والدّموع (الجزء الأول) (أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ 1983):




شُفت المُسلسل لأول مرة في يوليو 2010، كنت بتفرَّج عليه مع جدتي، وفي نُص الفُرجة توفَّت، كنت مُمتن إن دي الذكرى الأخيرة، بالليل كنا بنشوف الحَلَقة.. بعدها بكام ساعة ماتت صباحاً في سَكينة، الله يرحمها

على عَكس المُسلسل اللي فات، «عُكاشة» هنا، وفي أول مراحل تكوُّن أسطورته ومسيرته الاستثنائية، كان مُنتمي تماماً لكل قواعد الدراما الكلاسيكيَّة، وبيحقق فيها ذروة حقيقية في التلفزيون المصري وقتها

أنا مبحبش الجزء التاني خالص، عشان لما العالم بيكبر بتفلت منه شخصيات الأبناء وبيعمل غلطته المُفضَّلة إن الناس تنقلب تماماً عما كانت عليه، عوضاً عن كَم الميلودراما الزايدة اللي مَلأ بيها الأحداث، أنا بَقفل من مُجرد تذكر عبدالمنعم إبراهيم مثلاً!، كان جزء تاني سيء فعلاً

بس في المُقابل، في الجزء الأول من المَلحمة، بين حافظ وشوقي، بين دولت وزينب، كان فيه دراما شكسبيريَّة عَظيمة فعلاً، حتى لما بتطوّر ناحية جوانب أكثر مأساوية، عُكاشة بيعمل –لأول مرة هنا- موازنة قوة الخير في مُقابل الشر، بخلق شخصية عظيمة زي «زينب»، بيكون فيه تَحيُّز من المشاهد نحوها، بس مش منبعه الشفقة خالص –على عكس المسلسلات العربي برضه- بس مَنبعه إنها شخصية قوية وصَلْبَة مش بتراوض في حقها ولا بتهادن عشان توصله، وفيه ثقة منّا نحوها إنها هتتصرف وتربي ولادها كويس ومش هتنكسر، أقوى شخصية نسائية في مسلسل غالباً؟

فاكِر إني سَقَّفت، حرفياً، في آخر مَشهد من الجزء الأول، لما دولت بتروح لزينب البيت، وتاريخ طويل عُمره 10 سنين مثلاً بيترمي عَ الترابيزة، لما بتقولها إنها عارفة إنها كانت بتحب شَوقي ونفسها تتجوّزه وقرت الرسايل اللي كانت منها ليه، كإن ده السّر الكبير اللي بيتكشف وبيخلّي لكل حاجة شفناها مَعنى أكبر، ولما دَولت بتتزن من المفاجأة، الشخصيتين بيقفوا قدام بَعض بتحدّي ورهان على المُستقبل، «ولاد زينب وشوقي هيبقوا أحسن من أولاد دولت وحافظ»، خسارة إن الجزء التاني كان وِحش والله، بس الأولاني هيفضل بالنسبة لي دراما كلاسيكية عَظيمة.


- الزيني بركات (يحيى العلمي ومحمد السيد عيد 1995):



التعريف الأعظم، وربما الوحيد، للملحمة التاريخية في التلفزيون المصري؟

فاكر إني لما قريت الرواية، بالزَّخم اللغوي اللي فيها، في المرة الوحيدة اللي «جمال الغيطاني» يُظبطه عشان يخدم على النَّص والحدث مش مُجرد فائِض، كنت شايف صعوبة شديدة في تحويل اللي بيحصل لوسيط تاني.

لما شُفت، كنت مَبهور تماماً، الدّقة دي في كل التفاصيل، والقدرة على تحويل تداخلات النَّص وتعقد أحداثه لصورة مَلحميَّة كبيرة فعلاً.

الرواية بالنسبة لي هي مُساءلة واحد من جيل الستينات ومُنتمي للتجربة تماماً للقهر السياسي والاجتماعي اللي حصل أثناءها، من خلال الاعتماد على التشابهات التاريخية بين الوقت ده وبين السنين الأخيرة قبل سقوط دولة المماليك. المُسلسل كان أكثر تحرُّراً من إيجاد التشابهات دي، وده خلاّه –بشكلٍ ما- أكثر عموميَّة في تناول العلاقة بين الحاكم والمَحكوم. وخَلَق صورة أيقونية مُناسبة للـ«الزيني بركات» بقدر الرواية.

مُسلسل مُدْهِش، وممثلين كبار في المرّة الوحيدة يمكن اللي كان عندهم مساحة يعبروا عن قد إيه هما ممثلين كبار.


- أحلام الفتى الطائر (وحيد حامد ومحمد فاضل – 1978):



عايز أفتكر إذا كانت أيقونية عادل إمام، حركة إيده على مناخيره قبل ما يتكلّم، تقطيعاته للجُمَل وطريقته في الحوار، القدر ده من الخفَّة و«الكولنيس»، بدأت هِنا الأول ولا في حاجة أسبق

بداية الشراكة طَويلة الأمد بين وحيد حامد وعادل إمام كانت في التلفزيون مش السينما، حكاية بَسيطة، وسينمائية أكتر منها تلفزيونية، لشخص بيتفق مع دكتور في مستشفى الأمراض العقلية على إنه يدخل هناك هروباً من جريمة ما، وبعد ما بيدخل الدكتور بيموت وبيلاقي نفسه مُتَوَرّط ومفيش قدامه سبيل غير الهَرب مع مريض تاني دخل المُستشفى ظلماً.

الحكاية البَسيطة دي بتُمنحها التفاصيل زَخَم شديد، مش فاكر كل تفاصيل المسلسل بس حاسس في روحه إن «مسلسل طَريق»، مش عارف فيه تعبير كده ولا لأ، بس هو في السينما فيه «رود موفي»، الأفلام اللي بتدور في الطُّرق والرحلات وبتكتسب قيمتها من اللي بيقابله البطلين –غالباً بيكونوا 2!- أثناء رحلتهم، الأمر هنا مُشابه.

بس الأهم من الزَّخَم جه حتى هو خصوصية المُمثلين اللي كانوا هنا، الدّقن والمليجي وصلاح منصور ونجاح الموجي وسعيد صالح، وعادل إمام قبل أي حاجة، وأيقونيته اللي بدأت هِنا، «اسمي إبراهيم» *يَعقد يديه على شكل عَصفورة* «إبراهيم الطاير».


- رأفت الهجّان (الثلاثية) (صالح مرسي ويحيى العلمي – (1987-1991):



 ليه المُسلسل ده تحديداً، وفي 3 أجزاء، فَلَت من ابتذال الأفكار الوطنيَّة وحكايات ملفّات المخابرات السخيفة وعدّى بكليشيهاته العَديدة لإنه يبقى شيء كلاسيكي عالي القيمة للدرجة دي؟

معنديش إجابة واضحة إلا التقدير الشديد لأيقونيَّة كل تفاصيله، بدءً من موسيقى عمَّار الشريعي –كنت بفكَّر في التعليق أكتب بس مُجرد "تيرارا را را را را را تارارا" وبعدين حَسيته سُخف فمعملتهاش بس كان تقدير للموسيقى كاختصار لأيقونية كل شيء هنا-، مروراً بإن المسلسل بقى المَرجعية عند المصريين لتفاصيل المُجتمع الإسرائيلي ومحدش بقى مُهتم فعلياً –أو أنا عن نفسي- في تبين مصداقية الصورة المَرسومة من كتر ما هي حِلوة، عظمة الشخصيات اللي لسه مَحفوظة بأسماءها لحد دلوقتي، والعلاقات اللي مَكتوبة وأُخرجت برقَّة بالغة حوّلت أي كليشية لمشهد حلو وباقي في الذاكرة.

وطبعاً محمود عبدالعزيز، الكاريزما الأعظم بين كل المُمثلين المصريين في واحد من مساحات تجليَّاته العظيمة.
.
.

ذِكر شَرفي: كل ما لم يتسع المجال لذكره لعكاشة (ليالي الحلمية (أول 3 أجزاء)، أرابيسك (أيام حسن النعماني)، رحلة السيد أبو العلا البشري (ج1)، زيزينيا (ج1)، الرّاية البيضا)



 ملحوظة: كان مفروض النوت تكون 5 مسلسلات، بس سَرحت في الكتابة وطِلعوا 6، فغيَّرت العنوان على وَزن أحد أفلام جودار
ملحوظة تانية: كَتبت البوست من 10 أيام، قبل عرض الحلقة الأخيرة، بس منزلتوش هنا غير دلوقتي لدواعي الكَسَل مش أكتر، ومحبّتش أغيَّر في الإشارة الزمنية اللي موجودة فيه