21 فبراير 2010

هاجس عن الفقد


عَلَى كُلًّ فإنّ انتهَاء الأمْر كانَ أَفضل مِنَ الانتظار ِ، هُنَاكَ قَسوة دائماً في وُجودِ الأمل ، وبالمِثلِ فإن هَزِيمَة فريقك 2-0 أفضل من أن تظل 1-0 حتّى نهاية المباراة ، السُّقوط في الامتحان أَكثر راحة من التوتر الذي يُصاحب انتظار النّتِيجَة ، هَدمُ البَيت القَدِيم أكثر أمناً من أن تُشاهِد الشروخ وهِيَ تأكُله بِبطء ، فَقدَان الحَبِيب أَقلَّ وَجعاً مِنَ هاجِس رَحِيله ، الأيَّام التّي تَسبِق سَفَر الرَّفِيق مؤلمة أكثر من لحظةِ السّفر ذاتها ، مَوْتُ أَحدَ الأقرباء بِمَرضٍ خَطِير أكثر طَمَئنِينَة مِنَ انتظارِ شفاءه

أُخبر صَديقة مُنذُ يَوْمين أنّنِي لا أَخافُ مِن شئٍ بِقَدرِ الفَقد ، ولَكِنّي أُفكّرُ بالأمسِ أنّ الخَوف مِنَ الفَقدِ أَكثَرُ قَسوة مِنَ الفقدِ ذاته ، ورغم ذَلِك فإن الفِطْرة تَنحازُ إلى الأَمَلِ

في غرفة الإبن


- مِن فيلم "In the Bedroom"

15 فبراير 2010

الرَّيحُ التِي تَهُزُّ الشَّعِيرْ

يَقُولُونَ أنّ الملائِكَة تَنَام ليلاً وَسَطَ حُقولِ الشّعِيرِِ ، دائِمَاً مَا حَاوَلتُ فِي صِغَري مُلاحَقتهم عنْدَ الغُّروب ، وفِي الصّباحِ كُنتُ أَستَيقِظُ باكِراً كَيّ أَرى الشّمس وهِيَ تُشْرقُ فَتحتَضِن الشّعِير ، ليبدأ الملائكة في الطّيران فوقَ أرضنا ..

أَخبَرنِي جَدّي بأنّ الله حِينَ أَنزَلَ آدَم عَلى الأَرضِ لَمْ يُعْطِه في البدء غَيْر الشَّعِير ، فَمِنْه كَانَ طَعَامَه وشَرابَه ودَوَاءَه ، عَلَى الشَّعِير كَانَت لَيْلَةُ العُرْس الأُولى فَوْقَ تِلْكَ الأَرْضِ ، بِهِ بَدَأت الحَيَاة ، لِذَلِكَ فَعِنْدَ كُلّ فَقْدٍ يُرْسِلُ الله ريحاً تَهُزُّ الشَّعِير

كُنْتُ أَجْلِسُ بِالسّاعَاتِ مَعْ جِدّي وَسَطَ حُقُولِه ، يَحْكِي لِيَ الحَوَادِيت ، يَضَعُ يَده فَوْقَ سَنَابِلِ الشَّعِير مُبتسماً وهُوَ يُخْبِرُنِي بأنَّ مَلْمَسه يُشَابَه مَلْمَس يَدّ جِدّتِي فِي شُهُورِهَا الأَخِيرَة ، حَيْثُ جَلَس لِمُدَّةِ شَهْرَيْن لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلاّ الإمْسَاك بِيْدَيها كَي تَعْرِفُ حِينَ تَغِيبُ عَن الوَعْي أنَّه هُنَا وأنّه لَن يتركها أَبداً ..

فِي اللّيْلَةِ الّتِي ماتت فِيهَا جَدّتِي اهْتَزّ الّشّعِير بِشدّة ، بَدَا وكأنّ سَنَابله قَد جَفّت حُزنَاً ، وبَيْنَمَا تَوَقّف الدَّمْع فِي عَينِي جَدّي أَدْمَعت السّماء مَطَراً ..

كَانَ ذَلك مُنْذُ وَقتٍ طَوِيل ، مَاتَ جَدّي فبيعت حُقُوله وَجُرَّفَت ، رَحَلَت الملائِكَة تَبْحَثُ عَن مَكَانٍ آخِر كَيْ تَبِيتَ فِيه ، كَبِرْتُ وابْتَعَدْتُ عَن بَلدَتِنا ولَمْ أَعُد أَرى حُقُولَ الشَّعِير ، كَثِيراً مَا فَكَّرت فِي جِدّي والأَرض والمَلائكة والسَّماء الّتِي تُمْطِر دَمْعَاً باعتبارِها أَوْهَاماً شَّاعِريَّة آمَنْتُ بِها صَغِيراً ولَمْ تَعُد تَصْلِح الآن لناضِجٍ مِثلي .. فَنَسَيْتُها

وَلَكِن رَغْمَ ذَلِك قكَثِيراً مَا أَحْلَمُ الآن بِتِلكَ الأَيَّام ، أَكُونُ فِي الحِلْمِ كَجَدَّي وتَتَجَسَّدُ حَبِيبَتِي كَصُورَةٍ مُثْلَى لِجِدّتِي ، أَحْمِلُهَا بِيدِي وأضعَهَا وَسَطَ مَلائِكَةِ السَّنَابِل ، أُقَبَّلُها فَتَصِيرُ الأَرْض جَنّةً ، لَحْظَات ويَهْتَزّ الشَّعِير .. فَأَفقدُ حَبِيبتي وَأَسْتَيْقِظُ مَفْزُوعَاً

09 فبراير 2010

كَأفضلِ ما يُمْكِن

Dedicated to Fiona Sullivan



- أنا مش فاهمهم هنا والله ، إزاي ميرضوش يدخلوني ويدخلوكِ انتِ بالجلابية اللي انتِ لابساها دي !!؟

- ... !! ، مفيش فايدة

- استني بس متمشيش ، أنا مقصدش

- ....

- متبصليش البصّة دي

- امدحني ، دلوقتي وبسرعة !

- نعم !!

- امدحني ! ، الطوب اللي بتحدفه ده بيجرح مشاعري ، وانتَ بتعمل كده دايماً ، المديح بقى إنك تقول حاجة كويسة في الشخص اللي قصادك ، وانتَ عمرك ما عملت كده .. بس هتعمله دلوقتي يا إما همشي

- طب .. مُمكن نُطلب حاجة الأول ؟!

- وحياة أمي لو مقلتليش دلوقتي حاجة كويّسَة فيّ وانتَ تقصدها هقوم أمشي

- .....

- ها ؟ أنا مستنيّة !

- طَيّب ، أنا عندي ليكِ مَدِيح .. تُحفة ، وحقيقي جداً

- والله خايفة تكون طوبة جديدة من بتوعك

- بلاش تتشائمي كده ، ده مش طبعك ، أنا هقولها

- ؟

- ،أنا عَندي ... انتِ عارفة يعني مرض مُزمن ، الدكتور اللي بروحله بيقولي إن بين 50و60% من اللي عندهم الحالة دي ، حبوب الدوا لوحدها كافية كعلاج ، أنا بكره الحبوب .. الحبوب شيء قَذر "بوضوح" ، عشان كده مبستخدمهاش ، المديح بقى.. إن في الليلة اللي قلتي لي فيها إنّك ... انتِ فاكرة يعني انتِ قلتي إيه ، المديح ، إني في اليوم اللي بعدها على طول ، ابتديت آخد الحبوب بانتظام وأنا بَجِز على سناني

- ومفروض أعتبر ده مدح ليّ إزاي يعني ؟

- انتِ مش فاهمة !

- فهّمنِي !!

- انتِ خلتيني عايز أبقى بني آدم أحسن