15 نوفمبر 2009

في عيون الولاد وصبايا البلد


على فد ما كل حاجة بدأت مثالية جداً : حضور جماهيري طاغي .. روح معنوية عالية .. تقفيل الإستاد كله من قبل الماتش بأربع ساعات .. حمص بيبدأ .. جماس طاغي وجون في أول دقيقتين .. وزيُّه ضايع من على الخط في أول ربع ساعة .. اقتناع كامل إننا خلاص في كاس العالم

على قد ما المأساة كانت على وشك الاكتمال قُرب الختام : الناس ابتدت تُسكت .. شعور عام بإن الموضوع خلاص خلص .. الشعور نفسه وصل للعيبة .. توتُّر في الملعب .. تضييع وقت واستفزاز .. ناس ابتدت تمشي .. الشاب التخين اللي عدّى من جنبنا وهو بيعيّط وكلنا بصينا لبعض من غير ما نتكلم .. صوت الإستاد اللي اتحوّل لـ "وان تو ثري .. فيفيا ألحيري" بعد ما كان "وان تو ثري .. ** أم ألجيري"

لحد ما العالَم وِقف عند رفعة سيد معوض

فيه نظرية تخص السينما بتقول عشان تعمل فيلم حِلو .. اصنع بداية عظيمة وفينالة عظيمة .. ومش مهم أي خَرْي في النُّص
وفي الكورة .. مفيش أعظم من جون ييجي في أول دقيقة يعلّي كَعبك ، وجون ييجي في آخر دقيقة بعد ما تكون – تقريباً – فقدت الأمل ، مفيش أعظم من ماتش إمبارح بشكل من الأشكال

طول الأيام اللي قبل الماتش كنت قرفان من الأجواء الإعلامية المُحيطة ، كنت قرفان من عَبَط تعويل علاقات بين بلدين على ماتش كورة ، ماتش كورة كبير ومهم ولازم نتحمسله .. بس بلاش مبالغة .. دي نفس الأجواء اللي هتكون لو الأهلي رايح يلعب في الإسماعيلية نهائي أفريقيا مثلاً ، يبقى بلاش تهويل ومبالغة وربط الموضوع بشرف الوطن وكل البتنجان اللي حصل ده ، الحماس والجنون في ماتشات الكورة المصيرية شيء طبيعي في كل الدنيا ، كنت مُتفهم إن ده يحصل من ناس عادية روحهم في الكورة وشايفه إيجابي جداً .. بس عملية الشحن السلبي اللي مارسها الإعلام طول الشهر اللي سبق الماتش كانت أقذر حاجة في الموضوع ، كله بيشوف مصلحته وبيلعب على قفا مشاعر الناس البسيطة
على الناحية التانية كان فيه الناس الحِلوين بتوع وِسط البلد والندوات الثقافية ، وكم رهيب من التعالي على مشاعر الناس واهتماماتهم ، الالتفاف حوالين ماتش زي ده واعتباره مصيري ومهم وحدث عظيم حاجة مش هيفهمها إلا حد مهتم بالكورة ، لو مش مهتم .. اسكُت ، ولو شايف إن دي تفاهة .. يا عم فُكك مني ومن الناس .. إحنا عالم تافهة بتوع كورة وبنهيّص ونرقص في الشارع لما مصر بتكسب ، أم بقى الكلام الساذج بتاع أفيون الشعوب .. وبينسوكوا همكم .. وانتوا تستاهلوا اللي انتوا فيه ، انتَ مالَك ؟؟ ، يا بهايم افهموا "مفيش حد هيبقى كويس من غير ما يعرف الناس" .. إزاي بتفترض إنك بتكتب عن الناس أو ليهم وانتَ أصلاً بتتعالى على أهلهم ؟؟
كان فؤاد حداد ليه أبيات بحبها في شرح فلسفة الناس الظريفة دي ، كان بيقول على لسانهم : " - تعرف الكورة ؟
/ - دي بلاوي / – مش غاويها ؟ / - لأ مش غاوي ، باكره اللي يرقّص وسطه ، واللي مبيعرفش أرسطو ، مش مٌفيد الناس ينبسطوا .. المُفيد الناس تتأذى" ، ولكل الناس الظريفة اللي فقعت أهلي طول فترة قبل الماتش ولحد دلوقتي بعد الماتش واللي مكنتش عايز أتكلم مع حد منهم عشان مدخلش في نقاشات عقيمة .. لكل الإعلاميين اللي حاولوا يجملوا صورتهم ويحسنوا شكلهم الزبالة حتى لو حساب ناس كان ممكن تموت إمبارح في الماتش ، انتوا "حالة شاذة ! حالة شاذة ! ، صورة مهتزة مهتزة"

المهم إنه من قبل الماتش بشهر .. من وقت ماتش زامبيا ، والأجواء في القاهرة كروية بامتياز ، مفيش حتة ممكن تقعد فيها أكتر من نص ساعة من غير ما تتكلم على الماتش ، مينفعش تقعد مع واحد صاحبك أكتر من عشر دقايق من غير ما يقولك خبر أو تسأله على أخبار التذاكر ، أجواء عظيمة وحقيقية في نظري ، امتى الناس بترتبط وتلتف حوالين حاجة كده ؟ .. في البيوت والقهاوي والشارع والأتوبيسات والجامعة وأماكن الشغل ، في كل حتّة في مصر

كان حرام فعلاً الناس دي قلبها إمبارح يبات زعلان بعد كل اللي حصل وكان لسه بيحصل

قبل الماتش بيوم واحد صاحبي كلمني قالي إنه لاقى تذاكر أخيراً .. سوق سودا طبعاً .. وبمية وعشرين جنية للدرجة التالتة ، المبلغ كان مبالغ فيه شوية ومكنش معايا وقتها بس قلتله يدوس وأنا هتصرف ، الفكرة بالنسبة لي كانت بترتبط بالذكرى قبل أي حاجة .. الفرحة هتكون هي والحزن هتكون هو سواء كنت في الإستاد أو لأ .. بس أنا مقتنع إن الذكريات هي أهم حاجة بيملكها البني آدم تقريباً .. ذكرى إنك تشوف ماتش زي ده في الإستاد عظيمة في الحالتين .. وهتفضل تحكيها طول عُمرك ، التوتّر والأجواء والبهدلة من الصبح وساعة الدخول .. لحد بداية الماتش والتشجيع ولحظة التسجيل وانطباعات الناس .. لحد بعد النهاية الفرحة أو الحزن اللي هيكون ، إستاد القاهرة مكان عظيم فعلاً .. من أعظم إستادات الكورة في العالم لما تشوفه في ماتش زي بتاع إمبارح

قبل الماتش بأيام كُنت حاطط حاجتين لو حصلوا هنكسب ، واحد منهم شخصي ، والتاني إن حُمُّص يبدأ الماتش ، مسألة ثقة ومسألة تفاؤل ومسألة عَبَط كمان
:) ، بس حقيقي أنا بتفاءل وبتحمّس بشكل غير طبيعي لما يبدأ مع المنتخب وذكرياته معاه عظيمة جداً في المناسبات القليلة اللي بدأها أساسي ، لما اتقال التشكيل كان مثالي جداً – باستثناء وجود ال*** اللي اسمه المحمّدي - : نُص ملعب مفيهوش شوقي – البعيد جداً عن مستواه - .. أوكا برة الملعب .. عماد متعب مبدأش .. وجود "أحمد حسن" في الملعب .. وطبعاً البدء بحمُّص ، جالي مكالمتين وأربع رسائل بعد إعلان التشكيل "حمص هيبدأ" .. وموبايلي فصل شحن قبل ما أعرف أرد بإن رهاني زي ما هو .. "هنكسب لو حمص بدأ"

بداية مثالية .. أكتر من مثالية : جون في أول دقيقتين

الأجواء في الإستاد في الوقت ده كان رهيبة ، عادةً في الماتشات اللي زي دي الناس بتقعد في البداية وتقف مع الهجمات الخطرة أو في المرحلة الخطرة من الماتش ، هنا الموضوع بدأ في لحظة البداية ، كل الناس كانت واقفة وبتشجع – ومحدش قعد طول وقت المباراة تقريباً – وساهم في ده جون عمرو اللي في أول دقيقتين

بعد الجون ، كان فيه اقتناع إننا هنطلع من الإستاد نقطع تأشيرات لجنوب أفريقيا ، أصل أحيه يعني لو موصلتش بعد بداية زي دي ، "نجيب بقى جون تاني في أول ربع ساعة ونقسّم" "نلعب بقى هما معنويتهم محطمة دلوقتي" "يا مُحمدي يا ابن المت**** هزها واسترجل شوية" "يا جدعان جون تاني والنبي وبعد ريّحوا" "ربنا يُستر من الكرات الثابتة" "وان تو ثري .. ** أم ألجري" "الله حي التاني جاي" "يا جدعان جون تاني وبعدين اتمني*** براحتكم" "استر من الكورة دي يا رب"

بين الشوطين كان فيه اتفاق شبة كُلي من التمانين ألف اللي في الإستاد والتمانين مليون برّاه على إن ال*** اللي اسمه المُحمدي لازم يخرج برة وينزل بركات ، وإن لازم نجيب جون في أول الشوط التاني عشان نرتب صفوفنا ونركز على التالت في آخر نص ساعة ، وإن تريكة لازم يفوق من الغيبوبة اللي هو فيها ، وإن الحضري حارس مرمى عظيم ، وإن زيدان لعيب كورة كبير بس شاب سيس

في الشوط التاني مفيش حاجة اتغيرت ، حماس مصري ودفاع جزايري مع الهجمة المرتدة ، بعد عشر دقايق خرج حمص ونزل بركات .. لمسات شحاتة الغبية ابتدت تظهر .. أنا مُتحيّز لحمص أكيد وهو معملش ماتش كبير .. صحيح تمركزه كان هايل وباصاته كلها صَح وعمل كذا ثروباص مميز بس كان منطقي يخرج في مرحلة جاية من الماتش ، بس مكنش ينفع ولسه فاضل أكتر من نُص ساعة تضحي بوسط ملعبك كله للجزاير .. وتهاجم بخمسة من غير تدعيم من وسط الملعب – أحمد حسن لعيب كبير جداً بس مبيعرفش يباصي الكورة لأكتر من متر قدام - .. والأهم من كل ده : مينفعش تسيب لعيب زي المحمدي في الملعب ، مشي اللعب بإيقاع واحد .. كُوَر عالية مقطوعة .. محاولة لعب على الأطراف .. أبو تريكة غايب تماماً – خالد لموشيه اللي الزمالك عايز يجيبه لعيب هايل جداً قضى عليه تماماً - .. زيدان بيستعبط .. هاني سعيد بيتكعبل وكان هيضيعنا – بتتكعبل في ماتش زي ده ياله ؟؟ - لولا الحضري – إلهي يعمر بيته - ، بعد تِلت الساعة الناس ابتدت تقلّق وابتدى الطموح من إننا نكسب ثلاثية ونتأهل على طول .. لإننا نجيب التاني عشان قلبنا يطمن وبعدين ربنا يسهل .. متعب بيسخن .. الناس كلها بتقول أخيراً هنخلص من المحمدي .. متعب بدل من عمرو زكي ، الراجل الفاضل والمُهَذّب اللي كان قاعد قدامي لَخَص الوضع بجملة "أ*ه يا شحاتة ، ** أمك يا محمدي" ، توتّر وتكتل دفاعي .. الجزائريين ابتدو يقعوا على الأرض والفرّة تجيلهم .. عربية الإسعاف دخلت خمس مرّات باين .. قَلق .. بداية الشعور إن الحلم بيهرب كانت في آخر عشر دقايق .. مفيش فرص ومفيش ترتيب ومفيش مساحة للعب .. "يا رب جون واحد يا رب .. يا رب جون"

"
المأساة كانت على وشك الاكتمال قُرب الختام : الناس ابتدت تُسكت .. شعور عام بإن الموضوع خلاص خلص .. الشعور نفسه وصل للعيبة .. توتُّر في الملعب .. تضييع وقت واستفزاز .. ناس ابتدت تمشي .. الشاب التخين اللي عدّى من جنبنا وهو بيعيّط وكلنا بصينا لبعض من غير ما نتكلم .. صوت الإستاد اللي اتحوّل لـ "وان تو ثري .. فيفيا ألحيري" بعد ما كان "وان تو ثري .. ** ألجيري"

لحد ما العالَم وِقف عند رفعة سيد معوض
"

ورأسية عماد متعب !

"في الكورة .. مفيش أعظم من جون ييجي في أول دقيقة يعلّي كَعبك ، وجون ييجي في آخر دقيقة بعد ما تكون – تقريباً – فقدت الأمل ، مفيش أعظم من ماتش إمبارح بشكل من الأشكال"

من كان يُصَدّق ؟؟

تلك الأشياء تحدث يا جدعان

في اللحظات دي غالباً مش بتحس بنفسك .. بتحضن ناس مبتعرفهاش .. بتتنطط .. بتصرخ .. الناس بتشد بعض من هدومها وتخبط بعض عشان تصدق إن الكورة فعلاً دخلت جون .. هي الكورة فعلاً دخلت جون ؟؟ ، العالم بيختلف لحظتها .. شحنة من الغضب والحماس والفرحة والطاقة بتخرج في ثانية .. مبتبقاش موجود ولا دريان .. فرحة ولخظة استثنائية فعلاً

بعد الجون الشاب التخين اللي كان بيعيّط رِجِع وكل الناس قعدت تحضنه ، صوت الناس بقى يِرُج الإستاد ، في لحظة تانية كان بركات هيعملها ، فضلنا نصرّخ ونتنطط لحد صفارة الحكم

مظنش إن الجون التاني لو جه بدري ولعبنا بحثاً عن التالت كان هيبقى بالطعم والفرحة دي

مصر في اللحظات دي بتبقى حِلوَة لدرجة مُدهِشَة ، والأهم إن الناس بتفتكر قد إيه هي حِلوة

الحمد لله

معنديش شك – بإذن الله – إننا هنكسب ونعمل ماتش كبير يوم الأربع ، وأعظم جيل كورة في تاريخ مصر هيلعب أخيراً في كاس العالم ، والمعلّم حسن شحاتة .. رغم أي غلط أو انتقاد .. هيبقى أعظم مُدرب في تاريخ منتخب مصر ، وإحنا هنفرح بقى

----

* العنوان : من أغنية شادية العظيمة طبعاً ، ده بقى قمة "السينتمنتالتي" اللي في الدنيا ، بس بحب الأغنية فعلاً .. حصوصاً الجملة دي
* الصورة للبوب الكبير "شهاب"