27 سبتمبر 2009

مترو


Le Caire , Je t'aime

مِتْرُو


مشهد 1
داخلي
محطة المترو

بنت ، في حدود العشرين من عُمرِها ، ترتدي ملابس وحِجَاب أزرق في أبيض ، تقف على حدود رصيف المحطة لدرجة أن طرف حذائها يمتد لمرور المترو ، تنظر في القضبان بسرحانٍ وحُزن
على بُعد خطواتٍ منها يقف شاب ، في سِنًّ مُقارِب ، يرتدي بنطلون جينز أزرق وقميص ، ينظر إليها لثواني بتركيز ثم ينظر في ناحيةٍ أُخرى
نستمع لصوتِ المترو وهو قادِم ، الناس في المحطة المزدحمة تبدأ في الاستعداد للركوب ، الفتاة تبدو على نفس الحالة التي هي عليها ، ينظر إليها الشاب من جديد وفي الخلفية تبدو أنوار المترو واضحة حيثُ يقترب بشدة ، ينادي عليها الشاب الذي مازال على بعد خطواتٍ قليلة منها

الشاب : ارجعي شوية لورا يا آنسة

يقترب المترو ويزداد صوته علوَّاً

الشاب – بصوتٍ أعلى يتداخل مع صوت المترو المُقترب - : يا آنسة

يقترب المترو بشدة ويصبح صوته هو الوحيد على شريط الصوت

يتحرّك الشاب ويجذب الفتاة بيديه للخلف بعيداً عن حدود الرصيف ثم يحدّثها بانفعال

الشاب : ينفع كده يعني ؟

تنظر إليه الفتاة بنظرة شاحبة وعدم اكتراث ثم تقول له في برود

البنت : انتَ إزاي تمسكني كده أصلاً ؟

الشاب – مستمراً في انفعاله - : انتِ مش شايفه المترو وهو جاي ؟

البنت : وانتَ مالك ؟

الشاب : وأنا مالي إيه وبتاع إيه ، رجلك كان ممكن تتكسر وانتِ وقفة قريبة كده ، بتتأملي في جمال القضبان مثلاً

يكون الناس حولهم قد بدؤوا في الركوب ، يتركها الشاب وهو يقول جملته الأخيرة لكي يركب ، تستمر هي وراءه وتركب في نفس العربة وهي لا تزال تحدثه

البنت : على فكرة حضرتك ملكش دعوة أصلاً ، مالك انتَ رجلي تتكسر ولا متتكسرش

الشاب – محاولاً أن يسيطر على انفعاله - : حضرتك عندك حق ، أنا اللي غلطان

تغلق العربة وهم بداخلها بعد أن جعلهم الزحام يقفان بجانب بعضهم البعض

قَطْع

مشهد 2
داخلي
داخل عربة المترو

العربة مزدحمة بشدة ، الشاب والفتاة في مشهد واحد يقفان على مقربة شديدة ، يكاد لا يفصل بينهم سوى خطوة واحدة

الفتاة تبدو شاحبة ، تنظر في الفراغ ، الشاب ينظر في الجهة الأخرى منها

تحرك الفتاة يدها أمام وجهها دلالةً على قلة وجود الهواء ، ثم تضع يدها على فمها وهي في مرحلة التّقَيُّئ ، تحدث الشاب بجانبها

الفتاة : معاك مناديل ؟؟

الشاب ينظر لها في ذهول

الفتاة : مناديل ، حاسّة إني هرجّغ

تسعل الفتاة بشدة وبينما يخرج الشاب المناديل من جيب بنطاله الخلفي تكون هي قد غابت عن الوعي ، مائلةً عليه

تحدُث جلبه في العربة حيث يبدأ الجميع في التحرك والنظر نحوهما ، الشاب يشعر بالارتباك ولا يعرف ماذا يفعل تحديداً ، يظل يسندها ويضعها على الأرض ، تتحدث إليه إحدى السيدات المنقبات في العربة


السيدة المنقبة : هوّيلها يا ابني .. هوَّيلها بسرعة ، محدش معاه جرنان يا جماعة

يعطي أحدهم جرناناً للشاب فيبدأ بشكل فطري وسريع في التهوية على وجهها ويخرج المناديل من جيبة ويمسح العرق على جبهتها وخدّها ، ويتحدث لمن حواله

الشاب : وسعوا شوية يا جماعة عشان الهوا

تقول له نفس السيدة المنقبة : المحطة الجاية قربت يا ابني ، خدها وانزل لحد ما تفوق عشان الهوا هنا قليل أوي والدنيا خنقة

يشعرُ الشاب بالورطة التي أصبح فيها ، يُجيب سريعاً

الشاب : لأ على فكرة أنا معرفهاش

يرد عليه رجل بجانبه

الرجل : إزاي يعني ؟ انتوا عمالين تتكلموا من ساعة ما دخلتوا

ينظر إليه الشاب في بلاهة ويبدأ في إدارك صعوبة الموقف وعدم قدرته على إثبات أنه فعلاً لا يعرفها ، يبدأ الناس في الطأطأة والتأفُّف ، الشاب ينظر لهم مذبهلاً ، يُدرك – تحديداً – أنه قد اتخذ دور الندل ولا خيار أصلاً سوى أن يخرج من العربة فعلاً

في تلك اللحظة يكون المترو قد وصل للمحطة ، يُفتح باب العربة ، دون كلمات يحمل الشاب الفتاة بصعوبة ثم يخرج بها خارج المترو

قَطْع

مشهد 3
داخلي
محطة المترو

الشاب يحمل الفتاة ويتحرّك بها بصعوبة في المحطة ، يُجلسها أخيرا ًعلى أحد الكراسي ويجلس بجانبها ، يستمر في التهوية إليها بالجرنان الذي أخذه من أحد ركاب المترو ، يمسح حبّات العرق على وجهها ، ينظر حوله وهو لا يعرف ما يمكن أن يفعله كي تفيق

تقترب منه سيدة مُحَجَّبَة في قرابة الأربعين

السيدة : مالها يا ابني خير ؟

الشاب : أُغم عليها زي ما حضرتك شايفه ، مش عارف أعمل إيه

السيدة – ببعض التوجُّس - : هي خطيبتك ؟؟

يصمتُ الشاب لثواني وهو ينظر في بلاهة ، يبدو وكأنه على وشك أن يقول "وانتِ مالِك" ، ولكنه يتمالك نفسه لحاجته إليها

الشاب : لأ ، أُختي

تتحرك السيدة لتجلس بجانب البنت ، تسند رأسها على صدرها ، تبدأ في ضرب وجهها ضربات قصيرة متتابعة وهي تُتَمتم ببعض الآيات القرآنية

السيدة : شُفلنا يا ابني أي ست في المحطة معاها ريحة

يتمتم الشاب : آه آه حاضِر

يتحرك في المحطة قليلاً ، يقترب من فتاتين تبدوان مُرَفّهتين

الشاب : معلش لو سمحتي ، حضرتك معاكِ برفان ؟؟

الفتاة : أفندم ؟؟

الشاب : آسف آسف ، أصل فيه بنت ... قصدي أختي ، أغم عليها وبدوّر على برفان عشان أفوّقها

الفتاة : آه ، ثم متحدثة لمن معها ، معاكِ برفان يا سماح ؟

سماح : آه معايا ، هي فين أختك ؟

يتحركا ناحية السيدة والفتاة ، تعطي لها البرفان ، فتضع منه السيدة على كف يدها وتشممه لها وهي ما تزال تضربها بخفة على خدّها وتتمتم بالآيات ، تبدأ الفتاة في الفوقان ، يتنفس الشاب بعمق

السيدة : قومي ، قومي يا حبيبتي اسم الله عليكِ ، فوقي يا ماما

نستمع لصوت المترو قادم من بعيد ، تتحدث سماح للسيدة

سماح : معلش بس ممكن حضرتك البرفان عشان هنركب ؟

السيدة : خُدي يا حبيبتي ، ألف شكر

الشاب – متحدثاً للفتاتين - : مُتشكر أوي

سماح : لأ أبداً مفيش داعي للشكر ، حمد لله على سلامتها

تبدأ الفتاتان في التحرك على حدود الرصيف بانتظار المترو ، تستمر السيدة في محاولتها لإفاقة الفتاة التي تبدو بالفعل قد استعادت وعيها قليلاً

السيدة : حمد لله بالسلامة يا بنتي

تنظر الفتاة حولها في عدم فهم

السيدة – ضاحكة - : كده برضه تقلقي أخوكِ عليكِ ويتلبخ وميعرفش يتصرّف

تنظر الفتاة للشاب بأعين مغمضة تقريباً ، يتدخل الشاب

الشاب : طيَّب قومي انتِ يا حاجة عشان تلحقي المترو ، أنا مش عارف أشكر حضرتك إزاي

السيدة : على إيه يا ابني ، أخليني معاك والله لحد ما تفوق خالص

الشاب : الله يخليكِ ، هي فاقت خلاص ، متعطليش نفسك عن كده

السيدة : طيَب يا ابني ، بس متركبهاش المترو تاني بقى عشان قلة الهوا هتخليها تتعب تاني

الشاب : طيَّب يا حاجة ، ربنا يخليكِ

السيدة : بالسلامة يا ابني

تُطَبْطِب السيدة على الفتاة وتتحرك سريعاً وتركب في عربة السيدات بالمترو

الشاب يجلس بجانب الفتاة التي استعادت وعيها ولكن تبدو في دروخة

الفتاة : هو إيه اللي حصل ؟

الشاب : واضح يعني ، أغم عليكِ في المترو والناس افتكرتنا مع بعض فاضطريت أنزل بيكِ المحطة لحد ما تفوقي

الفتاة – وهي تمسك رأسها - : افتكرونا مع بعض ليه ؟ انتَ مين أساساً ؟

الشاب – بانفعالٍ مكتوم - : أنا اللي حضرتك زعقتي فيّ وقلتي لي انتَ مالك لما المترو كان هيخبط رجلك ، مش عايزة تقولي لي انتَ مالك دلوقتي كمان ؟؟

الفتاة تسند رأسها للخلف على الكرسي : أنا عطشانة أوي

ينظر لها الشاب لثواني باستغراب لكونها – ربما – لم تقل ولو كلمة شُكر ، ثم يتمتم بصوت منخفض : الصبر من عندك يا رب ، ثُمّ متحدَّثاً إليها : أوامر حضرتك ، هروح أجيبلك ميّة

يتحرك الشاب

- لقطة واسعة للفتاة وهي تجلس وحيدة ، لا يوجد أي شخص يجلس على الكراسي حولها أو يقف في مُحيطها ، اللقطة تجلها تبدو وكأنها وحدها في محطة المترو كاملة

لقطة قريبة للفتاة ، حيثُ تمسك رأسها وتبدأ عيناها تدمُع قليلاً ، ثمّ تبدأ في البكاء بشكل واضح وبصوتٍ مُنخفض

يحضر الشاب وهي في تلك الحالة ، يبدأ في الحديث قبل أن ينتبه لكونها تبكي

الشاب : أنا جبتلك .. – ثُمّ منتبهاً وسائلاً باهتمام- .. إيه ده مالك بتعيطي ليه ؟

تمسح الفتاة دموعها بيديها وتجيبه بقوة

الفتاة : مفيش

يَنظُر إليها الشاب باهتمام واضِح دون حديث

الفتاة – بعد أن تَمَالكت نفسها - : جبت الميّة

الشاب – بضحكة مكتومة - : أنا مش عارف مين اللي فهمك من الصبح إني الخدام اللي جبهولك جدو الباشا

تضحك الفتاة ضحكة سريعة تُخالط دموعها وخَدّيها المِحْمِرَّيْن وتجعلها تبدو أجمل كثيراً

الشاب – مبتسماً - : أخيراً ضحكتي ، اتفضلي الميّة

يعطيها المياة ، تشرب ، يجلسُ بجانبها ، لقطة كبيرة وهم يجلسان إلى جانب بعضهم في المحطة

لقطة أقرب وهم في نفس الوضعية ، كل منهم ينظر للأمام دون أن يتحدثان ، ينظر إليها الشاب أخيراً

الشاب : أنا يوسف على فكرة

الفتاة – بانتباه - : إيه ؟

يوسف : يوسف ، اسمي يوسف

الفتاة : آه ، - تصمت لثانية - ، أنا سارة

يوسف – مبتسماً بصوت منخفض - : على اسم نجلاء فتحي في إسكندرية ليه

سارة : إيه ؟

يوسف – مُفَسَّراً - : بطلة إسكندرية ليه ، كان اسمها سارة

سارة : هيّ الوحيدة اللي اسمها سارة في التاريخ مثلاً ؟

يوسف : لأ بس هي اللي افتكرتها دلوقتي ، مجرد ملاحظة مش أكتر

سارة – مُبْتَسِمَة - : أُمّي بتحبّ الفيلم ده أوي على فكرة

يوسف : بقينا اتنين

سارة : وأنا كمان بحبُّه

يوسف : بقينا تلاتة

يصمتان مرة أخرى لثواني

يوسف : انتِ كويسة ؟؟

سارة : تؤ تؤ

يوسف : مالِك ؟؟

سارة : مصدّعة ومدروَخة شوية

يوسِف – باهتمام -: لأ أنا أقصد مالِك ؟؟

تنظر إليه سارة للحظات ، ثُمّ تَنظر أمامها من جديد

سارة : مش عايزة أتكلم

صمت لفترة

سارة : أنا عطّلتك أوي ، مش كده ؟

يوسف : لأ أبداً

سارة : لأ عطلتك

يوسف : بصراحة آه ، بس خلاص كده كده الميعاد اضرب والمترو مفيهوش شبكة ، لما أخرج هبقى أكلم اللي كنت رايحله أعتذرله ، مش هيصدق الفيلم اللي حصل بس يخبط راسه في الحيط بقى

سارة : انتَ إيه اللي نزلك معايا صحيح ؟

يوسف – بتهريج - : لو مضايقة ممكن أمشي

سارة : لأ بسأل بجد

يوسف : الناس افتكرت إننا مع بعض عشان كنا بنتكلم وطلبتي مني مناديل وبعدين سندتك لما أغم عليكِ ، لما قلت إننا مش مع بعض بقوا يبصولي باعتباري عبده الندل ، كان لازم أنزل معاكِ

سارة : طب وليه فضلت معايا بعد ما نزلت

يوسف : ما هو لو مفضلتش كنت هبقى عبده الندل فعلاً

سارة : مش شرط يعني ، فيه ناس بيعملوا حاجات أندل من كده كتير ، انتَ متعرفنيش أصلاً

يوسف – بضحكة خفيفة - : لأ وبصراحة مكنتش طايقك من شوية لما قلتي لي وانتَ مالك ، بس يعني اللي حصل بقى ، مكنش ينفع أسيبك وأمشي خالص

صمت ، تنظر سارة بعيداً من جديد

يوسف : بس على فكرة يعني مفيش حاجة تستاهل الزعل اللي انتِ مزعلاه لنفسك ده ، كله بيعدي

سارة : ......

يوسف : كلنا بناخد على دماغنا ، وبعدين نقوم ، ناخد على دماغنا تاني ، نتكعبل ، نقوم ، هي دي الدنيا يعني

سارة – مبتسمة - : دلوقتي بقيت عبده الحكيم

يوسف : أنا أقصد يعني على رأي "عبده الحجار" : كل الجروح ليها دوا يا طير يا حالم في الهوا

تضحك سارة بشدة ، ضحكتها تبدو مبهجة جداً ، يضحك يوسف على أثرها

يوسف – وهو يضحك - : إيه اللي بيضحكك أوي كده ؟

سارة – وهي ما تزال تضحك - : عشان "عبده الحجار" أولاً ، وعشان ثانياً هو بيقول يا حايم مش يا حالم

يوسف : هو يعني إيه يا حايم أساساً

سارة : معرفش ، بس هو عبده الحجار بيقولها كده

يوسف : طالما متعرفيش يبقى يا حالم أحلى

نستمع لصوت مترو ثالث قادم

سارة : أنا هركب المترو الجاي ده بقى

يوسف : لا لا انتِ متركبيش مترو ، انتِ تعبانة وممكن يغم عليكِ تاني ، - ثم ضاحكاً – المرة دي مش هتلاقي عبيط زيي يفضل معاكِ ، انتِ ساكنة فين ؟

سارة : في حلوان

يوسف : طيَّب في عربيات بتروح حلوان من عبد المنعم رياض ، تعالي أركبك من هناك

سارة : لأ كفاية عليك بقى كده ، أنا عطلتك كتير أوي ، أكتر من كده هيبقى أوفر

يوسف : هو بقى أوفر من بدري على فكرة

تضحك سارة

يوسف : وبعدين كده كده الميعاد اضرب فعلاً ، خليني عبده الجدع لحد الآخر

يبدآن في الحركة ، نتابعهم في لقطة ثابتة حوالي دقيقة : يوسف وسارة يتحركان باتجاه الخروج .. هُما في عمق اللقطة .. يتحدثان .. لا نسمع ما يقولون وشريط الصوت يحوي ضجّة المحطة حيثُ يتوقف المترو .. يركب أُناسٌ وآخرون يخرجون ، يبتعد يوسف وسارة حتى يغيبان عن النظر ويخرجان من المحطة

قَطْع

مشهد 4
ليل / داخلي
ميدان التحرير

يخرج يوسف وسارة من محطة المترو ، حديثهم مازال مستمراً ، نراهم في البداية من بعيد ، نبدأ في الاستماع لحديثهم عندما يقتربا ، ونتحرّك معهم

يوسف : أيوة بس رغم كل حاجة متهيألي الناس مش بتقصد ، الناس بتقول وخلاص

سارة : لا الناس ساعات بيبقوا ولاد كلب ، ولما يبقى حد يعرفك ومع ذلك يجرحك .. فإنه ميقصدش ده مش عذر ، المفروض يقصد ميجرحكش

يوسف : مختلفناش ، بس هي الفكرة إن أي حد في الدنيا سواء يعرفك أو ميعرفكش أكيد عنده مبرراته ، محدش هيبقى ابن كلب من الباب للطاق ، اللي بيجرح أساساً بيبقى هو الطرف الأضعف ، الأصعب في الدنيا إنك تبقى كويس ، - يصمت قليلاً ثُمّ يُكمِل - ، تعرفي .. عندي نظرية كده بتقول إن الناس شبة الفاكهة .. قُولي أكتر فاكهة بتحبها أقولك انتَ مين

سارة : يا سلام

يوسف : آه واللهِ ، فكّري كده ، هتلاقي الفاكهة طيّبَة وشريرة ، والناس بتميل للفاكهة اللي تشبهها ، ليه مثلاً كل الناس بتحب الموز ؟ عشان الموز سهل كده ، كِبِيرُة قِشرَة ويتزفلط

سارة : اممم ، على كده يبقى البطيخ كمان طيّب

يوسف : ده أعبط عبيط في الدنيا البطيخ ، عشان كده كل الناس برضه بتحبه ، كل واحد فيه حتّة بطيخة صغيرة

سارة : إيه ده حلوة اللعبة دي ، إيه تاني طيب ؟؟ ، الجوافة طيّبَة

يوسف : آه ، بس مايعة ، تحسّي ملهاش شخصية واضحة وسط بقيت الفاكهة ، أختها الكُمَّترَى بقى شريرة .. صعبة في أكلها ولونها مش حلو ، عشان كده قليل لما تلاقي ناس بتحبها ، أي حد بيحب الكمترى يبقى شرّاني

يضحكان

يوسف : كنت بقول مرة لواحد صاحبي إنّي متأكد إن خالد يوسف فاكهته المفضلة الكنتالوب

سارة : اشمعنى ؟

يوسف : يعني ، فاكر نفسه أناناساية وهو في الأصل بطيخة ، فبيطلع في النهاية اختراع ملوش معنى زي الكنتالوب

سارة : بس أنا بحب الكنتالوب على فكرة

يوسف : المهم متكونيش بتحبي خالد يوسف ، وقتها هندم طول عمري إني نزلت معاكِ من المترو

سارة : لأ متخافش مبحبوش ، بس مقلتليش طيّب انتَ أكتر فاكهة بتحبها إيه ؟

يوسف : المانجة

سارة : اممم ، خليني أقولك ، - تُفَكّر - ، المانجة طيّبَة .. شخصيتها قوية وسط الفاكهة .. مُبهجة كده مينفعش تاكلها غير وانتَ مُبتسم

يوسف – في حركة مسرحية - : أخجلتم تواضُعنا واللهِ

سارة : ده على المانجة على فكرة ، أنا لسه مصدقتش النظرية

يوسف : أقولّك طيّب إيه أكتر فاكهة بتحبيها عشان تصدّقي ؟؟

سارة : إيه ؟؟

يوسف – بثقة شديدة - : تفاح طبعاً

سارة – بسخرية - : يا سلام ع الثقة ، غلط على فكرة

يوسف – يُفكّر لثانية - : اممم ، فراولة

تبتسم

سارة : ليه ؟؟

يوسف : مش عارف

سارة : لأ قول بجد عشان مقولش إنها جات صدفة

يوسف : لأ والله مش صدفة ، بس الكلام هيبقى مُبتذل أوي لما يتقال

سارة : قول يا سيدي وهستحملك ، مش هطلبلك البوليس يعني

يوسف : أصل التفاح والفراولة .. من برة كده يبانوا متقنعرين ورُخما ، نظام لو منجاية شدّتهم قبل ما يرموا نفسهم من طبق الفاكهة هيقوللها انتِ مالك

تضحك سارة ويضحك هو أيضاً قبل أن يُكمل مُبتسماً

يوسف : بس يعني ، لجوا شوية .. التفاحة بعد قشرتها بتبقى من جوا طيّبة ومسكّرة ، والفراولة كذلك .. تِنكَة وتحسيها طالعة فيها بس طيّبَة

تبتسم ، تُشيرُ له نحو رجل لا يظهر في الكادر

سارة : تفتكر الراجل اللي هناك ده إيه فاكهته اللي بيحبها ؟

ينظر يوسف نحو الرجل ، يفكر لثواني ثمّ يُجيبها

يوسف : شكله كده تيناية

سارة – تضحك - : شكلي هبتدي أآمن بالنظرية على فكرة

يوسف : طبعاً

سارة : تفتكر الراجل ده طيب إيه ؟؟

بعد سؤالها الأخير تصبح اللقطة واسعة جداً لميدان التحرير ، القاهرة تبدو جَمِيلة ، إيقاع مُميز من الحركة بين الناس ، يوسف وسارة في عُمق اللقطة يتحركان من التحرير لموقف عبد المنعم رياض ويبدوان مستمران في ممارسة اللعبة

قَطْع

مشهد 5
ليل / خارجي
موقف عبد المنعم رياض

سارة : أوف ، بكره المكان ده على فكرة

يوسف : بكره أي موقف أتوبيسات على فكرة

سارة : القاهرة على بعضها مزعجة جداً

يوسف : يعني ، بفكر في يوم من الأيام أعمل فيلم تسجيلي عن الأماكن اللي بحبها فيها يمكن أعرف أتصالح معاها أكتر

سارة : أصل هي الفكرة إنك لو بصيت حواليك هتلاقي كل حاجة بتتحرك ، الناس .. البياعين .. الأتوبيسات .. الميكروباصات ، كل الناس بتشتغل وكل الناس بتجري ، تحس إن الناس مش بتبص على بعض ولا تعرف بعض ولا مهتمية ببعض

يوسف : قلتلك قبل كده الناس مش بتقصد

سارة : وقلتلك ده مش مبرر ، مش مطلوب مني أفضل أدوّر لكل حد على أسبابه ، كفاية عليّ نفسي

يوسف : ما انتِ هتعملي كده عشانك مش عشانهم

سارة : إزاي مش فاهمة

يكونا في تلك اللحظة قد أصبحا بالقرب من "ميكروباصات" حلوان ، نستمع لصوت التبّاع ينادي ، ينظران إليه ، لا يتكلم يوسف حتى تخبره

سارة : هركب العربية اللي بعدها

يوسف : ماشي ، كنا بنقول إيه ؟

سارة : كنت بتقولي بتعملي كده عشانك مش عشانهم

يوسف : آه ، أصل بُصّي ، مينفعش تبقى كويّسة وانتِ شايفة الناس وحشين ، اللي عايز يبقى كويس لازم يعرف الناس ، واللي عايز يعرف الناس لازم يحب الناس ، ولو عايزة تحبي الناس لازم تفهميهم أوي على طبيعتهم ، وتسامحيهم أوي .. برضه على حقيقتهم

سارة : ومين بقى عنده طاقة لكل ده ؟

يوسف : أنا شايف إن اللي يقدر لازم يتجاوز ويسامح ، أصل افرضي فضلتي واقفة قدام كل كعبلة وكل خبطة تخديها من الدنيا وقدام كل جرح اتجرحتيه من حد سواء قصد أو مقصدش ، هتفضلي طول عمرك متعمليش حاجة غير إنك تخيطي جروح ، والحياة مش كده ، الحياة بتمشي .. ولازم انتِ كمان تتجاوزي وتسامحي عشان تقدري تكملي

يصمتان ، تتحرّك العربة التي كانت تحمّل ركّاباً لحلوان

يوسف – بضحكة خفيفة - : أنا كده بقيت عبده الحكيم رسمي

سارة : مش كده برضه

يوسف : خلّينا في القاهرة ، أنا مقتنع إن أي مكان مهما كان منيّل ، فهو ليه روحه .. حاجة مفيش مكان تاني بيشاركه فيها

سارة : والقاهرة فين روحها دي ؟؟

يوسف : القاهرة مشكلتها إنها عملية جداً ، كل الناس بتجري زي ما انتِ قُلتي ، بس يعني .. بحب وسط البلد بالليل .. بحب الحُسين قُرب الفجرية

سارة : عارف يمكن إيه أكتر مكان بحبه في القاهرة ؟؟

يوسف : إيه ؟

سارة : جامع السلطان حَسَن ، بستريّح أوي هناك

يوسف : وأنا كمان ، لما أعمل الفيلم التسجيلي اللي قلتلك عليه دول أكتر 3 أماكن هصوّر فيهم

سارة : انتَ بتشتغل إيه صحيح

يوسف : لأ لسه بدرس ، بس يعني ، فيه طموحات مؤجلة قد الدُنيا والبحر

سارة : بصرة ، بس الفرق إني خلّصت دراسة من كام شهر ، نفسي أحترف تصوير

يوسف : فوتغرافيا ؟؟

سارة : آه ، بس يعني مش عارفة أبدأ منين

يوسف : أظن من إنك تاخدي كورسات تصوير

سارة : واحدة صاحبتي دايماً تقولي كده ، قولي انتَ إيه طموحاتك المؤجلة ؟

يوسف : ياااه .. كتير أوي ، في الحياة وفي الكتابة وفي السينما وفي الاستقرار ، في الفترة دي كل بيبان الدنيا مفتّحة لاختياراتك ، المهم تختار إيه

سارة : تختار اللي مستريحله

يوسف : أيوة ما هو ممكن اللي مرتاحله دلوقتي ميريحكش بعدين ، عارفة فيلم بيفور سانرايس ؟؟

سارة : طبعاً

يوسف : كان بيقولها إنه ساعات بيحس لطيف أوي إنه يعمل بيت وأسرة ويبقى أب ، وده كفاية عليه ، بس ساعات تانية بيحس إن دي فكرة سخيفة أوي ، إنه عجوز معملش أي حاجة

سارة : بس هما لما بيتقابلوا بعد عشر سنين ، بيبقى عمل حاجة ، بيبقى روائي ومشهور وروايته مكسرة الدنيا ، بس مبيبقاش مبسوط

يوسف : ما هيّ دي الفكرة ، أنا بخاف أوي من الخيارات الغلط ، بخاف من الحاجات اللي ممكن تروح ومنعرفش نرجعها

في تلك اللحظة يقطع حديثهم "ميكروباص" جديد وصوت تبّاع ينادي على حلوان ، تَضُمّ سارة شفتيها

سارة : أنا هركب ده بقى عشان مش هينفع أتأخّر أكتر من كده

يتوقف الميكروباص بالقرب منهما ، ولكن سارة لا تتحرك ولا تقول شيئاً ، تحدّثه أخيراً

سارة : عارف ، فيه جملة بحبها أوي في الفيلم ده ، كانت بتقوله إن أجمل حاجة في كل اللي حصل بينهم إنه مكنش مفروض يحصل

يوسف – بابتسامة - : قَدَر

سارة : مُتشكرة على فكرة

يوسف : ياااااه ، أنا ليّ بتاع 14 شكراً من الصبح على فكرة

تبدأ سارة في العد على أصابعها

سارة : شكراً شكراً شكراً شكراً شكراً شكراً شكراً شكراً شكراً شكراًشكراً شكراً شكراً ، وقلتلك واحدة من ثواني ، يبقى خدت الـ 14 شكراً بتوعك

يوسف : عفواً ، أيّ خدمَة

سارة : أنا همشي بقى

يوسف : خُدي بالك من نفسك

سارة : وانتَ كمان

يُفترض هُنا أن تتحرّك ولكنهما يتلعثمان ، نستمع لصوت التبّاع ، لقطة للتبّاع يُنادي "حلوان" ويوسف وسارة في الخلفية ينظران إليه ، يكادُ يوسف يقولُ شيئاً ولكنه يتراجع ، تُنهِي سارة الصمت في النهاية

سارة : على فكرة أنا بركب المترو كتير ، غالباً هيحصل ونتقابل هِنَاك تاني

تقولها سريعاً ثُمّ تتحرّك باتجاه الميكروباص ، يبتسم يوسف ، يُتابعها بنظره ، تجلس بجانب الشَّبَاك ، تُشير إليه بالسلام ويُشيرُ إليها كذلك ، ثُمَّ يبدأ في التحرُّك لخارج المَوْقَف

نهاية

08 سبتمبر 2009

زمن اللعب راح يا بكر



لم يتغيّر كثيراً ، فقط صارَ أبطأ .. يَتحرّك أَقل .. شُعَيرات بيضاء قد ملأت رأسه ، أشياء كهذه يفرضها الزمن ، إلاّ أن الحريف قد ظلّ حريفاً

عَرفته في منتصف التمانينات تقريباً ، كُنت حينها في السابعة عشر من عمري بينما كان هو في قرابة الثلاثين ، أتذكر كم كُنت مبهوراً به حينَ شاهدته يلعب الكرة الشراب لأول مرّة في إحدى الدورات الرمضانية ، لم يمضِ الكثير من الوقت قبل أن أبدأ في الصراخ مع الصارخين "العب يا حرّيف" ، كُنا نطلق عليه بيننا كونه "خطيب" الكرة الشراب ، لم أصدق حينما جالسته بعدها بأيام لألاعبه "طاولة" على المقهى ، عرفني عليه جودة .. حارس مرمى فريقه في الدورة والذي يكبرني بعدّة سنوات ، قُلت له مباشرة "عايز ألعب معاك في الفرقة يا كابتن" .. رشف من شايه ثم نظر إلى رزق "إيه رأيك يا رزق ؟؟" .. أجابه " شكله لسه عضمة طَرِي ومينفعش معانا ، بس الرأي رأيك والفرقة فرقتك يا حَرّيف" .. ارتشف من شايه ثانيةً ونظر إليّ لثواني ورمى الزّهر "الواد مخلوف اتخبط خبطة جامدة في ماتش إمبارح ولازم يستريح ، أنا بقول نجربه مكان مخلوف الماتش الجاي"

لِحُسنِ الحظ أنني كُنت جيداً في لعب الطاولة أكثر حتى من إجادتي في لعب الكرة الشراب ، أخبرني بعدها أنه قد وافق لذلك "شوف ، أي حد بيلعب طاولة كويس لازم يبقى بيلعب كورة كويس"

كابتن فارس كان يلعب الكرة أفضل مما يلعب الطاولة ، بقامته القصيرة .. وكرشه الصغير .. وهيئته غير المتناسقة ، أذكر حين شاهدت مارادونا لأول مرة أثناء كاس عالم 86 أقسمت لكل من لم يعرفه أنه يشبه كابتن فارس ، نفس جسده الذي لا يوحي بلاعب كرة .. ونفس الحرفنة التي لم أرَ مثلها ، كابتن فارس حين يلعب .. كُانت تضج الساحة بالتّشجيع ، حتى هؤلاء من فوق الكباري .. الأتوبيسات تتوقف قبل المارة والمارة لا تتوقف حناجرهم عن الصراخ

حينَ لعبتُ بجانبه لأول مرة كنت أشعر وكأنني في الإستاد فعلاً ، كُنت مبهوراً وكثيراً ما نسيت أنني ألعب وتوقفتُ لمشاهدته ، انتهت المباراة يومها 4-1 وأحرز هو "هاتريك"، اقترب مني بعد نهايتها قائلاً "انتَ بتنهج بسرعة" ثُم وضع يده على كتفي "بس بتلعب بدماغك حلو ، جهّز نفسك عشان الماتش الجاي صعب" ، من يومها توطدت علاقتي معه

أذكر أن أول "فلوس" أكسبها في حياتي كانت بفضل الكابتن فارس ، يوم أن فُزنا بتلك الدورة الرمضانية ، أَعْطَى كُلًّ من لاعبي الفرقة ثلاث جنيهات رغم معارضة رزق ، حتى مخلوف الذي لم يلعب أغلب مباريات الدورة لم ينسه

كابتن فارس أحرف في الكرة مما هو في الطاولة ، وأحرف في الحياة بما هو أكثر حتى من حرفنته في الكرة

في تلك الفترة كنت لا أزال في "ثانوي صنايع" ، وبعد أن أصبحتُ لاعباً دائماً في فرقته لم أعد مهتماً بالدراسة أصلاً ، سَقَطتُ سنتها وطردني والدي ، لم أفكر حينها إلا في الكابتن فارس ، استضافني لأربعة أيام وفي اليوم الخامس تَغدينا معاً عند الحاتي ، بعد أن انتهينا قال لي "شوف ، أنا محبش يلعب معايا إلا الرجالة ، واللي انتَ بتعمله ده حركات عيال متنفعنيش ، مش هتنزل معايا ماتشات تاني لحد تسترجل في دراستك" ثم وهو لا يزال ينظر في عيني "ميّة يا رفاعي" ثم أكمل "متبقاش عبيط ، الكورة مش هتبقالك ، زمن اللعب هيروح ووقت الجد الدنيا مش هترحمك"

نجحتُ وقتها فقط من أجل أن أعود للعب معه ، وإن كنت تذكرته كثيراً بعدها بسنوات حينَ "راح" زمن اللعب

بعد ذلك بشهور سافر كابتن فارس ، لن أنسى أبداً مباراته الأخيرة في الساحة ، لن ينساها أيًّ ممن حضرها ، عرفنا بعد ذلك أنها كانت مباراة اعتزاله ، سافَر حتى دون وداع ولم أعلم ذلك إلا حين سألت ابنه بكر ، لم أعرف الكثير عنه بعد ذلك ، فقط خطاب شهري ظل يُرسله إلى الكابتن مورو الذي يُدين له بالكثير ، قيلَ أنه انتقل للسكن في المهندسين وأنه عَمَل في تهريب السيارات ، قيلَ أنه قُبِضَ عليه في إحدى المرات وسُجِن لثلاثِ سنوات ، سمعتُ أنه سافر للعمل في الخليج في بداية التسعينات ، إلا أنني لم أصل لشيء مؤكد ومع الوقت لم أعد أسأل ولم يعد أحد يعرف الإجابة ، خصوصاً بعد أن توفى الكابتن مورو ، بكيتُ كثيراً عند وفاة الكابتن مورو وبكيتُ أكثر عندما توقف فارس عن خطابه الشهري ، المؤكد الوحيد الذي أعرفه هو أن ساءت أموره وساءت أموري كذلك !

لم يمضِ على موت الكابتن مورو شهران .. بل أقل من شهرين .. مرّ عشرون عاماً ، أنهيتُ الدراسة ، تزوجت ، أنجبت ، أسمَيتُ ابني فارساً ، ظللت سنوات لا ألعب الكرة إلا في فترات طويلة متباعدة أحنُّ فيها لزمن اللعب

*****

بالأمس ، نمتُ لساعتين بعد الإفطار ، ونزلتُ بعدها إلى "مركز شباب الجزيرة" القريب من بيتي حيثُ تقام دورة رمضانية ، أشارك لدقائق قليلة ، لم أعد أقوى على الجري وصرت "أَنْهَج" أسرع كثيراً من ذي قبل ، لذلك أقضي أغلب الوقت في المُشَاهَدة

بالأمسِ شاهدتُ "كابتن فارس" يلعب من جديد وكأن العمر قد عاد للوراء ، ظللت لدقائق لا أصدق وأقترب لأنظر محاولاً التأكد .. "هوّ ولا مش هوّ .. هوّ ولا مش هوّ" ، استلم الكرة على صدره وشاطها من منتصف الملعب .. ضجت الساحة بالصراخ .. عُدت خمسة وعشرون عاماً للوراء حيثُ شاهدته لأول مرة صارخاً "العب يا حرّيف"