26 يناير 2012

عزيزي يوسف شاهين: الثورة مُستمرة


تقولُ الحِكاية ، التي عاصَرْتُ جانباً مِنها ، أن يوسف شاهين ، أثناء إحدى ذروات الحراك السياسي في مصر ، مع اعتصام القُضاة من أجل استقلالهم عام 2006 ، قد اقترح ، مُتحَمساً ، أن يحمل المُعتصمون والمُتظاهرون في قادِم المُواجهات عُصياً وشوماً ، من أجلِ مُواجهة قوات الأمن والبلطجية ، والدِّفاع عن أنفسهم في مواجهة الوحشية المُفرطة التي يتم بها فض اعتصام أو تفريق مُظاهرة .

لَمْ يُلقَ اقتراحه وقتها بجديّة ، وفُضّ الاعتصام سريعاً ، وقُبِضَ على عشرات من النُّشطاء الذين شاركوا فيه تضامناً مع المَطالب المشروعه للقُضاة ، فقرر شاهين أن يبدأ في فيلمه الجديد "نهاية نِظام" ، الذي تحوّل بعد ذلك إلى "هي فوضى" ، مُحققاً صورة مُتخيَّلة لفكرته العظيمة في آخر مشهد أخرجه في حياته: آلاف المواطنين يحاصرون القسم ، ويَشْتَبكون مع الشرطة ، ويُسقطون النِظام ، ذات الصورة التي تحقَّقت على أرضِ الواقع يوم 28 يناير ، بعد أن صارت ثورة ، يخرج فيها الملايين إلى الشارع ، وهُم شَعباً يُريد إسقاط النظام .

ولَم يَكُن يوسف مَعهم ، لأنه قد مات ، أو صَعَد ، وفي صورة شاعرية كان يراهم ، وفي ما هُوَ أكثر: كان يَهْتِفُ وراءهم ، ويُمارس الثورة ، فِعل الإرادة والقوة والرفض والاختيار ، الذي دائماً ما عَكَسه في أفلامه ، مُتَمَنّياً أن يراه وَاقعاً .

تَصَوَّرت ، سُبحان الله ، أن محمد أبو سويلم وعبد الهادي ، بهيَّة وفاطمة ويوسف والشيخ أحمد ، إبراهيم المَدبولي ، وتفيدة بنت حسونة ، يحيى شُكري مُراد ، وشكري مُراد ، قد ساروا ، وثاروا ، فوق كوبري قَصر النيل يوم جمعة الغضب ، تصوَّرتهم ، وقد راح كُل مِنهم يَشِد على يد الآخر ، مُعزياً ، في الرَّجل الذي ، لفرطِ الثِقة ، قد جَعلهم يُغَنُّون "الشارع لِنا" ، وتركهم ، قبل أن يرى الشارع وقد صار لهم بالفعل .


(2)

هيَ مُصادفة ، حتماً ، ولكن لابُد وأن لها ، ككل شيء آخر ، معنى ، في أن يكون ميلاد يوسف شاهين في الخامِس والعشرين من يناير .

كُنت أكتُب ، قبل عام ، في ظهر 25 يناير 2011 ، أن عين يوسف كانت تَعكس دائماً صورة مُثلى لبلادٍ أحببتها ، تفسح للحلمِ مجالاً كي يتحقق ، وتقفُ مع الثورة إن حدثت ، بل صار الأمر ، لفرطِ الشبة ، أن تتبعه مسيرته ، هُو تتبع لمصر ذاتها ، التي كانت ، في سنينها الأخيرة ، تَكْبُر وتَشِيخ وتَعْتَل ، ومِثلها كان .. يَكْبُر ويَشِيخ ويَعْتَل ، يَنْحَدِر هُو بمسيرةٍ سينمائية ، وتنحدر هيَ بكُل شيء آخر .

ثم كان ما حدث في الخامس والعشرين من يناير ، نَزَلتُ إلى الميدان ، ووجدته مُمتلئاً ، نَوَيْنَا الاعتصام ، فَفَرَّقونا ، ورَحَلنا ، بنيّة العودة إلى تِلكَ الأرض من جديد ، وحَدَث ، فقُمنا بثورة ، وأسقطنا نِظاماً ، ولم أستطع ، طوال الوقت ، مُراوضه أن كُل هذا قد بدأ يومها ، وأن ذكرى الميلاد قد صارت واحدة: الثورة ويوسف .


(3)

لم أكْتُب عنه بالأمس لأنّي كُنت هُناك ، وتمنَّيتُ أن يكون هُو أيضاً كذلك ، وفي لحظةٍ ، تخيَّلت ، لا أنّني أكتب عَنه ، ولكن أكتب له:

تَعلَمُ كُل ما حَدث ، وأنه مَرّ على مصر نهاراً كالثامن والعشرين من يناير ، لن تعود بعده إلى سابِق ما كانت عليه .

أنه كان هُناكَ شعباً ، وخفافيش سوداء ، وأننا انتصرنا ، ما ظنناه ، وقتها ، نصراً بيناً ، ونهاية للأمر ،بسقوطِ الوَحْش ، والوصول للأميرة .

ولكن ، لم تَسر الأمور على هذا النحو ، ووجدنا ، للعَجب ، أن ما فات كان أسهل ما في الأمر ، وأن الثورة لا تتوقف ، لأنه ما مِن نهاية ، كُلما تُسقط وَحْشَاً ، تُواجهك وُحوشاً ، وإذا كُنا قد تعلّمنا شيئاً ، بعد عام كامل ، فهو أن تِلك هي طبيعة الأمور ، وما من حَدٍّ سَيُعْلَن عنده انتصار الثورة ، ولذلك سَتَظُل مُستمرّة ، وسَنستمر معها ، لأن اليأس ، كما قال أمين ، خيانة للشهداء ، ولأننا يَنْبَغي أن نَفْرح ونَسُر ، كوننا قد عَرفنا الثورة وعشنا معها .

عزيزي يوسف شاهين: الثورة مُستمرة .