21 أبريل 2008

لحظة قمر


وعقلي .. هيفضل في الحارة الضيقة

والشمس .. في المعلقة
تنوَّر الشاي في الصباح

" ... فجأة ، رأيت القمر"

أغلب اللي يعرفوني – إن لم يكن كلهم – يعرفوا كويس اقتناعي التام بوجود صلة
روحية ما بيني وبين القمر

كتير كنت بفكر إن ده نوع من الخزعبلات الطفولية أو الأفكار الرومانسية أو علامات براءة – تسمى أحياناً سذاجة – أنا منتمي ليها .. ومكنش بيفرق معايا المبرر كتير ، بس الموضوع خد سند علمي وجدي – جنب إحساسي الشخصي – لما قريت من فترة في كتاب خاص بالأبراج إن البرج بتاعي – السرطان – هو أكتر الأبراج اتصالاً بالكون ومظاهره ، والقمر تحديداً بيتصل بيه البرج في مراحل نموُّه الشهرية .. يكون في أسوأ حالاته النفسية واتصاله الكوني وهو ( محاق ) مُعتم .. ويبدأ معاه في مراحله وصولاً للاكتمال الشهري ( القمري .. النفسي ) ..

أول مرة قريت الكلام ده ابتسمت من جوا ، عشان ببساطة مكنتش مستني أقرا ده عشان أصدق مضمونه ، أنا كنت مقتنع بده فعلاً ، لدرجة إني مرة – قبل ما أقرا الكلام ده – قلت لحد قريب مني "القمر بقاله شهور كريم معايا أوي ، بقيت حاسس إن اكتمالي الشخصي كبني آدم مرتبط باكتماله ، وكل مرة يكتمل بيكون معاه دهشة وبهجة وفرح وابتسامة داخلية بمبرر أو من غير"

الفرق بس لما قريت الكلام بتاع كتاب الأبراج إن بقى فيه سند منطقي – غير منتظر – لإحساسي – اللي كنت مصدقه تماماً - ، وزاد شعوري إن القمر ده بتاعي لوحدي وفرحتي باكتماله أكبر من فرحة أي حد في الدنيا ، مش بس لأي معنى فلسفي أو جمالي مرتبط بوجوده .. الأهم إن أنا بكون أحسن وأقوى .. بنوَّر من جوا ، وعشان هو بتاعي .. بيجيني إحساس إني عايز أشاور عليه لكل واحد ماشي في الشارع وأقوله : بص .. القمر كامل .. جاي بكل نوره .. بجد مش حلم

قد إيه بيكون مدهش لما فجأة أشوفه قدامي مكتمل ، ببقى مزقطط لدرجة إن نفسي أقول هيييه .. بيكون مفاجئ فعلاً رغم كونه اعتيادي ، إحساس عامل زي قناعتنا الرهيبة وإحنا أطفال إن سانتا كروز هيفتح علينا الباب ليلة راس السنة ويحطلنا هدية .. ورغم قناعة قدومة اليقينية .. قد إيه هنكون متفاجئين لو هديته جت ؟ ، هكذا هو القمر الكامل الذي رأيته .. فجأة

"
ولكنك بالتأكيد ستشعر بإحساسي وأنا أرى القمر فجأة في شريحة من شرائح القاهرة ، شريحة تسمح لك برؤية السماء ، رأيتُ القمر عجيباً جداً "

إحنا بننسى كتير وسط الضلمة والحزن إن عتمة القمر مش معناها اندثاره ، إن اختفاءه هنا ده جزء من دورته عشان يرجع قدامنا في كامل نوره .. يكتمل جزء ورا جزء .. حتة ورا حتة ..

جوا كل واحد فينا قمره
ساعات بيعتم .. بس لازم بيرجع ينوَّر .. يكتمل
ده جزء من دورة الحياة اللي لازم نكون فاهمينها ، عشان نقدر نعيشها صح

كتير جداً من اللي حواليا شايفني متفاءل زيادة عن اللزوم وإن ده ساعات بيكون مزعج ليهم – أو مستفز - ، بس ده مش حالة استثنائية ولا تصالح زيادة مع الدنيا ولا حتى فهم كامل لمعادلة القمر اللي قلتها في السطور اللي قبل كده .. مش عشان أي حاجة من دي بقدر أكون واقف ومتماسك .. مؤمن بالدنيا وناسها حتى لما بقع ، يمكن السبب إني بعرف أمسك بتلابيب فرحي كويس .. مش بنسى اللحظات الحلوة حتى لو بقت ماضي .. ببقى عارف إن بكرة جايب لحظات أحلى وبرضه هتبقى ماضي .. بس المهم ميتنسيش ، وإحنا مننساش استدارة القمر ونوره لحظة عتمته .. عشان تفضل قادر تحبه ومؤمن بيه

بس أنا كمان ساعات بنسى !

" كل مراكز عقولنا محملة فوق طاقتها بأكوامٍ من الأرقام والحسابات والديون والمطالب والاحتمالات ، المركز الواحد أمامه طابور أفكار برمته
نسينا القمر"

بقالي فترة – حتى مش قادر أحددها – مش مظبوط .. مش كويس

كل شوية الحياة تخبطني على دماغي في حاجة .. هوب أحاول أقوم .. طاخ أقع تاني

مضروب بأمين بحدَّاد بزيادة – لسبب غير مرتبط بالفترة غير المستقرة .. بس أكيد تواءم معاها -
أمين كان بيقول : وجراحي مبتزفش .. وأنا متشرَّح ، واللي بيفرَّحني .. مش بيفرَّح

عشان كده :
أنا سهران على سريري بعد الضهرية .. وروحي تحت مخدتي متنية

قعد يعيط من جوا قد إيه عشان يكتب إن روحه اتنت تحت مخدته ورغم إنه متشرَّح .. جراحه منزفتش ؟؟!

نسى القمر
نسينا القمر

" لا أحد بالظبط يعرف ماذا يحدث للإنسان حينما يتصل بالكون ، ولكن الذي لا شك فيه أن الإنسان ( الكوني ) أقوى بكثير من الإنسان بلا بعد كوني ، فالإنسان ذو البعد الكوني إنسان أقرب إلى حقيقته الإنسانية وطبعه البشري ، أقرب إلى فطرته وأصالته ، أقرب إلى جماله وإنسانيته "

بس لازم أرجع .. أفتكر ، أقول لنفسي بصوت عالي إني لسه مصدَّق كل حاجة .. لسه مصدق اللي حصل .. ومصدق اللي محصلش

كان منظر تحفة وأنا ببص إمبارح على نور الشمس الفضي قرب الغروب وهو بيحضن السحاب ، في البداية كان ( بيشققه ) عشان ياخد مساحته في الدنيا بس بعدها بقى بيحضنه والسحاب هو اللي بينسحب عشان يمد له طريق ، خيوط نور مكنتش كافية عشان تنوَّر الدنيا لإن غروب الشمس كان قرب .. بس كانت كافية إنها تخليني أبتسم من جوا – ومن برة – أوي وألمس الجمال بإديا .. جمال دنيا مبيدبلش ضيها ، حتى لو ضاعت منا - فيها - خيوط نور مهمة في حياتنا

قبلها كنت بتفرج على "إيترنال سانشاين أوف ذا سبوتليس مايند" مرة تالتة ، قصة الذكريات اللي ممكن في لحظة نقبل إننا نستغنى عنها لمجرد إن أصحابها – اللي شاركونا فيها – مبقوش موجودين .. بس بنكتشف إنها كانت أكبر – وأجمل – منهم ومنا .. إنها حاجة بقت موجودة جوا روحنا ، "إن سهل تمسح شخص من عقلك بس مستحيل تمحيه من قلبك" .. "إن ذكرياتنا بقت جزء مننا مينفعش نغيره .. عشان كان مرحلة في تكويننا"
.. وحتى لو أُتيح لينا فرصة محوها أو نسيانها .. هنرفض ونمسك فيها ، من فترة كنت مقتنع إن الذكرى بتفضل عظيمة لما طرفيها بيفضلوا شايلنها ولو سقطت من على كتف طرف هتسقط من كتف الطرف التاني ، دلوقتي قناعتي اتغيرت تماماً وبقيت مصدق إن ذكرياتنا اللي بنعيشها مع آخرين بقت نجوم منوَّرة جوا سرداب ذكرياتنا نبقى عبط لو فرطنا فيها .. لو فكرنا نمحيها ، يكفي عشان نفضل نحب ( الآخرين ) – وفي أحيان أخرى نموت فيهم - اللي شاركونا الذكريات إننا نفتكر قدر البهجة اللي سببوها لينا .. أو سببناها ليهم ، ورسمت ذكرياتنا المشتركة دي ، أنا إزاي مكنتش شايف قبل كده إن الفيلم ده عظيم ؟!

كانت صدفة إن كل ده يحصل في يوم واحد ؟؟

إمبارح كان يوم 14 في الشهر العربي

" ... وفجأة ، رأيت القمر"

" رفرفت في صدري أجنحة عصفور زقزق في قلبي كالزغرودة وهفهف بجناحيه مرحباً وكأن الأمر عيد يهش له

وبدا كما لو كنت أستعيد حياتي كلها في شريط سريع أمام القمر أو بالضبط أمام لحظة قمر "

كان بيقولي أنا لسه موجود ؟ أنا لسه جنبك ؟
ولا كان بيزغزغني عشان أضحك ؟؟
ولا كان بيأكد لي بس إن كل الحاجات اللي بتفرَّحني .. لسه بتفرَّح ؟؟

إزاي قدر يلعب في كل الحاجات اللي حصلت في يومي بالقدرية دي عشان يرد على الصوت اللي بيقول إن حاجات كتير بتموت في ليل الشتا .. بإن حاجات أكتر بترفض تموت ؟

إزاي مزعلش مني رغم إني كنت ناسيه ؟

إزاي قدر يفكرني بكل ذكرياتنا الشهور اللي فاتت سوا .. ومعانا أطراف تانية .. يروحوا وييجوا .. تغير فيهم الحياة أو يغيريوها .. بس الأكيد إني هفضل أحبهم وأشوفهم منورين طالما شاركوني ذكريات كاملة الجمال زي دي ، والمؤكد أكتر .. إن أنا وهو هنفضل ثابتين

وإزاي قدر يخلق ذكريات جديدة لا تقل تميُّزاً ؟؟

"وفجأة أيضاً ، ضاع القمر"

عشان مش شرط كل حاجة حلوة بتفضل موجودة

"أصبح لا معنى أن تنظر للسماء إذ لا سماء هناك"

بس يكفي إنك عشت اللحظات الحلوة
يكفي إنها هتفضل محفورة جواك

يكفي إن الدنيا بتاخد مننا .. بس بتفضل دايماً قادرة تفرحنا وتدينا وتفاجئنا

يكفي إننا نفتكر القمر .. المعتم الذي يكتمل – مع الوقت - نوره ويصل إلى كامل استدارته ، وكلما يموت .. يولد من جديد

يكفي إني – في اللحظة دي – مبتسم
مش شرط مبسوط بس متصالح مع كل حاجة فعلاً
وحاسس كل حاجة متصالحة معايا
وإن الدنيا – رغم خبطتها المتتالية – لسه بتحدف بلالين فرح تنوَّر في الربيع
ولسه بتعرف تدلَّع عليا وتصالحني وتديني لحظات لا تنسى .. لحظات قمر

"فجأة ، رأيتُ القمر ..

ولحظة واحدة عشتها معه

وفجأة ضاع القمر وضاع بصري بحثاً عن موطن قدم

ولكن قلبي لا يزال يرفرف بالسعادة ، إذ يكفي أني ، بعتني ، رأيتُ القمر"

أمين كان بيقول :

كداب اللي يقولك إن العادي عياط
والدخنة الليلية مالية الدنيا شياط
وتخلي عنيك بتبظ
كداب اللي يقولك قش الرز
كداب اللي يقولك ورد النيل
كداب اللي يقولك مات قنديل
وإن الحب قليل
وإن القبح جميل
وإن ميزان الدنيا يميل
ويطبب أحزانك
كل ده كدب في كدب
الناس قدامك
ماشية وفاردة ضهورها
جاية بزهدها وفجورها
من أيامها لأيامك
للأيام الجاية

===

ملحوظة : الكلام بالأخضر من قصة ليوسف إدريس بنفس عنوان البوست

مفترق الطرق