عام 1967 قدم المخرج الناشيء مارتن سكورسيزي عملاً قصيراً في خمس دقائق ونصف يسمى ذا بيج شاف لم ينتشر على مستوى واسع وقتها .. وحتى أمس فقط لم أكن قد شاهدته أو سمعت عنه .. لولا صديق عزيز أشار عليَّ به أثناء حديث متسع عن سينما مارتن سكورسيزي ومشروعه عن أمريكا ..
إعجابي بهذا العمل - انبهاري بمعنى أصح - تجاوز بالفعل الجانب الفني والتقني به والذي رأيت به الشرارة الأولى لبعض من الأساليب التي رسخها سكورسيزي في سينماه بعد ذلك - شاهد هذا الولاء الجم للتفاصيل البسيطة الموجودة في مشهد وديكور واحد لا يوجد به شيء يثير العين تقريباً إلا أن سكورسيزي يعطيه منحنى مختلف تماماً .. شاهد زاوية التصوير التي قدم بها أول لقطات العمل وتذكر كم مرة شاهدتها في شوارع وضيعة أو تاكسي درايفر أو الثور الهائج أو الطيار .. شاهد أسلوب القطع على متناثرات الحمام في بداية هذا العمل ومثيله تماماً في المشهد الأخير من الثور الهائج لكن على غرفة لاموتا هذه المرة .. شاهد طريقة التقاط الكاميرا للرجل بأكثر من موضوع ومثيلها في الطيار بمشاهد الحمام تحديداً .. شاهد حتى اضطراب المشهد ككل اللي بيفكرنا تلقائياً بمشهد "أتتحدث إلي" في تاكسي درايفر " - وبالرغم من عظيمة كل هذا إلا أن ما بهرني أبعد من ذلك ..
العمل بسيط للغاية .. ولكنه يقدم رؤية مبدئية ومبسطة لأمريكا من وجهه نظر سكورسيزي .. نفس تلك الرؤية التي رسخها بعد ذلك على مدار أربع عقود بعدة أفلام تستحق بلا أي مبالغة كلمة ( تحف ) ..
صدور الفيلم بعد الحرب الأمريكية على فيتنام لا يجعله فقط منوطاً بذلك ، هو مرتبط بأمريكا كل وقت وعقد .. هل هناك فرق لو قدم هذا العمل نفسه بعد حرب الخليخ أو حرب العراق أو أفغانستان ؟؟ ، الأمر واحد : في ذروة هذا التجمل الذي تتجمله أمريكا أمام العالم .. أو في ذروة رغبتها في أن تجعل كل شيء متكاملاً كما تبغاه تقوم ( بتجريح ) نفسها وتجريع العالم كذلك بالكثير والكثير من الدماء والعنف والحروب والدمار .. مع وجود آلية إعلامية - مياة الحوض - تقوم بتغطية تلك الدماء ولكن الأمر يزداد عن الحد ويتطور مع الوقت حتى تعجز الأدوات الإعلامية تلك/مياة الحوض في السيطرة على الوضع ، تغرق الدماء الأرضية وبقية الحوض .. وجه الرجل/أمريكا .. وكامل جسده ، وهو في كل ذلك لا يشعر أبداً بشيء خارق قد اقترفه في حق نفسه أو في حق الإنسانية بشكل عام .. فالأمر مجرد حلاقة ذقن تجميلية ولكنها مبالغة بعض الشيء !!
تلك الرؤية - العبقرية في نظري - التي قدمها الشاب ذو الخامسة والعشرون عاماً في ذلك الوقت مارتن سكورسيزي ، هي نفسها التي طبعت كافة أفلام المسيرة .. وكونت بدورها رؤية متسعة لما يوضع تحت عنوان عريض :
America Was Born In The Streets*
باختصار شديد :
لقد بدأ المشروع
أبكر كثيراً مما توقعت !!
---
ملحوظة 1 : حينما شاهدت هذا العمل بالأمس وانتويت طرحه بالمدونة لم ألحظ أن اليوم - 17 نوفمبر - وهو عيد الميلاد الخامس والستين لمارتن سكورسيزي .. كل سنة وانتَ طيب يا مارتي :)
ملحوظة 2 : الفيلم قد يكون عنيف بالنسبة للبعض لاحتواءه على الكثير من مشاهد الدماء .. بس بلاش دلع والنبي عشان الفيلم جميل :)
ملحوظة 3 : شكر واسع بطول الطريق الواصل بين مصر وإسكندرية للأخوين جودة - أحمد ومحمود - فلولاهما لم أكن قد شاهدت العمل بعد .. بل أن جزء من تحليلي الشخصي للعمل نتج عن نقاش معهم عنه .. شكراً يا رجالة :)
---
* The Gangs of New York Tagline
هناك 9 تعليقات:
لا خلاف على ان سكورسزي مبدع و عبقري زمانه في الاخراج
مش عارفة هل ده تاثير ان له اصول ايطاليه و بالتالي الاحساس الفني الايطالي العالي صابغ عليه و بكثرة في كل زوايا اعماله بدون استثناء
و مع اني مش من معتنقي نظرية المؤامرة بس بسبب ابداعه و رؤياه لامريكا كبلد و كسياسة هو
ه اللي خلاه ميخدش
اوسكار غير متاخر جدا جدا جدا
للاسف مش قادرة اشوف الكليب اللي انت ناشره لبطء النت اللي بستخدمه
لكن فلم عصابات نيويورك بالرغم انه يحمل الكثير من الدموية التي لا اتحمل نفقات مشاهدتها بدون الشعور بالتعب الا اني شفت الفلم في السنما 3 مرات و لما نزلوه دي في دي اشتريته طوالي
فلم عبقري و بيحكيلك قصة امريكا الحقيقية و بالمفتشر
صراعات المرجعيات الدينية
تداخلات السياسة و كيفية سيرها من وقت زمن الفلم و الى يومنا هذا لم تتغير و لن تتغير
فلم يكشف ان امريكا و الحلم الامريكي ما هم الا اضغاث احلام منبثقة من شطارة ساحر و لص و قاطع طريق و قاتل و مومس طاهرة
فالطبيعي ان متعة المشاهدة مضمونة اضف الى كل هذا ابداع مارتن الفطري و عبقريته في التصوير و لمساته السحرية
اكاد اعتقد انه ولي من اولياء الله وليس بالضروري ان يكون صالحا 100%
:D
تحياتي و دمت مبدعا محللا ناقدا عشان تمتعنا احنا بكلامك
شفت الطمع
اسفه للتطفل على غير موضوع المقال
الرجاء زيارة الرابط الموجود لعل و عسى
http://elnaswiel3alam.blogspot.com/2007/11/blog-post_17.html
شكرا
أنا عارف إن إنت من مجانين سكورسيزي لدرجة إنه لما فاز بالأوسكار فكرت أكلمك أباركلك
يمكن أنا شايفه عبقري بس مش لدرجة إني أكون من مجانينه أنا بحب فرانسيس فورد كوبولا أكتر مش عارف ليه
لكن بصراحة هو ليه أعمال أيقونية
يمكن باتنح قدام أفلامه أحيانا و تيجي الجملة اللي بتحيرني هو عمل ده إزاي
يعني
gangs of New York
Raging bull
Goodfellas
أعمال عبقرية
ليه يا راجل تقلب علينا المواجع
اصل انا برده كل لما بحلق دقنى بتعور
:D
ارحم نفسك يا واد
يوسف شاهين ونجيب محفوظ وادريس قولنا ماشى
وسكورسيزى كمان
دانت مثقف بقى
:)
.. وأشكرك بدوري أيضاً على الفيلم، والشكر موصول لأصدقائك الذي دلوكِ على الفيلم
تحليلك للفيلم رائع ويستحق التنويه
شكراً كبيرة
حفصة
ربنا يخليكي مبدئياً :)
بخصوص الأوسكار .. ففي أكتر من سبب لعدم حصول سكورسيزي عليها ، من ضمنها فعلاً رؤيته الحادة لأمريكا وتاريخها - نفس مشكلة ستانلي كوبريك مثلاً - .. من ضمنها كذلك إن أفلامه الأعظم - تاكسي درايفر والثور الهائج ورفقة طيبون تحديداً - أثرها وأهميتها وتقديرها ظهر بعد انتاجها بفترة ، نالت قبول نقدي وقتها لكن اللي أقصده إن الدوي اللي أحدثته واعتبارها من أعظم ما قدمت السينما تم بعد ذلك ، الثور الهائج مثلاً ظهرت قيمته الحقيقية وتقديره الفعلي بعد انتاجه بعشر سنوات حينما اعتبر أعظم أفلام الثمانينيات ، يضاف إلى ذلك قوة المنافسة ذاتها خلال خمس أعوام نافس فيها سكورسيزي بقوة وواجه أعمال كروكي والرقص مع الذئاب ومليون دولار بابي وعازف البيانو
عموماً إشكالية الأوسكار معقدة جداً ، بس مجملاً على حد تعبير صديق عزيز .. هو تكريم وليس تعيين ، فمكانه سكورسيزي كواحد من أساطير السينما موجودة .. سواء جاء أوسكاره الأول بعد عمر الأربعة وستين أو لم يأتِ مطلقاً ..
أنا كمان من مهاويس عصابات نيويورك وبالرغم من وجود أخطاء بالعمل .. وبالرغم من أنه ليس أفضل أعماله فهو أكتر عمل شفته ليه تقريباً ، ومجملاً هو فيلمي المفضل له خلال العشرين سنة الأخيرة - منذ الثور الهائج تحديداً -
طالما انتِ كمان من محبي العمل
ممكن تقري المقالة دي
http://www.cinemac.net/forum/showthread.php?t=493992
بس عشان نبقى على نور هي طويلة بشكل قد يكون مزعج للبعض :)
---
قريت المقالة بتاعتك والميزة الأهم إنها خلتني أقرا عن الموضوع بتركيز أكبر بدل المتناثرات البسيطة اللي قرأتها عنه قبل كده
وبصرف النظر عن اتفاقي أو اختلافي مع طرحك فرؤيتك ليها كل الاحترام بالتأكيد
كنت بكتب رد عندك مخالف للمقال وأغلب الردود اللي جت عليه ومخدتش بالي إن النت فصل فلما بعت حصل أكتر حاجة مبحبهاش في الوسط الإلكتروني والرد اتلغى :)
عموماً أوعدك إني آجي أختلف معاكِ قريب بس مش دلوقتي عشان كتابة الكلام مرة تانية أصعب بكتير من كتابته أول مرة ..
---
ميرسي جداً يا حفصة على كومينتك وعلى كلامك بشكل عام
يحيى
من فترة كنت بكتب بوست مكتملش عن لحظات بحس فيها بالانتصار ، كان بيحوي حاجات زي جون أبو تريكة في الصفاقسي وتكريم شاهين في كان والإسماعيلي لما يمرمط الأهلي ومحمد منير لما يقف على المسرح قدام تلاتين ألف بني آدم جايين يسمعوه .. إلخ
بس أول حاجة حطتها فعلاً كانت لقطة سكورسيزي وهو بيستلم الأوسكار من رفاق الرحلة وكل الناس داخل وخارج مسرح كوداك واقفة بتسقف - منهم أنا في بيتنا :) - ، تبدو لي - بشكل شخصي - لحظة انتصار إنسانية مذهلة بتفرحني بطفولية كل مرة أشوفها
الجنون بمخرج معين في نظري ليه علاقة بحاجات كتير غير مستوى أفلامه ، سكورسيزي بيمثلي شخصياً هوس سينمائي .. وارتباطي بمشروعه عن أمريكا .. وعن بشر بيدوروا عن نفسهم لم أجده في أي مخرج آخر - في أمريكا وليس خارجها - ، وإن كان الوصول معاك لنقطة إن سكورسيزي عبقري مرضية جداً بالنسبة لي حتى لو مكنش الأول بالنسبة لك
----
Cognition-sense
والله يا بنتي الموضوع مكنش مقصود :)
في المدونة دي تحديداً مكتبتش أي حاجة مرتب لها ، الكتابة عن فيلم تارنتينو مثلاً جت لإني حسيت إني عايز أكتب وأقول حاجة عنه بعد تاني مشاهدة .. وده في الساعة اللي بعدها بدون أي تأجيل أو ترتيب ويمكن لو كنت أجلت كنت كسلت زي مواضيع كتير ، فيلم سكورسيزي شفته الفجر وقررت إني أنزله .. نمت والصبح افتكرت إنه عيد ميلاد سكورسيزي كمان فحسيت إنه قدر بقى :) فكتبت البوست ده
بيج شاف بالمناسبة من أكتر أفلامه دموية بالرغم إنه قصير جداً بس عنيف ، عشان كده كتبت تحذير وإن كنت أتمنى تكوني شفتيه لإنه فعلاً فيلم مهم
نورتي وتحياتي ليكِ أكيد
مصطفى
لو أكتر من 75 قرش الفرق يبقى من جيبك يا خفيف
عموماً كنت جاي أقول إني مش هرد عليك
---
Gaza
سعيد باكتشاف مدونة حضرتك
عفواً أكبر :)
www.goonflash.com
the best flash games on out site
إرسال تعليق