09 سبتمبر 2013

مشروع ليلى.. نوح يُبحر بسفينته وحيداً


أو: "مثل سيرة ذاتية للتلات سنين اللي فاتوا في حياتي"



بين الإسطوانة الأولى التي صدرت لفريق «مشروع ليلى» عام 2010، وحملت اسم «مشروع ليلى»، وبين إسطوانتهم الأخيرة «رَقّصوك»، التي طُرِحَت قبل عدة أيام، فكرة واضحة ومُستمرة عن «الخلاص الفردي» من هلاك المُجتمع، كمثلِ فرارِ نَبي من قومِه، والنجاة بذاته في البريَّة، بعيداً عن القريةِ الظالمِ أهلها.

ولكن ما يبدو للوهلةِ الأولى من تشابه في النتيجة النهائية، شعور الوحشة والغربة بداخل الوَطَن، ومُحاولة النجاة بشكل فردي، يُظْهِر من وراءه، وبشكلٍ واضح، خلافاً جوهرياً في «المَزاج العام» الذي يَقف وراء الأغاني، ثم، وفي نُقطةٍ أعمق، يحمل «الخلاص» نفسه معنى متبايناً في المرتين.

في 2010، كانت «الطاقة» التي تحرك أفراد الفريق، وفي تِسع أغانٍ ضمها عملهم الأول، هي الغَضَب والضَّجَر، العالم وقتها، وعالمنا تحديداً، كان في دائرة مُغلقة، تدور وتدور دون انقطاع، «صرنا خمسين سنة من حارب
/الحرب نفسها.. ما مننسى»، هذا الشعور بالثبات وعدم الحَركة وَلد الضَّجَر: «كأني عارف المكان/وشكلي ملخبط بالزمان» وتبعه الغضب من كل شيء: «قرفنا الدَّيْن/تعبنا الذّل/شتقنا الجوع/شبعنا من الخرى»، ليكون الألبوم هو نتاج كل هذا، انقلاب لاذع على كل ما يتم التعامل معه، وفي أغلب الأحيان، باعتباره من المُسلَّمات، ما يَطال الحَرب والشوفينية والموسيقى والقِيَم السَّطحية للمجتمع، في مُقابل انتصار كامل للفرد، المواطن في مواجهة الوطن، والأقلية في مُقابل الجماعة، الحُب المِثلي في «شِم الياسمين» أو اختلاف الدّين والفوارق الاجتماعية في «فساتين» أو هجائية الفقر والقهر في «إم بمبليلح» وقصة العم «بو مسعود».

مع نهاية الألبوم، يبدو أحد المُقترحات الوَجيهة لـ«خلاصٍ فَردي» هو الهجرة، «جاي عَ بالي سفر
/لحالي أهاجر/غيّر لون شعري/زبط مكياجي/خبي باسبوري/وحدي»، لا مَعنى أن تنظر إلى السماء، إذ لا سماء هُناك. ولا يوجد هُنا، في 2010 وفي الألبوم الأول، شعور بالانتماء أو أي عاطفة تجاه الأرض أو الوَطَن، فقط الكثير من الغضب الذي يَدفع صاحبه للذهابِ بعيداً، خصوصاً مع الإيمان بأن شيئاً لن يتغيَّر، فقد «وعدتيني بشي ثورة/كيف نسيتي.. كيف نسيتيني؟»، ولم تَحدث أي ثورة، وفي 2010 لم يكن من المنتظر أن تحدث.

ولكن ما جَرى بعد ذلك كان أن بائعاً مُتجوُّلاً في إحدى الأحياء التونسية الفقيرة أشعل النَّار في نَفسه، وما ظُنّ في البداية أنه حادثة صَغيرة غير مُهمة، لن يُفرد لها أكثر من عمودٍ صغيرٍ للتندُّر بأحد الجرائد، كان الجَمرة التي بدأت الحِراك الشَّعبي الأهم في تاريخ المنطقة، من حيّ إلى حيّ، ومن ولايةٍ تونسية إلى أخرى، قبل أن تُصبح «الثورة» مُنتجاً صالحاً للتصدير الخارجي، من تونس إلى مصر، ومن مِصر إلى عدةٍ بلدانٍ بالتوازي، كل شيء وقتها صار مُحتملاً، ودائرة العالم، عالمنا، قد انفتحت أخيراً، وعن آخرها، ليصير كل شيء قابلاً للتغيُّر.

ما جَرى في ذلك الشتاء العربي، مَطلع 2011، دَفع بوصلة «المَزاج العام» للتغيُّر بشكلٍ جذري، إعادة تعارف واسعة النّطاق بين الناسِ وأوطانهم، وبين النَّاس وأنفسهم، ومن رَوحِ ذلك أنتج الفريق أغنية مُنفردة مُهداه إلى «جيلِ الثورة» تحمل اسم «غداً يومٌ أفضل»، ككلِ ما يُمكن أن يُتاح من أمل، قبل أن يتبعها باسطوانته الثانية «الحل الرومانسي».

لم يتخلَّ الفريق عن سُخريته اللاذعة، أو مُحاولة تَفكيك المُتَّفق عليه مُجتمعياً، ولكن في تِلكَ المرَّة، منتصف 2011، بدا أن هناك «انتماء» ما لوَطنٍ يُتيح احتمالات عدَّة، كأن «يتزوّج المرء ويقرأ أنجلز في سريرِ زوجته» مثلاً، الفريق هنا يَعود للأرضِ التي قرّر هُجرانها في نهاية ألبومه السابق، وبدا أن أعضاءه، في عودتهم تِلك، يَبتسمون بخجلٍ بأن ذلك «حل رومانسي بس مش غَلَط»، حَل جماعي يأخذ مكاناً عوضاً عن الخلاص الفردي، وبشكلٍ واضح «قوم نِحرق هـَ المَدينة
/ونعمّر واحدة أشرف/قوم ننسى هَـ الزمان/ونِحلم بزمن ألطف» كما قالوا، وردَّد الآلاف خلفهم.

السنتين الفارقتين بين إسطوانة «الحل رومانسي»، والعمل الأخير «رَقَّصُوك» كانوا مساحة مُتسعة لانهيار الأحلام العظيمة، كل الآمال التي عُقِدَت حول الثورات العربية، واليَقِين المُلِح بضرورة تغيير العالم، ارتدوا عَلْقَماً، كأن الدائرة التي انفرجت في 2011 عادَت، بصورةٍ خاطفة، لانغلاقها من جديد، ومن جديد صارت تدور وتدور.

قبل عامين كان الجميع مُوقناً من الانتصار، لذلك فـ «رَقَّصوك» هو خلاصة خَيْبَات الأمل المتتالية، وهُنا يبرز الفارق الأهم بينه وبين «مشروع ليلى» في 2010، العمل الأول كان هجائية حادة، العمل الأخير هو مرثيَّة حَزينة، الأول لم تُرَ فيه السماء، الأخير هو عن سماء كانت واضحة ثم حُجِبَت، الأول لرُوحٍ لم يمسسها الحُلم، الأخير عن رُوحٍ خذلتها كل الأحلام، وبينهم.. هناك حكاية مُكْتَمِلَة عن ثلاثِ سنوات من حياةِ «جيل الثورة»، في خَيطٍ مَوصول لا يَنْقَطِع.

في كافة أغنيات «رَقَّصوك» هناكَ شعور جارِف بالهَزيمة، الألبوم يبدو كتجربة مُكتملة، مُعبرة تماماً عن اللحظة الراهنة، كل أغنية فيه هي جزء مُتَّصل بالآخر، في أغنية «بَحر»،التي تَرد في الخَتام، يسرد الفريق حكاية غامضة عن الأخ الذي «رأي السّر
/كان هَيْبُوح» قبل أن يَموت «أخويّ جوا الموج عَم بينوح» في تواطئ كامل من الجميع «والصيادين غافلين، خامدين، نائمين»، هل من المُمكن مُراوغة صورة الثلاث سنوات الماضية و«الأخوة» الذين ذهبنا معهم إلى البحربـ«حلٍ رومانسي» ولكنه «دَبّغ الموج بدمهم»؟

لذلك فإن الصُّمود الذي يَظهر أحياناً في الألبوم، أغنية «ونعيد» مثالاً، يظهر «بلا يأس ولا أمل»، مُواجهة مُستمرَّة، دون نهاية، لا تحمل يقيناً بيومٍ أفضل أو سّذاجة حل رومانسي، هو صمود من لا خيار له، ويُحاول فقط أن يُذكر من حوله بأن هناك خيارات أخرى مُتاحة لهم: «فينا نُرفض ناكل بعض
/فينا نقاوم/فينا نحلق فينا نِطير»، مُحاولة حقيقية للارتكاز على القيم التي حرَّكت الثورة، والتذكير من جديد «إذا منحمل الشتا المصير رح ييجي رَبيع».

مُحاولة استمالة وتذكرة الأطراف المُحايدة في «ونعيد»، تُصبح هجاءً صاخباً في «رقَّصوك»، تبدو الأغنيَّة صورة مُعاصرة لبطلِ رواية «جورج أورويل» الشهيرة «1984»، حيثُ، في الرواية، يُقال له أثناء تعذيبه بواسطة الحزب الفاشي أن الأمر لا يتعلق باعترافاته أو حياته كلها، ولكن بضرورة أن «يكون جزءاً من الكُل»، أن تُكسر إرادته، ويُصبح مؤمناً فعلاً بمبادئ وأفكار الحزب، وبعدها لن يُصبح له قِيمة، وفي كل المُجتمعات المُختلة يبدو همَّاً أساسياً عند الحاكم أن يصير المحكومون، جميعاً، على صورةٍ واحدة، وهو ما يحدث، تماماً، في الأغنية: «طاردوك وهذبوك.. ركَّعوك ودربوك
/تتحرك زيهم» «بالإيقاعِ استعبدوك.. برمجوك وعلموك/كيف ترقص زيهم»، ولا تداري الأغنية وَطأة الخذلان: «كان فيه خيار وانتَ رقصت/كنا أحرار وانتَ رقصت».

مع أغنية «للوطن»، تصبح الصورة أوضح دون أي إضافات: «وبس تتجرأ بسؤال عن تدهور الأحوال
/بيسكتوك بشعارات عن كل المؤامرات»، الدائرة عادت مُكتملة، كأن شيئاً لم يحدث، «خونوك القطيع كل ما طالبت بتغيير الوطن/يأسوك حتى تبيع حرياتك لما يضيع الوطن»، وهم في النهاية يريدون سَحق هويتك الذاتية، كمثلِ بطل «1984»، أن تصير «جزءاً مشابهاً للكل»، أو كما يقولون للمُغني في آخر غنوته: «تعا رقصني شوي»، كي يعلموه «كيف يرقص زيهم».

ووسط مَرثيات مُختلفة أكثر خصوصية وفردية، في «عبده» و«ما تتركني هيك» و«على بابه» و«بيشوف»، لا تخلو أغنية واحدة من الشعور بالهزيمة والثُّقل، وحين يَصِل الألبوم إلى أغنيته «تاكسي»، يَطرح الفريق «حلاً جديداً»، يُعلي من قيمة «الخلاص الفردي» مرة أخرى، وإن كان بصورةٍ مُختلفة تماماً عما كان عليه الوضع قبل ثلاث سنوات.

وسط هذا الجنون اليومي الذي يَعيشُ فيه العالم، عالمنا، يبدو الثبات على المواقف الصحيحة، والتي تكون هي الخيارات الأصعب في أغلبِ الأحيان، هو الحل الوحيد، ذلك هو ما يَخرج به الفريق من مُجملِ التجربة والسنوات الثلاث، ويتجلَّى تماماً في «تاكسي»، بدءً من صعوبة كل ما يحدث حولنا: «الطريق صعب وطويل وبيمتحن الروح» «كبر جسمي وصغر قلبي ليتحمل» «طعم الخل اللي لقيته بدل العسل»، ومروراً باحتفاظ المرء بذاتيته دون أن «يرقص» وسط الجموع: «فيك تسوق ما تنساق بيرجعلك الخيار»، ولا يبدو هذا خياراً بطولياً أو صموداً ملحمياً، فهو، كما جاء في «ونعيد»، مُقاومة بلا يأس ولا أمل: «شئت أو أبيت العربية راح تِمشي
/ومشوارك ما إلو معنى مثل كل شيء».

وحين تأتي آخر كلمات الأغنية: «هتموت
/غصباً عنك راح بتموت»، لا يبدو ذكر تِلك الحقيقة إحباطاً، بقدر ما هو محاولة دفع أخير نحو «الخلاص الفردي»، خلاص لا يتحقق بالرحيل أو الهجرة كما طُرِح قبل ثلاث سنوات، ولكن فقط ألا ترقص مثل الجميع، تَحمل خياراتك مهما خالفت «القطيع»، كمثلِ نبي استخف به قومه.. فحملَ رسالته وسارَ وحيداً.



- نُشِر المَقال في «المَصري اليوم» يوم 8-9 بعنوان مُختلف

31 أغسطس 2013

القاهرة، 31 أغسطس


إلى أندرش لاي ويواكيم تريه وشوارع أوسلو التي لم أرها
.
.

- فاكر أول مرة رُحت فيها السينما سنة 1997.. كان فيلم المصير في سينما أوديون

- فاكر شكل شارع السودان يوم التراب الشهير، لمّا المدينة اصفرّت في التسعينات، وفاكر إني كُنت خايف جداً وبفكَّر إن ده أكيد يوم القيامة

- فاكر إن ابن عمي مات واحنا صغيَّرين وهو بيلعب في منطقة بيعدي فيها قطر –منطقة مطار إمبابة-، وإن بعد كام سنة اتبنى سور وكوبري مُشاه حوالين القطر، وإن عَمتي عيّطت جداً أول مرة عِرفت عن السور اللي اتبنى

- فاكر إني في 2004 شُفت في جرنان يوم الأربع إن فيلم SideWays 
نازل في سينما واحدة في سيتي ستارز، وكنت حاسس إن مدينة نصر دي هي الناحية التانية من العالم، فمرحتوش

- القاهرة كانت دايماً كئيبة وزحمة أثناء العودة من السفر

- "كيف أصرّ على أن كلمة "حُزن" كانت دائماً أفضل من كلمة "حنين"


- أول مرة أمسك إيد بنت كان في المترو، وقتها بدا إن ده أهم من السفر عبر الزمن مثلاً، "كنا فرحين، ولازلت أتذكر ملمس يدها"

- وأنا طفل سرقت بونبوني من سوبر ماركت كان قدام بيتنا، وكنت حاسس بذنب شديد لما قفل بعدها بفترة، لاحقاً اتقسم لمحلين.. واحد سندوتشات والتاني حلويات

- السطوح، والعب عليه، والسمكري اللي تحت البيت اللي قَطع الكورة لما خبطت فيه مرة، وانتقاماً منه كنا بنغني بصوت عالي "عم محمد دوكو القرعة"


- فاكر تعب المشي 4 ساعات بين شوارع وسط البلد في مظاهرة ذكرى تأسيس كفاية يوم 12-12، بس مش فاكر بالظبط سنة كام.. 2005 أو 2006

- الإنبهار بالإعلانات المضيئة الضخمة في ميدان التحرير اللي كُنت بعدّي عليه بالأتوبيس مع أمي واحنا رايحين لخالتها في السيدة

- "كان الجميع مُوقناً من الفوز.. أتذكر مدى خيبة الأمل" 


- وأنا صغيَّر كنت حاسس المدينة دي كبيرة جداً ومش هعرف أجيب آخرها، دلوقتي عماله بتضيق بشدَّة لدرجة إني بحس أحياناً إن محدش عارف يتنفّس

- "أتذكر عندما قاموا بهدم مبنى فيليبس" 


- فاكر لما حرقنا مبنى الحزب الوطني

19 يوليو 2013

بعدنا طيّبين


في رمضانِ الماضي، كُنتُ أجلِسُ على نَفسِ المَكْتَب، وحيداً جداً، وحَزيناً جداً، أرى الدُّنيا من وراءِ ستار كالأَعْمَش، وأَبْحَث عَمَّن أحُادثه عن «أيامِ العَجَب والموت» التي تأبى أن تَنْقَضِي

كُنتُ أَخطو 13 خطوة نحو آخر طُرقَة الجريدة، وأَنسى ما خَطوت لأجله، فأعود لمكاني مرة أخرى


أنزِل إلى الشارع عقب الأذان، وأشرب الشاي على مَقهى فارغ، أشعر بثقلِ النَّفس الداخِل والخارج، وأنا مُوقِنٍ من أن صَدري لَن يحتمل لأكثر من ثلاثِ دقائق أخرى

أذهب إلى بيتِ فَضل، أو أعود إلى بيتِ أهلي، أُسَرْسِبُ حُزني على رُوحِ يوسف، وأُحادث صَديقة قَديمة آمَنتها بضعُ من نَفسي، أتوه في الشوارع التي أعرفها، وأركَب التاكسيات كل يوم لأن قلبي لا يقوى على مَشَقَّة ركوب المواصلات، وأخشى الرّيح.. لأنني هَشاً.. سأتهاوى إن مَسَّنِي

كنت أشعر أن العالم سَينتهي، لن يبقى لدقيقةٍ أخرى، ولكنه كان يَستمر، وكلما أظن أنه وصل لنقطته الأسوا، يأتي إلىَّ حاملاً المَزيد، حتى أنني لازِلتُ أشعر بثُقلِ القلب حين أتحدث عن تلك الأيام، أو أتذكرها، أو أكتب عنها، تماماً كما أشعر الآن

وما جَرى بعد ذلك أن العالم قد بقى، وبَقَيت معه، لرمضانِ الحالي، أجلسُ على نفسِ المَكتب، ولكني لا أشعر بالوحدة ولا بالحُزنِ، وأعلم حينَ أخطو 13 خطوة لآخر طُرقة الجَريدة إلى أين أنا ذاهب

أَشُمُّ رائحة الأقرباء، وأَسْتَوْحِشُ من غابَت بحنوٍ، أَلِفُّ بالعَجَلة في شوارع المَدينة دون أن أخافُ الرّيح، وأَلْمَس انتصار الرُّوح الذي بُشّرت به.. فأقرأ «ولَسَوفَ يُعْطِيكَ رَبُّك فَتَرضى»

أقف فوق مئذنة "الأشرف برسباي" في وسط القاهرة، من تَحتي المَدينة كاملة، وأرى السنة الفائتة، كل شيء واضح، والنَّفس طَيبة رغم كل ما جَرى

وحين أنظر، ثانيةً، إلى الصورة التي التقطتها نُهى هُناك أثناء غروب شَمس اليوم السَّادس، و«حسين سابزيان» الذي التقط له «كياروستامي» لحظة هدوء مُشابهة في شوارع «طَهران» قبل 23 عاماً. أشعر أن تِلك الصورة هي حِكاية العام كُله. بعدنا طيّبين كما أسمى صَديقاً عزيزاً كتابه عن مرَّة مُشاهدته الأولى لـ
Close Up
 و«كل شيء جميل فعلاً» كجملةِ الختام فيواحدٍ من أكثر أفلامي المُفضَّلة قُرباً إليّ وشَبهاً بي

13 يوليو 2013

أوّل الصيف اللي فات (نسخة فُصحى)

(1)

في واحدة من أكثر اللحظات المُشرقة في رواية «الغابة النرويجية»، التي اكتشفت مؤخراً أنها روايتي المُفضَّلة على الإطلاق، تحضر «ميدوري» لمقابلة «واتانابي» بعد أسابيع من غيابه، في نهاية اللقاء تعطيه جواباً كتبته في الفترة التي ذهب فيها ليحضر لهما الطعام، أخبرته بأنها كانت تنوي أن تَبيت معه تلك الليلة، تَطْبُخ له، تَرعاه بشدَّة، تَمْنَحه كل ما تمتلكه من مَحَبَّة الأقرباء، وأن الشنطة التي أحضرتها معها وضعت بها بيجامة وأدوات طَبيخ، ولكن المُشكلة.. أنه طوال لقاءهم كان عقله وروحه مُعلَّقين بأشياءٍ أخرى، أنه ليس هنا، ليس معها، ليس في الحاضِر، لم يَلْحَظ حتى أنها قد غيَّرت «قَصَّة» شَعرها، ولا يؤلمها في كل هذا إلا معاملتها بيقين أنها مَوجودة دائماً ولذلك فهو لا يَكْتَرِث بها، يَذهب بعيداً، وراء ماضيه وهواجسه، دون أن «يراها» فعلاً

آخر جملة في الخطاب كتبتها «ميدوري» وهي ترى «واتانابي» قادماً بالطعام من بعيد، كتبت أنها لو أخبرها الآن أن «شعرها جميل أو حتى سيء» ستُقَطّع هذا الجواب، وستذهب معه إلى البيت، تُرْفِق به وترعاه، ولكنها لا تظن أن ذلك سيحدث، وإذا انقضى هذا اليوم بالرّحيل، فهي لا تريده أن يُحدّثها بعد ذلك مُطلقاً

«واتانابي» قرأ الجواب، ما يعني بالضرورة أنه لم يَلْحَظ في الفرصة الأخيرة قَصَّة شعر «ميدوري» الجديدة، في اليومِ التالي ذهب إلى الجامعة، ورآها، حاول أن يتكلم معها فصدّته، تأمل في شكلها كثيراً كثيراً، ثم أرسل لها تلغرافاً اعتذارياً، جملته الأخيرة كانت «أعلم أن هذا متأخراً جداً جداً جداً، ولكن شعرك كان رائعاً حقاً»

كل أدب «موراكامي» يتعلَّق بالماضي وعوالقه، ما تركناه وراءنا دون أن يتركنا، وما يتبقى لنا في النهاية، هو يعرف الكثير عن ذلك، ولأن هذا هو أكثر ما فكَّرت فيه خلال الإحدى عشر شهراً الأخيرة، فقد صار الرَّجل مُفضَّلاً، هذا الأسى مثلاً في تكرار كلمة «جداً» هو أسى لرجلٍ يعرف الإدراكات المتأخرة، ولذلك.. فعندما كُنت في منتصف الرواية كتبتُ لـ«واتانابي» أنه يجب أن يترك الماضي وراءه ويَنظر نحو «ميدوري»، ذات الأمر الذي أخبره به «موراكامي» في النهاية على لسانِ إحدى الشخصيات، الرواية كانت أنا.. تماماً


(2)

أهم قرارين اتخدتهم في حياتي في آخر إحدى عشر شهراً كانوا السَّكَن بمفردي في جاردن سيتي بديسمبر الماضي، والتحرُّك في شوارع المَدينة بالعَجَلة في مارس الذي تلاه

هُناك الكثير من الأشياء بدأت مع الأمرين، بدء تعلُّم العود، الخَطّ العربي، هذا التحكُّم الكامل في إيقاع حياتي اليومي، ثم.. هذه الخفّة التي يحققها وجود العَجَلَة، والتعرُّف على تِلكَ المَدينة من جديد، والتَّوق لرؤية مُدُن أخرى على جانبي النَّهر

وضمن أكثر ما تغيَّر عند السَّكَن بمفردي هو تعلُّم الطَّبخ، الطَّبخ شيء مُدْهِش، والأكثر دَهْشَة هو مشاركته مع شخص آخر، حبيب أو قَريب، ولذلك فإن أكثر ما كُنت أتذكره خلال ذلك الوقت، تحديداً في المرات الأولى، هو هبة، وأول الصّيف اللي فات، وذلك اليَوم الذي طَبَخنا فيه سوياً، وجلسنا لنأكُل في أمانِ الله، ثم تفرَّجنا على فيلمٍ سَيء، وضحكنا كَثيراً، وكانت الحياة بخير

لَم تَكن أياماً مثالية، لها مشاكلها وضغطها وتوتراتها، كأي علاقة عاطفية/إنسانية، الحياة لَيست سهلة كما أُصَدّر دائماً كَمُفتتحٍ لأي رأي أو حَديث، ولكن المُدهِش أن الذاكرة ستجعلها كذلك، ستنقّحها تماماً، مثلاً.. قبل أيّام أرسلت لي جَيلان شيئاً لأقرأه من «تامبلر» الخاص بها، رأيتُ عندها تِلك الصورة على جانب الصفحة الأيمن:



من الصَّعب وَصف كم أن هذا هو أنا وهبة، تماماً، كم أن الملامِح تُشبهنا، وأن لدينا نَفس الملابس، وأننا جَلسنا معاً كثيراً في شمس الصيف الأخير، لن تفهم كم أن هذا هو نَحْنُ إلا لو أخبرتك أنني ظللت لخمسِ ثوانٍ أفكر في احتمالية أن هؤلاء هم نحن فعلاً وأن هبة عَمَلت «تامبلر» خاص بها ووضعت تلك الصورة، وستفهم أكثر لو أخبرتك أنني حين أرسلت الصورة لشريف –بعدها بدقائق- أخبرني أنه ظن أن هذا أنا «متصوَّر في فوتوسيشن ولا حاجة»

المُهم أن هؤلاء ليسوا نحن، هم يشبهوننا لدرجة التماثُل، وفي الثواني الأولى لرؤية الصورة كان هناك حنيناً شديداً لتلك الأيام التي لم تكن مثالية، ولكن الذاكرة –في تلك اللحظة- قررت أن تُدعّم كل «روقان» و«راحة بال» الصورة بتفاصيلٍ متناثرة بيننا، أسقطت أي حُزن قَديم وهَزَّت القَلب بحنينٍ شديد لزمنٍ كنا، هي وأنا، أكثر خفّة، حنين للأيامِ والأوقات وتلك اللحظة التي عشناها والتقطت لشبيهينا في بلادٍ بعيدة


(3)

عن ماذا أحكي الآن؟

ليس أمراً مُحدداً، ومع خلفية البوست السابق -بالعاميَّة- فأنا لا أريد أن أقول شيئاً، فقط تلك الفكرة الحَزينة عن أن «أسعد لحظة في حياتك ستمر بك دون أن تعرف أنها جاءت» هي ما تُحرّكني

يحتاج المرء لطاقة ضخمة ومُستمرة كي يُبقي على الدَّهْشَة في الأمور العادية التي يَطمئن لها، الأهل.. الأخوة.. الأصدقاء الأقرب، البشر الذين يراهم يومياً ويعلم أنهم هنا دائماً، «واتانابي» كان مطمئناً لوجود «ميدوري» ولذلك أهملها، وأنا كُنت مُطمئنا للحياةِ فلم أطبُخ مع هبة كثيراً، وصديق اطمئن لوجود أصدقاءه الأقرب فذهب بعيداً ليوطد علاقته بآخرين وليس من المؤكد أنه سيجد ما تركه حين يعود، وسيشعر بالفقدِ والخسارة والوَحْشَة، في أكثر أشكالهم قَسوة، وسيعرف -ربما- أن تلك هي أوقاته الأحزن، وأن ما من شيءٍ يفعله المرء أسوأ من الذهابِ لأجلِ الضال وترك بقية الخِراف في البريَّة

(4)

أعدت قراءة الفقرة الأخيرة في البوست السابق، الذي كُتِبَ قبل شهر ونصف، أعرف ما كنت أقصده، عن الحاضر كله كتهيأةٍ للحظة مستقبلية يَستقر عندها كل شيء، ولكني في تلك اللحظة متشككاً في هذا، الحياة دوائر، تدور وتدور وتدور، صحيح أن الحاضر يُهيِّئ للمستقبل، ولكن المستقبل نَفسه سيصير حاضراً يُهيِّئ لمستقبلٍ أخرى، ما من نقطة للنهاية، لسنا في فيلمٍ هُنا.

والأهم، أن هذا بوست عن الإدراكات التي تأتي بعد أن يَمُرّ الكثير من الوقت، ليس من الجيد إنهاءه بأي حِكْمَة أو تهوين. هو شيء انتهى عند المُلاحظة والسرد لأشياءٍ تحدث بشكل دائم، لذلك يمكن أن نتوقف هنا. بلا خاتِمَة مُحدَّدة.

أوّل الصيف اللي فات (نسخة عاميَّة)

مُفتتح توضيحي:

- من أكتر من شهر ونُص كتبت بوست عن «الإدراكات اللي بتيجي بعد ما الوقت يفوت»، كنت بفكَّر إن عنوانه يكون من غنوة فيروز «تنذكر ما تنعاد»، رُحت أسمعها ولما خلَّصت كتبت بوست تاني عن الأغنيَّة، وأبقيت البوست الأصلي مش عارف هنزله امتى أو هنزله أصلاً ولا لأ

- كنت كاتب البوست بالعاميَّة، ولما قريته بعدها بأسابيع مكنتش متأكد إذا كانت روحه بالعاميَّة ولا الفُصحى، فقررت أصبر بعض الوقت وأعيد كتابته من الذاكرة مرة تانية بالفُصحى ثم أقرر، الفكرة إن العامية شيء ذاتي أكتر.. انتَ بتحكي عن نفسك تماماً، الفُصحى تبدو أكثر حِكمة.. انتَ بتدوَّر على مساحات مُشتركة بينك وبين الآخرين وبتدارى ورا بَزخ اللغة العربية، عشان كده يبدو الأفضل إني أنزل النسختين ومفضلش أفكَّر كتير

- البوستين فيهم نفس الفكرة الرئيسية، ونفس المواقف اللي بَحْكِيها أو بَسْرد بيها اللي عايز أقوله، بس بعد ما خلَّصت حسيت إنهم مُختلفين بدرجة ما، والزَّمن –فرق الشَّهر ونُص.. كِبرت فيه- يبدو واضح فيهم

- أنا بنبسط لما بَكْتِب بالأريحية دي، وإني بقيت بَكتب أفكر أتكلم بالأريحية دي دايماً، «أعمل مِغَمَّض كإن الدنيا عارفاني» زي ما فؤاد حدَّاد بيقول

- البوست ده كُتِب يوم 25 مايو اللي فات، معدّلتش فيه حاجة، اللي بعديه اتكتب النهاردة.. 13 يوليو.. قبل ساعات من سَنة عُمري الجديدة، وبدا مُناسب جداً لده

- بَفكَّر، حالاً، لأسباب واضحة، إنه البوستين إهداء لهبة.. "لأجلِ هبة" كما تُحِب دَوماً..لسنة 2011 وأول 7 شهور في 2012، معرفش إيه قيمة الإهداءات بشكل عام، بس ساعات.. زي دلوقتي.. بَشعر إني عايز أعمل ده


.
.

فيه فِكرة ما، حَزينة جداً، بفكَّر فيها مؤخراً، عن إن أجمل لَحظة في حياة كل واحد هتعدّي من غير ما يكون عارف إن دي أجمل لَحظة في حياته

الجانب الحَزين، في صورة أشمل، مش مُرتبط تحديداً بـ«أجمل لحظة» دي، بس هو عن الحاجات الكويّسة والعَظيمة في الحاضر اللي ممكن تعدّي عشان إحنا متعوّدين عليها، مش هَنُدرك قد إيه سيء إننا مَعرفناش غير بعد ما تعدّي

مَثلاً، مؤخراً بَقيت أطبُخ كتير في بيتي الجديد، بقيت أصِف الأمر بإنه «أروق حاجة في العالم»، العب بالتوابل، وعُكّ بانبساط فمفيش أكلة هَتِطْلَع وِحْشَة، في كل مرة بعمِل كده بتذكّر هِبة، بتذكر تحديداً اليوم ده في صيف السنة اللي فاتت، رجعنا من الشغل، وقررت –على غير العادة في تلك الأيام- إني أطْبُخ معاها، شغلنا أم كلثوم، ودخلنا عملنا أكل سوا، هي كانت مَبسوطة، وأنا كمان، والأكل طِلِع عَظيم، فاكِر إن يومها حَطيت أغنية «يا أنا» بتاعة مُنير عَ الفيس بوك لأجلها، كتبت «يَا سُكّر بالهَنا» و«هَتْجِيني تلاقيني ساكِن في الوَطَن»، ومعرفش ليه تحديداً مَطَبَخْتِش معاها مرة تانية، وبعد سنة.. أظن إن دي أكتر ذكرى بفتكرها بينا، وكل مرة بَطْبُخ ببقى عايز أجيبها من البلادِ البعيدة ونُنْفُض كل الذكريات التّقيلة من على كتفنا عشان أقولها إني «بُصي بقيت أعرف أطبخ كويس إزاي»

الأسوأ هو الإدراكات اللي بتيجي بعد ما الوقت يفوت، إنك تتعوّد على حاجة فمتقدرش تُدرك قد إيه هي مُدْهِشَة غير لما تروح، الأصدقاء المُقرَّبين مَثلاً.. أو حتى الأحباء، بالتعود الأمور بتفقد سِحرها، بتنسى قد إيه الشخص ده حِلو أو جميل أو مُدْهِش، ممكن تَنْجَذب للهالة بتاعة بدايات شخص تاني، أو تبقى عايز تِوَطَّد علاقتك بشخص أبعد باعتبار إن الشخص القريّب ده مَضمون ومؤكد، بس هو مفيش حاجة مَضمونة ومؤكدة، مَعنديش طريقة ما في إن الناس تُبقي على دَهْشَة علاقاتها وعلى رؤيتها للحُسْن في الأقربين منها، بس دي حاجات تستدعي المُحاولة، عشان اللَّحظة المُستقبلية اللي ممكن يبقوا فيها أبعد هي لَحظة فَقد مِثالية

بقى عندي جرأة في آخر شهرين إني أوصَّف «الغابة النرويجية» بتاعة «هاروكي موراكامي» باعتبارها «روايتي الأجنبية المُفضَّلة»، أدب الراجل بيتعلق كله بالذكريَات والماضي والعوالق اللي بتتبقى ومحاولة الناس التحرر منها، ودي أكتر حاجات فكَّرت فيها في آخر 10 شهور في حياتي، عشان كده كان فيه المساحة دي من الانغماس، بس «الغابة النرويجية» بتتجاوز ده.. في نُصها التاني بقت شِبة سيرة ذاتية ليَّ، بَقيت بَدفع البَطَل للخيارات اللي شايف إني مَفروض آخدها
/صَح إني أخدتها، وفي لحظة من أكتر اللحظات المُدْهِشَة في الرواية.. «ميدوري» بتسيب فيه جَواب لـ«واتانابي»، بتكتبه أثناء مقابلة بينهم بعد أسابيع من اختفاءه، بتقوله إنها كانت بتشاغل أفكارها السلبية عن حقوقها عليه وإنه لازم يراعيها أكتر من كده، وإنها كانت جايبة بيجامة عشان تبات معاه في شقته وتعمله أكل وترعاه هي وتخفف حزنه الليلة دي عَ الأقل، بس عارف إيه أسوأ حاجة.. إنك كنت غايب لدرجة إنك مبصتليش كفاية، مخدتش بالك إني قصيت شَعري تماماً، مقلتش «شكلك حِلو يا ميدوري»، أنا شايفاك دلوقتي وانتَ جاي بعد ما جبت الشاي، بفكَّر إنك لو قلتها وحسيت بس إنك انتبهت ليَّ هقطع الجواب ده وآجي معاك زي ما كنت مِخَطَّطَة، «موراكامي» عارف تحديداً الحاجات اللي ممكن تِضيع عشان شعورنا بالثقة من كونها مَوجودة، وبَطله بعد ما قرا الجواب وشاف «ميدوري» في الجامعة تاني يوم راح يكلمها فرفضت، بعتلها تلغراف في آخره بيقولها «أنا عارف إن ده متأخر جداً جداً جداً.. بس حقيقي قصَّة شعرك عَظيمة وشكلك حِلو»، بس هو ده فعلاً كان متأخر جداً

بس أرجع وأقول، إن الحاضر مش مُهم أوي، مقادير الألم والفَقد والحُزن هي أشياء قاسية، بس بتعدّي وتمرّ، الأيام مش بتقف، المُهم فعلاً هو اللي «بيتبقى لَكُم» من الذكريات والتجارب والناس وأنْفُسْكُم، عشان برضه محدّش يعرف إيه المُهم في الحياة.. كل التجارب السيئة اللي بتظن إن الدنيا هتقف عندها ممكن تبقى بس بتحضَّرك للحظة أهم تُدرك فيها الحاجات في وقتها ومتخلّيهاش تعدّي

12 يوليو 2013

رأيت رام اللهرأيت رام الله by مريد البرغوثي
My rating: 5 of 5 stars

- بظن إن جزء من قيمة الكتب العظيمة في حملها لذكرياتك أثناء قراءتها، بتبقى شايْلَة كلام اللي كاتب وزَمَنك انتَ

- دي القراءة التالتة للكتاب، اللي بعتره من أهم وأعظم الكتب العربية اللي قرأتها

- بَفكَّر إن الكتاب ده زَمن مش مكان، على عَكس عنوانه، وعلى عكس من حكايته المفترضة اللي بتدور في الكام اليوم اللي رجع فيهم "مُريد البرغوثي" لرام الله ودير غسّانة بعد 30 سنة من النَّكسة والغربة، المَكان بصفاته الجغرافية مش أمر مُهم، مش بيتوَرَّط في الحديث عنه بكثافة، هو بيخلّيه صورة أوْسَع لـ"مَدِينة" أو "وَطَن"

- في المُقابل، مُريد بيتسغرق تماماً في الذكريات، بيسيب نَفسه ليها، في آخر الكتاب هو بيقول إنه مش عارف حَكَى إيه ومَحَكاش إيه، وده حقيقي، ميبدوش إن الكتاب مُخطط مُسبقاً، دي كتابة واحد قارب عَ السّتين بيشوف حياته كلها في رحلة عدَّة أيام، يفتكر اللي يفتكره وينسى اللي ينساه

- في الرحلة دي، فيه تاريخ ومُدُن وبَشَر، أمور عامة بيكون المهم فيها هو ذاتيه حاكيها، وأمور ذاتية بتتحول لأمر عام، الطريقة اللي مُريد بيحكي فيها عن أحداث النَّكسة وكامب وديفيد واعتصام الطلبة في 72، أو اغتيال غسان كنفاني ثم ناجي العَلِي، حكايات الغُربة في بودابست، واعتقال التي لم نَعْرِف حكاية اسمها، مَنيف وأم مَنيف، واللّحظة الأخيرة المُدْهِشَة اللي بيحاول فيها الحِفاظ على حياة أمُّه لمدة يومين فقط، الرحلة الطويلة باتجاه الحِكْمَة والحُزن، غُربة العائد وسط أهله، وأُلفه الغريب في مَنفاه، بصورة مُدْهِشَة العام بيبقى شَخصي والشخصي بيكون عام

- الحياة كَبيرة، ضمن أكثر ما تبقى من القراءة دي كان كلام مُريد المُختزل عن عودته للعَيْشِ مع رضوى وتَميم بعد 17 عاماً من المنفى والبُعد، لم يتطرق للتفاصيل، ولكن كلامه كان مُغرق في الوَحْشَة، إشارات عدَّة مُتناثرة حول الصعوبة التي وجدها ثلاثة غُرباء في العَيْشِ وخلق معنى الأُسْرَة من جديد، تِلك الجملة حَكَت الحكاية كلها:
"انتظرت رضوى عودتي إلى بيتنا سبعة عشر عاماً، وعندما عُدت.. عُدت ومعي الأعوام السبعة عشر كلها، ومعها الأعوام السبعة عشر كلها"
وفي ذلك كان هُناك تَميم، الطفل الذي صار شاباً، كجزءٍ في المُعادلة، مُواجهة اهتزازات الماضي وغموض العودة حتى يستقر كل شيء على الشكل الذي سيبقى عليه. تَحَمَّلوا. وصَبروا. أُسْرَة مُدْهِشَة

- قريت الرواية، ببطءٍ ساحر. بطء عزيز. أثناء الأيام الصَّعبة، بدأت أقراها يوم 3 يوليو مع عَزل مُرسي، الخبر اللي سمعته بالصدفة وأنا مِعَدّي من اعتصام الإسلاميين في رابعة عشان رايح لشريف، كنت بفكَّر إن بدقني الشَّعثاء والسَّبحة المَلفوفة على إيدي اليمين ورواية تحمل اسم "رام الله" في يَدي.. لو الجيش اقتحم مثلاً ومُت هِنا محدّش هَيْشُك إني معاهم
بعدها، تحدُث عركة أهليَّة فأقرأ صفحتين أو ثلاث، نَتَصَبَّح بمجزرة فيمر اليوم دون قراءة حَرف واحد، بس مُجْمَلاً كان الكتاب رَفيق مُدْهِش للأيام، حتى في الكلام عن الضَّجَر من الوطن، وملازَمَة الثورة بالانتفاضة الفلسطينية في مُخَيّلتي، ده معنى جُملة المُفتتح في الريفيو ده.. الكتب العظيمة كده.. بتبقى مَوصولة دايماً بلحظة قرايتها، بتخلق لنفسها وجود وقيمة ومعنى مُختلف في "زمن القراية" نفسه

- بالأساس بقى، كنت بقرا "رأيت رام الله" عشان جبت الأعمال الشعرية الكاملة لمُريد، وقلت إني عايز أبدأ بما أعرفه عنه، وكلحظة مُقَدَّسَة.. فهو كان بيقول في الرواية إنه بينتهي من إعداد ديوان "منطق الكائنات" عشان ينشره، ده الديوان اللي أصلاً خلاني أشتري الأعمال الكاملة، وكل ما قرأته منه كان مُدْهِش، هَبدأ بيه، كإن الزَّمن –اللي كَتَب فيه مُريد واللي قرأت فيه- كان زَمَن مُشترك بينتهي مع بداية "منطق الكائنات"

#أيام_مُريد #رمضان_2013


View all my reviews

03 يونيو 2013

ثلاثة عشر فيلماً مُفضلاً لأجلِ «ستيفن جيرارد»



من أكتر التيمات المُفضَّلة اللي بفكَّر فيها دايماً، في الحياة أو السينما أو الكورة، فكرة الشخص اللي «هيظلّ دايماً بالجوار»، العالم يروح وييجي، «يَكْبُر ونَكْبُر مَعه»، بس هو هيفضل موجود

من يومين شفت صورة لـ«ستيفن جيرارد»، كابتن نادي ليفربول ومنتخب إنجلترا، على اليمين صور ليه مع لعّينة مُختلفة.. مايكل أوين وفرناندو توريس وتشابي ألونسو ولويس سوايز، نجوم ليفربول خلال آخر 15 سنة مثلاً، كلهم سابوا الفريق ومشيوا، و«جيرارد»، اللي هو من أحسن خمس لعيبة خط وسط في العالم على مدار الوقت ده، رفض تماماً كل العروض الضَّخمة اللي جاتله، فضَّل إنه يخلّيه بـ«البَيت» زي ما قال.

في التعليقات على الصورة، واحد من مُشجعي ليفربول كَتب: 
that's why with liverpool you never walk alone, he is always there

دي أكتر جُملة فكَّرت فيها في الأيام الأخيرة، وفي كونها تعبير مثالي عن «جيرارد»، كـ"بطل" مش هيخلّي مُشجع لفرقته «يَمشي وحيداً أبداً»، عشان «هيظل دايماً بالجوار».

وإمبارح، كنت قاعد بَعمل شيء مُمِل، ففي أوقات البَينية فكّرت ألعب بكتابة 13 فيلم مُفضَّل على اسم «ستيفن جيرارد»، كل حرف بأول اسم فيلم ييجي على بالي يكون بيبدأ بيه، ثم فكَّرت أكتب عنهم بشكل مُختصر هنا، وحَبيت الفكرة، لأجلِ الأفلام اللي هتذكرها بعشوائية وبعضها هيبقى بقالي سنين مشفتوش وهبقى بَبُص إيه أول حاجة هفتكرها من كل فيلم أو هصف ليك –كشخص آخر بيتلقى الكلام ده- ليه هو مُفضَّل، وعشان تحيَّة ذاتية لـ«ستيفن جيرارد»، واللي هيكون شيء لطيف جداً لما بعد كام سنة أفتكر إني كتبت البوست ده لأجله وعَبَّرت عن قيمته بالنسبة لي بشكل مُختلف للدرجة دي



Sunset Blvd: دايماً لما بآجي أدي لحد أفلام، بَحُطله فيلمين أو تلاتة لـ«بيلي وايلدر» في النُص، وبقوله «هتلاقي كذا فيلم أبيض وأسود، شوفهم على ضمانتي»، ليه ده فيلم مُفضّل؟ بالذكرى والتقادم صورته بتبقى جداً كـ«فيلم كبير»، قد إيه «نَص عظيم» ومُتماسك، وشخصية استثنائية زي «نورما ديسموند»، صورة مُدْهِشة لممثلين السينما الصامتة "الكبار" اللي حيواتهم اتغيَّرت لما الصوت دخل السينما و"صِغرت" عليهم، التيمة اللي فِضلت مُلهمة على مدار سِت عقود عشان تِطلَّع من سنتين فيلم زي The Artist. مش حاسس إني بَعَبَّر بشكل جيد عن ليه هو فيلم مُفضَّل، ربما عشان قيمته «سينمائية» أكتر منها ذاتية. نِحاول في الأفلام الجايَّة

Taste of Cherry: ربما يكون «عباس كياروستامي» هو أكتر صانع سينما كَتبت عنه أو اتكلمت عليه، ولما بآجي أفكر في سيناريو وفيلم جديد دايماً صورته بتبقى في بالي، مش بمحاولة اقتراب من «صَنْعِته»، قد ما في الطريقة الذاتية والمتحررة اللي بيبص بيها للسينما، أكتر حاجة فاكرها من الفيلم حكاية «التوت»، الرجل الذي ذهب صباحاً عشان يَنتحر وشوية توت أنقذوا حياته، حكاية مُباشرة وساذجة في سياق ما، لو بَكتب هتكسف أحطها عشان تبدل وجهة نظر بطلي –اللي عايز ينتحر- عن الحياة، بس «عباس»، وبصورة مُدهشة، بيخلّيه مَشهد للذكرى، الحاجة الأبقى من الفيلم بعد 4 سنين من آخر مُشاهدة ليَّ ليه.

East of Bucharest: طَبعاً طَبعاً الجملة اللي بقتبسها/أسرقها كتير «كانت هادئة ورائعة، هذا هو كل ما أذكره عن الثورة» هي أبقى شيء من فيلم مُفضَّل، شفت الفيلم في المرحلة المُرتبكة من الثورة في الشهور اللي تَلِت الـ18 يوم، كان شيء كابوسي جداً بشأن إن بعد عشرين سنة نفتكر الثورة و«إحباطات الآمال العظيمة» زي بطل الفيلم ما بيبُص للثورة الرومانية ويستعيدها. حالياً عندي طاقة تفاؤل عَظيمة بشأن المُستقبل.. بشأن الحِراك اللي سببته الثورة في مصر.. وبشأن «الجِيل» اللي بيطلع ويحاول في كل مَجال، وإن بعد 10 سنين مثلاً هيبقى عندنا إرث كبير من القصص والحكايات والأبطال والمُحاولات والفَن تخلّي لكل شيء مَعنى، حتى لو فِضل فيه تراجع سياسي واقتصادي. بس رغم التفاؤل ده.. الفيلم بيفضل كابوس واضح في ركن عَميق من دماغي. الصورة اللي مش عايز أكون/نِكون عليها إطلاقاً

Volver: عُمر ما «ألمودوبار»، المخرج الأسباني الشهير، كان مُفضَّل بالنسبة لي، لما اتفرَّجت عَ الفيلم ده.. مبقاش مُفضَّل بس كان باب لتقبله، خصوصاً مع مشاهدة «تحدَّث معها» -فيلمه الأعظم- مرة تانية بشكل مُختلف، بتذكر بس التون المُدهش بين مأساوية اللي بيحصل وبين تناول «ألمودوبار» التهويني ليه. فيه جَبر بخاطر الشخصيات. شخصيات هَشَّة وطيبة في عالم مُجْهِد.. في الفيلم فيه فُرصة غير واقعية لتجاوز أي سوء لاجل خاطر الشخصيات دي.

Eight and Half: مؤخراً، بقى عندي «باكلاش» اتجاه أسماء فيليني وبيرجمان وتاركوفسكي والناس دي، مش ضدهم هما نفسهم، بس الهَالة اللي حواليهم اللي بتخلّي متلقين كتير يعتبروهم شيء عَظيم بالسُّمعة، من غير بَحث حقيقي عن هو مَسَّك في إيه أو قيمته السينمائية جات منين، بيبقى عندي رغبة كده أقول لكل شخص بيعاملهم بالهالة دي «يا حبيبي والله فيليني كان شخص تافة بيحب الأكل والستات وليه أفلام كتير وِحشة» وإن «بيرجمان شخص مُعقَّد ووجودي وعادي ممكن تشوف فيلم ليه وميْمِسّكش عشان مش بتعاني أو بتتماس مع نفس عُقده ومشاكله».
بس بيفضل فيه أكتر من سبب يوقَّفني عن إني أَبَكْلِش على بيرجمان، بالذكرى والتماس والمَحَبة. وسبب وحيد –مع الاحترام والمَحَبة الشديدين لـ"لاسترادا"- لإني معملش ده مع فيليني هو «تمانية ونُص». مش بس فيلم مُفضَّل.. ده ربما من أعمق الذكريات «المُعاشة» اللي مَرّت عليَّ. فيليني كان أصدق صانِع سينما في العالم وهو بيعمله الفيلم ده

No Country for OldMen: هذه البلاد تَكبر وأراد أن يَكبر مَعها، وكَبِر.. فلم يَعُد له مَكان. من الغريب يمكن بالنسبة لي إن أول حاجة أفتكرها من الفيلم هو وَهَن صوت «تومي لي جونز» في المَشهد الأخير، وأفكر فيه بكل الحُزن والشَجَن ده
Gone with the Wind: من ست سنين كان ممكن أحط الفيلم ده من أكتر 5 أفلام مُفضَّلة، حالياً معرفش مكانة خصوصاً إني مشفتوش من وقتها، بس اللي متأكد من بقاءه جداً هو «سكارليت أوهارا»، هتفضل من أكتر الشخصيات النسائية المُفضَّلة في التاريخ

Eternal Sunshine of the Spotless Mind: (1) من حوالي أسبوعين، شريف نجيب كان بيدّي مُحاضرة عن السيناريو في جيزويت إسكندرية، شيء أقرب للورشة والمُلاحظات والنقاش من كونها مُحاضرة أكاديمية يعني، أنا وزنجي وعبدالوهاب كنا معاه، وعند نُقطة مُعيَّنة من المُحاضرة بقينا إحنا الإربعة بنتكلم بشيء من التَّكامل كده، طول المُحاضرة.. وفي أي حاجة اتكلمنا عنها في السيناريو وتقنياته كان "إيترنال سانشاين" مثال جيد ممكن نعتمد عليه، أظن كانت لحظة كَشف لينا إحنا الأربعة إن مش بس قد إيه سيناريو مُدْهِش وعظيم زي ما إحنا عارفين، بس هو «كل شيء يمكن أن يقال بشأن السيناريو» فعلاً بداية من الفكرة للشخصيات للتعامل مع التيمة للحركة في الزمن للبلوت والساب بلوت لكل حاجة مُحتملة ممكن تِتقال
(2) فكرتي المُفضَّلة في الشهور الأخيرة عما «يتبقى لَكُم» موجودة هنا تماماً، ممكن أسرد حياتي مؤخراً اعتماداً على فكرة الفيلم، بدءً من سؤال: إيه اللي تحب تشيله من ذاكرتك؟ ووصولاً لنقطة النور عن إنك أصلاً تحب تشيل حاجة من ذاكرتك ولا لأ. معرفش مكان الفيلم فين في قائمة مُفضلات، بس على الأغلب هيكون من أول 20 فيلم.


Remains of the Day: معرفش ليه مش كتير من الناس يعرفوا إن ده من أعظم الأفلام اللي اتعملت في التسعينات. وإنه من أجمل وأعمق الأفلام الرومانسية في تاريخ السينما. وإن ده –ربما- أعظم أداء في تاريخ «أنطوني هوبكنز». إيه اللي بيتبقى؟ بَصَّات السيد «ستيفنز» لـ «ميس كينتون» وهي بتحاول تِخطف منه الكتاب. وبصَّات السيد «ستيفنز» في آخر الفيلم لما النور نَوَّر وشاف قد إيه العالم تغيَّر وهو في مكانه. السيد «ستيفنز» من أحزن الأشخاص في العالم.. لدرجة القَشْعَريرة لما تذكَّرت المشهدين دلوقتي

Ran: على عكس أغلب «أساتذة» السينما، كُنت بفكَّر من كام يوم إن محدّش مُهتم بـ«كوراساوا» أوي، عشان ميبدوش «وجودي» بقدر الآخرين، في تَبسيط مُخِل هو مُخرج «حَركة»، مفيش عوامل الإبهار الجذَّابة في أسامي تانية، وده بيخلّي فيه أريحيَّة كده في محبَّة «الشَّيْخ» ومَديحه.
الملك لير غالباً هي أقرب مسرحيَّات شكسبير ليَّ، فُل هاملت وماكبث طبعاً، بس التماهي للدرجة دي مع شَيخ عَجوز يَشْعُر بالوُحْشَة. بيخلّيها الأقرب، وأظن مفيش اقتباس سينمائي مَس أو هيمس روح المسرحيَّة زي فيلم «ران»، اللي كوراساوا استنى لحد ما عمره بقى خمسة وسبعين سَنَة عشان يقدر يعمله بالقدر ده من خِفّة القلب ورَعْشَة الساعِد


About Elle: الفيلم الأسبق للمخرج الإيراني «أصغر فرهدي» لفيلمه الأشهر «انفصال»، وبالنسبة لي «عن إيلي» فيه نفس نقط العَظَمة، ده لو مَكنش أسبق من «انفصال» بخطوة.
 فيه حاجتين مُفضَّلتين بيخلُّوه من أعظم الأفلام اللي شفتها في حياتي.. الحاجة الأولانية إنه من أهم التجارب بشأن «المُعايشة»، إنك تروح هناك مع الكام عِيلة دول للمصيف، تعيش الأجواء والتهريج واللّعب، تماماً كما الحياة، كإنه مَصيف مع أهلك، بتتورط تماماً في أول نُص ساعة، ولما بيبدأ الحدث المحوري في الفيلم.. انتَ بتكون «جوا» بصورة صعب تتوصف، انتَ هناك.. بتدوَّر وتبحث وتقلق وتَشعر تماماً برتابة الوقت ووطئة القلق.
والحاجة التانية إن أصغر فرهدي عارف قد إيه الدنيا كبيرة!، هَشْرَح: أكتر جملة قلتها في آخر شهور في حياتي إن الحياة مكان صَعب للعيش، مقادير سوءات التفاهم والنوايا الحَسنة اللي ممكن توصَّل لنهايات كارثية. كل شخصيات الفيلم طيّبة وكلهم ليهم منطقهم. توالي المعلومات والتشابُك من خلال تجربة اليومين دول.. وتعبير «فرهدي» بعظمة عن كل شخص منهم.. بيمَس تماماً فكرة التفاف وكِبر وصعوبة الحياة.


Reservoir Dogs: لشدَّة شعبية تارنتينو بقى حاجة برضه صعب الحَديث عنها بخصوصية، هحتفظ بكل المحبة والتقدير ليه وللأفلام لنفسي ولقلة مُقربة، الشكل بس اللي بذكره بيه مؤخراً إنه He's a good fella. He's one of us.

Do the Right Thing: غالباً الفيلم هيفضل دايماً مربوط بسفرية إسكندرية صيف 2009 –كتبتها في الأول 2010 وبعدين رحت اتأكدت لقيتها 2009.. مش متخيل إن فات 4 سنين فعلاً!- مع فضل وشريف وعبدالوهاب، رحنا 4 أيام، مش بنعمل حاجة غير إننا ناكل أكل حِلو وبنشوف أفلام، بدايةً من The Genral وAguirre لحد «90 دقيقة» بتاع سامو زين، أظن من أعظم الأيام السينمائية اللي ممكن نفتكرها –إحنا الأربعة- على بعضها كُتلة واحدة، وDo the Right thing كان من أعظم المُشاهدات وقتها، كنت شايفه مرة قبلها بس بقى مُفضَّل في السفريّة دي. أكتر حاجة مُتبقيَّة؟ إن «سبايك لي» شخص أعز كثيراً من أفلامه وطبعاً إيفيه Mother Fuck You.

مَبسوط إن البوست بدأ من عند «ستيفن جيرارد»، والناس الذين لن يمشوا وَحدهم أبداً. ومَر بالأفلام والرّفقة الطيّبة. وانتهى بصورة ما عند التّسعة. أنا بقيت أقل شَغفاً بالتفاصيل القدريَّة دي من قبل كده.. مش بَذْهَب ورا تأويل زايد على الأقل.. بس في النهاية بالصورة اللي اتكتب عليها البوست ثم الطريقة اللي انتهى بيها. فُل.. مفيش مانِع نَذْهَب في تِلك المرة.. لَن تَمْشِي وحيداً أبداً.




29 مايو 2013

ويصيروا الأشيا بعاد


آخر مرة سمعت فيها أغنية فيروز «تنذكر ما تنعاد» اكتشفت، للمرة الأولى، مِقدارات الحُزن الضخمة التي تَحملها، وأن ذلك الحُزن المُختفي والمُستتر وراء صَخَب الموسيقى والكورال وصوت السيّدة.. أكثر نَخزاً من حُزنٍ مُباشر وصريح في أغانٍ حملها الألبوم ذاته كـ«أنا فزعانة» أو «صباح ومسى
».

الأمر يبدو لي بهذا الشكل.. «تنذكر ما تنعاد» هي أقرب لتون الحُزن العادي في الحياة، يَذهب الناس إلى العمل وإلى المقهى، يجلسون في المنزل ويتفرَّجون على التلفزيون، يمشون في الشارع ويتزاحمون في المترو، وحين ترى أي منهم لن تُدرك مُباشرةً أنه ليس بخير وأن قلبه مُحمَّل بكل ذلك الثُّقل. سيبدو عادياً. وأحياناً غير مُبالي. تماماً كصوتِ فيروز في الأغنية.

زياد يعرف الكثير هنا عن عادية الحياة، أن «تلك الأشياء تحدث»، ومن المهم أن نتكيف مع كونها تحدث لأن ذلك من سمات النُّضج، «تصير الأشيا بعاد» ويتبدل الناس بأناسٍ جُدد، الوقت يمر ويمر ويمر.. نحنُ نَكبر فنعلم أن العالم يَكبر كذلك، ونتقبَّل طبيعة الأمور، الأغنية وصوت فيروز هو ذلك الإدراك بإن الحياة بتمشي.. وأن الوقت يَخلق الطَّريق اللي رَح نمشيه.

وفي تأويلٍ أبعد، فتاة الأغنية تعلم جيداً أن حبيبها حَزين، وأنه لم يتجاوز محبتها، تريد الطَّبطبة عليه بشدَّة، ولكن بدلاً من ذلك ستقول له كل الحقائق جافَّة وحادّة. وستتركه يَكبر. تبدو غاضبة أحياناً من عمليتها و«نُضجها»: «حتى عيدي أكره فكر فيه
/لون الشّمع اللي لازم أطفيه».. ولكن هذا كل ما في يديها لتفعله «بتمنَّى تنسى حبّي وتعفيه». قبل أن تعود لجفاءها وحدتها وسُخفها الناضج.. وفي العُمق حُزنها الشديد.. وهي تخبره: «كل فرحة وبعدها حداد».

أظن، في تلك اللحظة على الأقل، أنها من أعظم الأغاني التي سمعتها في حياتي. وأكثرها دِقّة في التعبير عن الوقت والحزن والثقل والكِبر والعالم الذي يُجبرنا على تقبُّل حقائقه





تأريخ: البوست خَرَج أثناء كتابة بوست آخر عن الإدراكات اللي بتيجي بعد ما الوقت يفوت، فكَّرت في عنوانه كمقطع من الأغنية ، ذهبت لسماعها وبدأت منها فخرج البوست بصورته الحالية على نفسِ العنوان، فأجَّلت الكتابة عن الإدراكاتِ لبعض الوقت

26 مايو 2013

الأمل شيء خطير*



... ولكن الأمر في النهاية كان يَسْتَحق المُجازفة

الشيء الحَزين في المُقابل أنه قد لا يُتاح "لهم" –التي صارت "لنا" في تِلكَ الليلة على الأقل- الذهابِ وراء ذَلك الأمل مرةً ثانية، المدير الفني ذو الـ46 عاماً، الفريق الشاب والنابض الذي لا يزيد سِن أكبر من فيه عن الـ27، الميزانية الضَّئِيلة، و«القِيَم الكروية»، ومن وراءِ ذلك الجُّمهور الأعظم –ربما- في العالم، الذي حَمَل كل شيء على كتفيه منذ عام 2002 وكادَ أن يَصِل إلى القمَّة في 2013.. ثُمّ انْزَلِق

الشيء الحزين لم يكن الخُسارة، الشيء الحَزين كان هذا العُقد الفريد الذي سَينفرط حَتماً، وأن احتمالية الـ1% في أن تَذهب لأجلِ الضالِ.. وتَجده.. -والتي بَدَت على بُعد خطوة واحدة في «ويمبلي» الليلة-.. لَن تتكرر ثانيةً

ولكن الذكريات هي الشيء الأهم، وكل ما في الأمر كان مثالياً للذكرى


هامِش ذاتي: في مبارياتٍ كتلك أراهِن على الفِرَق بأكثر من الحماسِ والتَّصفيق وبحَّة الصوت العالي، أراهِن ببضعٍ منّي، والجانب الجيد أن كل ما وضعته على طاولة «دورتموند» هذه الليلة ظَلّ في مكانه رغم الخُسارة، «يورجان كلوب» بطل مُفضَّل.. و«المُسْتَقبل لنا» في كل النواحي

هامش تأريخي: لم «أَصْرُخ» في مباراة كرة هذا الموسم بقدرِ جون «كوسليني» التاني في ليلة الـ«أليانز أرينا»، وكرة «ماتس هوملز» التي أخرجها من على خَط المرمى قبل ساعات، الليلتين انتهيتا بالخَسارة.. ولكن حَلاوة الكرة أولاً وأخيراً في لحظاتٍ كتلك


*..يُمكن أن يَقود المرء للجنون".. الجملة الأبقى من فيلم فرانك درابونت
 "شاوشانك ريدمبيشن"

15 أبريل 2013

بتوقيتِ القاهرة.. من الملفّات المُهْمَلَة للمواطِن مِيم


الساعة الآن 11:35 ، يوم الثلاثين من يونيو عام 2012

كُنت قد قرَّرتُ منذ عدة أشهر ألاّ أترك المُدَوَّنة تُهْجَر ، صِرت ، مع مرور الوقت ، أكتب بها لنفسي لدرجةٍ تامة ، ما أريد الاحتفاظ به ، ما أريد تَتَبُّعه في نَفسي ، سكورسيزي يقول أن الأفلام هي ذاكرة حياتنا ، أفكَّر أن هناك الكثير من الأماكن التي نُخَزّن فيها ذاكرتنا دون قَصد ، المدونة أشبة بقصاصات الورق الصغيرة ، أو كَشاكيل الدراسة القديمة التي نَكتب فيها بين كل عدّة صفحات ، ذاكرة حَيَّة ، كيف كُنا نُفكَّر ، كيف كُنا نَشعر بالأمور ، كيف تغيَّرنا وإلى أين صِرنا

المُهم أنني قررت ألا يَمر شهر دون كتابة بوست على الأقل في المدونة ، كي تكون كل الشهور مُكتملة حين أنظر للتاريخ الجانبي لها

11:40
لا يوجد شيء في رأسي ، بيتهوفن في أذني ، لا أستطيع تفرقة التراكات عن بعضها في الحقيقة ولكني أحب الموسيقى الكلاسيكية العالية أثناء العَمَل أو الكِتابة ، خصوصاً أن الجرنان هادئ في هذا الوقت ، أريد الكتابة دون وَعي ، وهو شيء لا يتحقق إلا بعدم التفكير فيما أكتب ، أتمنى أن أصل إلى مرحلة ما من الصّدق حين أظل أفعل ذلك خلال الربع ساعة المقبلة

اختر شيئاً لتتحدّث عنه ؟

هبة 

شيء غير هِبة التي لا تُريد التحدُّث عنها في العَلن 

الثورة

أكثر ما أفكر فيه عنها هو كونها "إحباطات الآمال العَظيمة" ، وأشعر أن الجملة مُوحيَة ودقيقة بالفعل ، أين كُنا يوم 11 فبراير وأين صِرنا الآن ؟ كيف كان كل شيء ممكناً ومع الوقت صار يبتعد حتى أننا لم نَعُد نَره الآن ، تضاءلت كل الآمال إلى – فقط – "يا رب متضيَّعش دم الناس اللي راحت" ، "حق الشهداء" ، حتى هذا سُرِقَ منا من كثرة ما تم ابتذاله ، ماذا تعرفون أصلاً عن دماء الشهداء ؟ ، الجملة الأخيرة تبدو مسرحية وسَخيفة ، ولكن ، الثورة في النهاية ملكيَّة خاصة ، هؤلاء الشهداء كانوا لحماً ودَماً مِلكنا

11:45

الثورة تبدو دراميَّة بعض الشيء ، وحزينة ، الكثير من الوجع

ربما نتحدَّث عن الكرة ، حسني عبد ربه أعطى صوته لأحمد شفيق خلال مرحلتي الانتخابات ، تَذكرت كم كنت أهبلاً وعبيطاً ، وكيف أن هذا كان جيداً ، نكبر مع الوقت ولا تبدو مشاعرنا بقدر صدقها الأولي ، حتى ما أكتبه الآن فيه وَعي ، وقتها كان فيه وعي أيضاً ؟ ربما ، ولكنه كان بِكراً ، أكثر أصالة ، هل تعرف كيف تكون المشاعر صادقة تماماً ؟ أن أكتب وأنا لا أعرف أن هذا البوست سيكون على المُدوّنة ، لن يقرأه أحد ، أمين كان بليغاً حين قال "أنا عايز أتكلم وياك زي ما بتكلم ويايا"  ، هذا هو بالظبط

المهم أن حسني عبد ربه كان ابن وسخة ، وظهر هذا كثيراً خلال السنوات الفائتة ، ولكن أصبح بوضوحِ الشمس مع صوته إلى شفيق ، لماذا أصلاً يا خَول ؟  ، حمص أعطى صوته للحرية والعدالة منذ الانتخابات البرلمانية ، وهذا مُتسق تماماً مع شخصيته ، ولكن لماذا شفيق ؟ ما الذي سيتغيَّر في حياتك لو لم تعطه صوتك ؟ ، كان الأمر مُحبطاً قليلاً ، والتشبية القادم مبتذل ولكنه مغري: كأنك تعرف أن حبيبتك القديمة ، الأولى ، صارت فتاة ليل ، بشكل أدق حسني كان أقل من شرموطة 

11:50
ثورة الإحباطات ، الإحباطات العظيمة

في بداية الثورة كان كل شيء مُحتملاً ، هل كتبت هذا مسبقاً ؟ ، كنت أصير شخصاً أفضل ، ثم فَترت الأمور ببطء ، ضباب وراء ضباب ، وما أن وصلنا إلى ماسبيرو حتى صار القهر يُطْبِق على الأنفاس ، آمال عظيمة في محمد محمود ، انتهت إلى لا شيء ، الأسوأ أن كل شيء مات ببطء ، من مليونية الثلاثاء ، الشارع الحَيّ والنابض بالحياة ، إلى مَوات كامِل ، ينصرف الناس ، ويبقى الرويبضة في الميدان ، يُغلق الشارع ويَموت ، نَنتقل لمجلس الوزراء ، سبع ليال متتالة نِمتها هُناك ؟ وفي النهاية ؟ دموع نادية في اليوم الأول لأحداث المجلس وهي تخبرني عن علاء الذي يُشبه أخيها ، ودموع فضل وهو يتحدث عن الشيخ عماد الذي كان يعرفه ونَدِم لأنه قد مات دون أن يستزيد من معرفته ، ودموع والدتي بعدها بشهرين وهي ترى على التلفزيون هتاف الألتراس "يوم ما أبطل أشجع هكون ميت أكيد" ، دموعي الآن ، أين كُنّا وأين أصبحنا ؟

11:58
................................
.
.
.
.
.

- رأيت تِلك التَّدوينة أثناء التَّقليب في المَلفات القَديمة صَباح أمس، ولم أُغيّر فيها أي شيء
- على الأغلب لم أطرحها حينها فقط لأن الوَقت قد مَرّ وتجاوزت الساعة الثانية عَشر
- لم يتغيَّر الكثير بشأنِ الثورة منذ ذلك الوقت، ولستُ مُتيَقّناً كم تغيَّرت أنا
- يونيو كان الشهر الوحيد المُفرَغ في تأريخِ المُدوَّنة الجانبي لعامٍ 2012