29 فبراير 2012
بسكاليا (1-3): الإغواء الأخير لداوود عبد السيد
20 فبراير 2012
لأن الله سيسألنا عن دماءِ الشُّهداء
قبل يومين ، استيقظت على بُكاء أمّي بالغرفةِ المُجاورة ، وصوت التلفزيون يُذيع هتاف الألتراس الشهير ، في الأغلبِ على صور الشُّهداء ، "يوم ما أبطَّل أشجَّع ، هكون مَيّت أكيد" ، يَبدو من الموجع جداً سماعها على لسانِ من سيصبحوا ، بعد ثلاث ساعات فَقَط ، شُهداء
قبل 19 يوماً ، لم أستطع النّوم طوال ساعات الليل ، صُوَر كابوسيَّة مُستمرة ، لشُهداءٍ يَتم رَمْيَهم من سَطْح الإستاد ، وشُهداء يَتِم طَعْنِهم في مُدرجاتٍ مُظْلِمة ، وشُهداء يُخْنَقُون بكوفيَّاتِهم ، والصورة الأسوأ على الإطلاق .. لشُهداءٍ يَتَكَدَّسُون ، أحياءٌ وأموات ، في مَمَرًّ صغير ، لا يَمْلُك أيًّ مِنهم من أمرِه شَيئاً
قبل ساعتين ، جاءَني في الحُلْمِ ، بين النّومِ واليَقَظة ، عِدة شُهداء ، بملامِحهم التي أعرفها ، وصوتهم ، "يوم ما أبطّل أشجّع ، هَكُون مَيّت أكيد" ، كانوا مازالوا يُشَجّعون ، وكأنّ المُباراة لم تبدأ
المُشكلة ، أن هؤلاء لم يموتوا في محمد محمود ، أو مجلس الوزراء ، أو حتى في ماسبيرو ، الشُّهداء الذين يختاروا الشّهادة ، أقل قسوةً على النّفس من الشُّهداء الذين راحوا غَدراً ، وما تبقى لَنا بعدهم هو الشعور بالقَهْر والعَجْز ، لأننا ، مثلهم ، لَم نَملك من أمرِنا شيئاً
المُشكلة ، أن جُزء من روحنا يَموت في كُل مَرة ، يموت مع كل شهيد ، يموت مع كل تخاذل عن حقه ، وما من شيءٍ صار له معنى أو قيمة ، صور الشهداء على الجدران ، ودَمَهُم على الأسفلت ، وصوتهم في الفيديوهات التي تركوها وراءهم ، ورَوحهم مُعَلّقة بين السماءِ والأرض
أُصَبّر نفسي بأنّ الله مَوجود ، وأنّه يَعلم ويَرى ، وأنّه حَذّرنا مِنَ الكُفرِ بروحِه مهما اشتد الظُّلم ، وأن كُل ما وَرَد مِن سِير الأسبقين ، كان يُعيننا على الاحتمال ، ويؤانسنا حتّى بيأسِ الرُّسل ، الذي يجيء بعده النّصر ، فلا يُرَدّ حينها البأس عن القومِ المُجرمين
وأُفكر ، بعد عام من الثورة ، أن ما صار يُحَرّكني ليس الرغبة في بلدٍ أفضل ، يعيش أهلها حياةً كريمة ، لا يستحقونها ، صار ما يُحركني ، فقط ، أن هُناك شُهداء ، أتمنّى أن أُجْمَعُ بهم ، دون سواهِم ، يوم القيامة ، وأنهم سيسألوننا ، وسيسألنا الله ، عنهم ، وعن دماءهم ، وعن القصاصِ لها ، وإذا توقفنا الآن عن قولِ كلمة الحَق ، فلن نستطيع حينها الإجابة ، فأُعِين نَفسي على التّحَمُّل ، وأُذَكّرها بأن الثورة مُستمرة لأجلهم
26 يناير 2012
عزيزي يوسف شاهين: الثورة مُستمرة

تقولُ الحِكاية ، التي عاصَرْتُ جانباً مِنها ، أن يوسف شاهين ، أثناء إحدى ذروات الحراك السياسي في مصر ، مع اعتصام القُضاة من أجل استقلالهم عام 2006 ، قد اقترح ، مُتحَمساً ، أن يحمل المُعتصمون والمُتظاهرون في قادِم المُواجهات عُصياً وشوماً ، من أجلِ مُواجهة قوات الأمن والبلطجية ، والدِّفاع عن أنفسهم في مواجهة الوحشية المُفرطة التي يتم بها فض اعتصام أو تفريق مُظاهرة .
لَمْ يُلقَ اقتراحه وقتها بجديّة ، وفُضّ الاعتصام سريعاً ، وقُبِضَ على عشرات من النُّشطاء الذين شاركوا فيه تضامناً مع المَطالب المشروعه للقُضاة ، فقرر شاهين أن يبدأ في فيلمه الجديد "نهاية نِظام" ، الذي تحوّل بعد ذلك إلى "هي فوضى" ، مُحققاً صورة مُتخيَّلة لفكرته العظيمة في آخر مشهد أخرجه في حياته: آلاف المواطنين يحاصرون القسم ، ويَشْتَبكون مع الشرطة ، ويُسقطون النِظام ، ذات الصورة التي تحقَّقت على أرضِ الواقع يوم 28 يناير ، بعد أن صارت ثورة ، يخرج فيها الملايين إلى الشارع ، وهُم شَعباً يُريد إسقاط النظام .
ولَم يَكُن يوسف مَعهم ، لأنه قد مات ، أو صَعَد ، وفي صورة شاعرية كان يراهم ، وفي ما هُوَ أكثر: كان يَهْتِفُ وراءهم ، ويُمارس الثورة ، فِعل الإرادة والقوة والرفض والاختيار ، الذي دائماً ما عَكَسه في أفلامه ، مُتَمَنّياً أن يراه وَاقعاً .
تَصَوَّرت ، سُبحان الله ، أن محمد أبو سويلم وعبد الهادي ، بهيَّة وفاطمة ويوسف والشيخ أحمد ، إبراهيم المَدبولي ، وتفيدة بنت حسونة ، يحيى شُكري مُراد ، وشكري مُراد ، قد ساروا ، وثاروا ، فوق كوبري قَصر النيل يوم جمعة الغضب ، تصوَّرتهم ، وقد راح كُل مِنهم يَشِد على يد الآخر ، مُعزياً ، في الرَّجل الذي ، لفرطِ الثِقة ، قد جَعلهم يُغَنُّون "الشارع لِنا" ، وتركهم ، قبل أن يرى الشارع وقد صار لهم بالفعل .
(2)
هيَ مُصادفة ، حتماً ، ولكن لابُد وأن لها ، ككل شيء آخر ، معنى ، في أن يكون ميلاد يوسف شاهين في الخامِس والعشرين من يناير .
كُنت أكتُب ، قبل عام ، في ظهر 25 يناير 2011 ، أن عين يوسف كانت تَعكس دائماً صورة مُثلى لبلادٍ أحببتها ، تفسح للحلمِ مجالاً كي يتحقق ، وتقفُ مع الثورة إن حدثت ، بل صار الأمر ، لفرطِ الشبة ، أن تتبعه مسيرته ، هُو تتبع لمصر ذاتها ، التي كانت ، في سنينها الأخيرة ، تَكْبُر وتَشِيخ وتَعْتَل ، ومِثلها كان .. يَكْبُر ويَشِيخ ويَعْتَل ، يَنْحَدِر هُو بمسيرةٍ سينمائية ، وتنحدر هيَ بكُل شيء آخر .
ثم كان ما حدث في الخامس والعشرين من يناير ، نَزَلتُ إلى الميدان ، ووجدته مُمتلئاً ، نَوَيْنَا الاعتصام ، فَفَرَّقونا ، ورَحَلنا ، بنيّة العودة إلى تِلكَ الأرض من جديد ، وحَدَث ، فقُمنا بثورة ، وأسقطنا نِظاماً ، ولم أستطع ، طوال الوقت ، مُراوضه أن كُل هذا قد بدأ يومها ، وأن ذكرى الميلاد قد صارت واحدة: الثورة ويوسف .
(3)
لم أكْتُب عنه بالأمس لأنّي كُنت هُناك ، وتمنَّيتُ أن يكون هُو أيضاً كذلك ، وفي لحظةٍ ، تخيَّلت ، لا أنّني أكتب عَنه ، ولكن أكتب له:
تَعلَمُ كُل ما حَدث ، وأنه مَرّ على مصر نهاراً كالثامن والعشرين من يناير ، لن تعود بعده إلى سابِق ما كانت عليه .
أنه كان هُناكَ شعباً ، وخفافيش سوداء ، وأننا انتصرنا ، ما ظنناه ، وقتها ، نصراً بيناً ، ونهاية للأمر ،بسقوطِ الوَحْش ، والوصول للأميرة .
ولكن ، لم تَسر الأمور على هذا النحو ، ووجدنا ، للعَجب ، أن ما فات كان أسهل ما في الأمر ، وأن الثورة لا تتوقف ، لأنه ما مِن نهاية ، كُلما تُسقط وَحْشَاً ، تُواجهك وُحوشاً ، وإذا كُنا قد تعلّمنا شيئاً ، بعد عام كامل ، فهو أن تِلك هي طبيعة الأمور ، وما من حَدٍّ سَيُعْلَن عنده انتصار الثورة ، ولذلك سَتَظُل مُستمرّة ، وسَنستمر معها ، لأن اليأس ، كما قال أمين ، خيانة للشهداء ، ولأننا يَنْبَغي أن نَفْرح ونَسُر ، كوننا قد عَرفنا الثورة وعشنا معها .
عزيزي يوسف شاهين: الثورة مُستمرة .
27 أغسطس 2011
سِت حِكَايات عَن المُؤانسة
(1)
المؤانسة بالأمل

لَم يَكُنّ "القصبجي" يَعْلَم أن "رَقّ الحَبيب" هيَ آخر ما سَيُلَحّنه في حياته ، ولكنّه مع ذلك أخرج فيها كُل ما يَعْرفه عن المُوسيقى وعَنْ العِشْق
كان في "أم كُلثوم" شيئاً جاذباً ، يَدْفع الرّجال ، ليس فَقَط لأن يحبُّونها ، ولكن بأن يُفَضّلوا دَوماً البقاء بقُربها ، مهما بدا ذلك قاسِيَاً وصَعْبَا
أحبّ القصبجي أم كلثوم ، وارتضى بأن يتحوّل "الأستاذ" و"الموسيقار" العظيم الذي تَتَلْمَذّ على يَده الجَمِيع ، والذي كان ليُصْبح - ربما - أعظم مُوسيقي مَصْري في القرنِ كاملاً ، إلى عازِف عُود وَرَاء "السّت" .
ولَكِنّ التَّفسِير وَاضِحاً ، ليْسَ فَقَط لأنّها "أم كلثوم" ، ولكن لأننا نَمِيلُ إلى الأَمَلِ دَوْمَا ، لا نُريدُ فٌقدانه ، مهما بدا ما نُريدُه بعيداً ، نُغالط الحَقَائِق ، ونُبادل ما لا نُريد تَصْدِيقه ، لِيَزْدَاد الشّوق بالوَلَعْ .
لهَذَا ، اعْتَقَد "القصبجي" دوماً أن تَضْحيّاته تٌُقرّبه ممّا يُريد ، واستعد بأن يُضَحّي بكُلّ شيء آخر ، بما في ذلك موْهِبتُه الفذَّة ، مُقابل أن يُبقى على "أملِ" أن تُصْبِح "أم كلثوم" حَبِيبته ، مَثَلَهُ كَمَن تَرْك تسعة وتسعون خروفاً في البريّة ، وذَهَبَ لأجلِ الضَّال ، وماتَ دُونَ أن يَجْده .
ولكن ، مع ذلك ، لَمْ يَكُن "القصبجي" لِيَعْش يوماً بغَيْرِ الأمل ، وَبقُربِ الضَّال .
(2)
المؤانسة بالعَتَب

ظَلَّت العلاقة بين "حسن شحاتة" ، أحد رموز نادي الزّمالك على مرّ تاريخه ، وجمهور الفريق ، في أحسنِ حال ، منذُ بدأ اللّعب في النادي في بداية السبعينات ، وحتى يناير 2010 ، كانوا دائماً هم السَّنَد له ، وتحديداً في السّنوات الأخيرة ، بعد أن أصبح المدير الفني للمنتخب الوطني ، تطالُه الكثير من سهام النَّقد ، أكثرها حقاً وبعضها بهتاناً ، ولكن في كُلّ الأحوال ظلَّت جماهير الزّمالك بجانبه ، ظالماً كان أو مظلوماً .
ولذلك فإن تِلْكَ الجماهير ، لم تَقْبل من أحد رموزها ما اعتبرته "خيانة" ، ولا شيء أقل من ذلك ، حين استدعى شحاتة لاعب الفريق "أحمد حسام ميدو" لمعسكر إعداد بطولة كأس أمم 2010 ، وقرر الاستغناء عنه بشكلٍ مُهِين ، كردّ على واقعة الصدام الشهيرة بينهم في مباراة السنغال عام 2006 .
رَحَل "مِيدو" عن النَّادي ، وحَمَّلت جماهير الفريق "شِحَاتة" مسئولية هذا الرحيل ، خَسِرَ الزّمالِك الدّوري ، فَشَلَ "مِيدو" في الاحْتِراف ، خَسِرَ الزّمالِك الدّوري من جديد ، وعادَ "مِيدو" بعد أن لَفَظَتْهُ أوروبا ، بَقَت الكثير من الأشياء على حالها ، عدا شيء واحد قد تغيّر : أصبح شحاتة بالنسبة لجماهير الزمالك ابناً ضالاً لَمْ يَتُبّ .
وانحدر كُل شيء مع "شحاتة" بالتوازي ، ساءت أموره مثلما ساءت أمور ناديه: تأييده المُطْلَق للنظام السابق أثناء ثورة يناير ، اضطراب علاقته بإتحاد الكرة بعد سقوط النّظام ، الأداء الباهت الذي يقدُّمه منتخب مصر في الفترة الأخيرة ، وأخيراً : خروج المنتخب من تفصيات الكأس التي حمل لقبها لثلاث مرّات على التوالي ، والنّتيجة: عَزْل شِحاتة نفسه عن كرسي المدير الفنّي الذي ظلَّ عليه لمدّة سِت سنوات .
وما يَهِمَّني ، هُوَ مَا حَدَثَ بعد كُل هذا ، جرافيتي رُسِمَ لشِحاتة على جُدران النَّادي في "ميت عُقبة" ، يَحْمِل صُورته شاباً ، لَمْ يَفْقَد براءته وحُبُّه غير المشروط لناديه ، وتَحْتَهُ كُتِبَت كَلِمَات حَمَلَت روح الشّعر حتى وإن فقدت إيقاعه :
"إحنا أهْلَك / إحنا رجَّالتَك أمانَك / إحنا وَقت الشدّة سَنَدك / إحنا زادَك / يا حَسَن .. لو كُنْت ناسِي / إحنا ناسَك"
عَتَب مِثَالي بالنِسْبَة لابنٍ ضال: مَنْطُوق مِن مَوقِف قُوة ، مؤانِس في أكثر أوقات الضَّعف ، يؤكد - في كُلْ شَطْر - على صِفات ذكورية : "أهلك/رجّالتَك/سَنَدك/زادَك" ، ولا يَنْسَى عَتَب المُنَادي - بحَسْمٍ - عقب مناداته "لو كُنت ناسي" فَيُذَكْره : "إحنا ناسَك"
(3)
المؤانسة بالعَجْز

لَم يَكُن المخرج الأمريكي "جون كازافيتس" يَصْنَع أفلاماً ، كان يُحاول في الحقيقة أن يَعِيشُها ، نَجَح حيناً وفشل أحياناً ، وظلَّت أعماله مقرونة قبل أي شيء بـ"التَّجربة"
في فيلمه الأهم "امرأة تحت التأثير" يَسْرد الرَّجُل قصة امرأة تُدْرك جُنُونِها ، تُحاول التّغلُّب عَلَيه لأجل أسرتها ، تَعْرف أن لديها زوج وأبناء ، تَعْلَم أنها خَطَر عليهم ، تُقاوم الجُنُون من أجل البقاء مَعَهُم .
الزَّوج في المُقابل يَعْرِف هُوَ الآخر بجنونِ زوجته ، وهُو يحبها ، يحبُّها كثيراً ، ويُريد الحِفاظ على تِلْكَ الأسرة أكثر من أي شَيء آخر .
الحياة في المقابل ، كَطَرفٍ ثالث بينهم ، لَيْست طيّبة على الدّوام ، لا يعني أبداً أن هذا هو أكثر ما تُريده أن تَصِل إليه بالفعل ، لذلك يزداد جُنون الزّوجة ، وتزداد الضُّغوط على الزّوج كي يُدخلها إلى مَصَحَّة .
هُناك عَجْز شديد هُنا ، المَحَبّة ليست كافية ، والاتّكاء على الكَتِفِ القَرِيب لا يَعْني بالضرورة الشُّعور بالحِمَاية ، إن كان هذا الكَتِفِ هو الآخر عاجزاً .
وفي الخِتام ، لَيسَ هُناك مَهْرَب مِن هذا الجنون ، ولكن هُنَاكَ مُحاولة ، صادقة أكثر من أيّ شيء آخر ، للمؤانسة .. ولو بالعَجْز ، وبالاحتواءِ .. وإن كان بِرَسْغٍ مُرْتَعِش ، وبالدّفء .. حتى لو باحْتِضانٍ لا يَحْمِي تماماً مِنَ السَّقِيع .
(4)
المؤانسة بالعَهْد
يُرْوَى ، ضِمْن أَعْظَم مَا جَاء في السّيرة ، أن الشَّهيد "أنس ابن النّضر" قَد التَفَتَ نَحْو "سَعد بن مُعاذ" ، في مُنْتَصَفِ "غَزْوة أُحُد" ، قائلاً له : "يَا سَعْد ، الجَنّةَ ورَبُّ النّضر ، إنّي لأجدُ ريحها مِن دونِ أحد"
ولَمْ تَكُنّ الجَنّة عن "أنس" ببَعِيدَة ، فَقَد عَاهَد الله على الشّهادة مُنذُ فاته يَوم "بَدر" ، ووَقَفَ بَين يَدِيّ النّبِيّ (عليه الصلاة والسّلام) قائلاً : "لئِن أَشْهَدَنِي الله قِتَال المُشْركِين ، لَيَريَنّ الله مَا أَصْنع"
فَلَمَّا جَاء يَومُ "أُحُد" ، وشَاعَ بَيْن المُسلمين أن رَسُول الله قَد قُتِل ، صَرَخَ فيهُم "أنس" : "إن كانَ قَد مَات ، فقوموا وقاتِلُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْه" ، فَنَزَلَت: "ومَا مُحَمَّدّ إلاّ رَسُول قَدْ خَلَت مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل" ، وانْطَلَق "أنس" يَشُقُّ صُفوفَ المُشْركين ، حتّى سَقَط شَهِيداً ، يَنَالُ الجنّة بَعْد أن وَجَد ريحِها، فَنَزَلَت "مِنَ الْمُؤمِنِينَ رِجالاً صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْه"
قِيلَ أنّ النّبي حين تَفَقّد شُهداء أُحد ، وَجَدَ "أنس" وبه بضعة وثمانون جرحاً ، ما بين ضربة بسَيْف ، وطَعْنة برمْح ، ورَمْية بِسَهْم
قِيلَ أنّ المُشركين قَدْ مَثَّلُوا به وغَابَت مَلامِحْه ، فَلَمْ يَعْرفه أحد إلا أُخته "الرَّبيع بنت النّضر" لعلامةٍ في إصبعه
قِيلَ أن سَعْد قَد بَكى بشدّة وهُوَ يقولُ للرّسول: "فما استطعتُ يا رَسول الله ما صَنَع"
(5)
المُؤانَسَة بالمَحَبّة
أُحِبُّ الكِتَابة عَمَّن أُحِبَّهُم ، الأشْخَاص يَتَغَيَّرُون ، مِنْ الحِكْمة تَصْدِيق أنّ الدُّنيا (قد) لا تُبقِي الأشياء على حالها ، مَهْما بَدَت صَلْبَة ، لَسْتُ حَكِيمَاً ، ولَكِنّ الكِتَابة تَحْفَظُ المَشَاعِر .. ولو بالذّكرى .
وللمَحَبَّةِ أنواع ، أَعْظَمَها .. هِيَ تِلكَ غَيْر المُسَبَّبَة .. غَيْر المَشْرُوطَة ، أنا الّذِي أُحِبُّك .. فأنا المَدِينُ لَكَ بِكُلّ شيء ، وهَذَا يَكْفِي
***
تَعْتَبِرُ البنت السَّمْراء البَدِيعة ، "العقل اللي يوْزِن بَلَد ، والقَلب الكبير اللي قد الفيل" ، أن أكثر الأوقات القريبة بيننا هيَ تِلْكَ التي سِرْنَا فيها ضمن أكثر الأماكن قُرباً لها ، أو تِلْكَ التي شَعَرَت فيها بالحِمَاية والأمان فقط لأنّنِي هُنا ، رغم أن كُل شيء آخر كان يُفَضِي إلى غَيْرِ ذَلك .
وبالنّسبةِ لي ، لم تَكُن لَحْظة واحدة ، أو بِضع لَحَظات ، رغم كَثْرتها ، فقط أُفكّر دوماً أنني لم أَكُنْ لأصير هذا الذي أنا عليه في تِلَك اللَّحظة ، وهو أفضل كثيراً مِمّا كُنته قبل عدّة أشهر ، لو لَمْ تَكُن هِيَ هُنا .
والحِكَاية هُنا في التَّفاصيل ، حَيْثُ تَكْمُن رَوح الله ، الَّذِي آلَف القُلوب كَيْفَمَا شاء ، ليُؤانِس عِباده بالمَحَبّة .
(6)
المؤانسة بالكِتَابة
هذا البُوست كَافِيَاً لِذَلِك !
22 أبريل 2011
وَبَشّر ...
في بَعضِ الأحيان ، يَظهر نور الله ساطعاً في أرضِه ، تَسِير الحياة هادئة ، تكون النّفس مُطمئنّة ، يَستمعُ الرّب إلى عباده ، يُباسِمهم في الصّحو ويآنِسهم في المنام ، ولا يبدو بعيداً عندها أن تسير الأمور بخيرٍ إلى الأبد
وفي أحيانٍ أخرى ، يقول الرَّب للشيطان هو ذا كل ما له في يدِك* ، يَختفي النُّور وتكتِمِلُ الظُّلمة ، يقتربُ اليأس فيبدو الكُفر بروحِ الله قريب ، لولا أن منحنا بحكمته الصّبر
وبالمثلِ ، فإنّ كلَّ اختبارٍ من الله لأنبيائه ، يُنَبّئنا في جوهره بانتظارِ تأويل ما لا نستطيع عليه صبراً ، لنستمسك به كلما اختبر فينا إيماننا بحكمته ، ونَسْتَظِل بوجوده حتى إن انقطعت إلينا سُبُل رحمته ، لا نيأس من روحِ الله .. فَيُبَشّر الصابرين منّا ويجزي الصادقين ، ويكتملُ الإيمان .. يومَ نرجُو ما لا نَنتَظِرُه ونُصدّق ما لا نَراه
* سفر أيُّوب ، الإصحاح الأوّل ، آية 12