13 يوليو 2013

أوّل الصيف اللي فات (نسخة عاميَّة)

مُفتتح توضيحي:

- من أكتر من شهر ونُص كتبت بوست عن «الإدراكات اللي بتيجي بعد ما الوقت يفوت»، كنت بفكَّر إن عنوانه يكون من غنوة فيروز «تنذكر ما تنعاد»، رُحت أسمعها ولما خلَّصت كتبت بوست تاني عن الأغنيَّة، وأبقيت البوست الأصلي مش عارف هنزله امتى أو هنزله أصلاً ولا لأ

- كنت كاتب البوست بالعاميَّة، ولما قريته بعدها بأسابيع مكنتش متأكد إذا كانت روحه بالعاميَّة ولا الفُصحى، فقررت أصبر بعض الوقت وأعيد كتابته من الذاكرة مرة تانية بالفُصحى ثم أقرر، الفكرة إن العامية شيء ذاتي أكتر.. انتَ بتحكي عن نفسك تماماً، الفُصحى تبدو أكثر حِكمة.. انتَ بتدوَّر على مساحات مُشتركة بينك وبين الآخرين وبتدارى ورا بَزخ اللغة العربية، عشان كده يبدو الأفضل إني أنزل النسختين ومفضلش أفكَّر كتير

- البوستين فيهم نفس الفكرة الرئيسية، ونفس المواقف اللي بَحْكِيها أو بَسْرد بيها اللي عايز أقوله، بس بعد ما خلَّصت حسيت إنهم مُختلفين بدرجة ما، والزَّمن –فرق الشَّهر ونُص.. كِبرت فيه- يبدو واضح فيهم

- أنا بنبسط لما بَكْتِب بالأريحية دي، وإني بقيت بَكتب أفكر أتكلم بالأريحية دي دايماً، «أعمل مِغَمَّض كإن الدنيا عارفاني» زي ما فؤاد حدَّاد بيقول

- البوست ده كُتِب يوم 25 مايو اللي فات، معدّلتش فيه حاجة، اللي بعديه اتكتب النهاردة.. 13 يوليو.. قبل ساعات من سَنة عُمري الجديدة، وبدا مُناسب جداً لده

- بَفكَّر، حالاً، لأسباب واضحة، إنه البوستين إهداء لهبة.. "لأجلِ هبة" كما تُحِب دَوماً..لسنة 2011 وأول 7 شهور في 2012، معرفش إيه قيمة الإهداءات بشكل عام، بس ساعات.. زي دلوقتي.. بَشعر إني عايز أعمل ده


.
.

فيه فِكرة ما، حَزينة جداً، بفكَّر فيها مؤخراً، عن إن أجمل لَحظة في حياة كل واحد هتعدّي من غير ما يكون عارف إن دي أجمل لَحظة في حياته

الجانب الحَزين، في صورة أشمل، مش مُرتبط تحديداً بـ«أجمل لحظة» دي، بس هو عن الحاجات الكويّسة والعَظيمة في الحاضر اللي ممكن تعدّي عشان إحنا متعوّدين عليها، مش هَنُدرك قد إيه سيء إننا مَعرفناش غير بعد ما تعدّي

مَثلاً، مؤخراً بَقيت أطبُخ كتير في بيتي الجديد، بقيت أصِف الأمر بإنه «أروق حاجة في العالم»، العب بالتوابل، وعُكّ بانبساط فمفيش أكلة هَتِطْلَع وِحْشَة، في كل مرة بعمِل كده بتذكّر هِبة، بتذكر تحديداً اليوم ده في صيف السنة اللي فاتت، رجعنا من الشغل، وقررت –على غير العادة في تلك الأيام- إني أطْبُخ معاها، شغلنا أم كلثوم، ودخلنا عملنا أكل سوا، هي كانت مَبسوطة، وأنا كمان، والأكل طِلِع عَظيم، فاكِر إن يومها حَطيت أغنية «يا أنا» بتاعة مُنير عَ الفيس بوك لأجلها، كتبت «يَا سُكّر بالهَنا» و«هَتْجِيني تلاقيني ساكِن في الوَطَن»، ومعرفش ليه تحديداً مَطَبَخْتِش معاها مرة تانية، وبعد سنة.. أظن إن دي أكتر ذكرى بفتكرها بينا، وكل مرة بَطْبُخ ببقى عايز أجيبها من البلادِ البعيدة ونُنْفُض كل الذكريات التّقيلة من على كتفنا عشان أقولها إني «بُصي بقيت أعرف أطبخ كويس إزاي»

الأسوأ هو الإدراكات اللي بتيجي بعد ما الوقت يفوت، إنك تتعوّد على حاجة فمتقدرش تُدرك قد إيه هي مُدْهِشَة غير لما تروح، الأصدقاء المُقرَّبين مَثلاً.. أو حتى الأحباء، بالتعود الأمور بتفقد سِحرها، بتنسى قد إيه الشخص ده حِلو أو جميل أو مُدْهِش، ممكن تَنْجَذب للهالة بتاعة بدايات شخص تاني، أو تبقى عايز تِوَطَّد علاقتك بشخص أبعد باعتبار إن الشخص القريّب ده مَضمون ومؤكد، بس هو مفيش حاجة مَضمونة ومؤكدة، مَعنديش طريقة ما في إن الناس تُبقي على دَهْشَة علاقاتها وعلى رؤيتها للحُسْن في الأقربين منها، بس دي حاجات تستدعي المُحاولة، عشان اللَّحظة المُستقبلية اللي ممكن يبقوا فيها أبعد هي لَحظة فَقد مِثالية

بقى عندي جرأة في آخر شهرين إني أوصَّف «الغابة النرويجية» بتاعة «هاروكي موراكامي» باعتبارها «روايتي الأجنبية المُفضَّلة»، أدب الراجل بيتعلق كله بالذكريَات والماضي والعوالق اللي بتتبقى ومحاولة الناس التحرر منها، ودي أكتر حاجات فكَّرت فيها في آخر 10 شهور في حياتي، عشان كده كان فيه المساحة دي من الانغماس، بس «الغابة النرويجية» بتتجاوز ده.. في نُصها التاني بقت شِبة سيرة ذاتية ليَّ، بَقيت بَدفع البَطَل للخيارات اللي شايف إني مَفروض آخدها
/صَح إني أخدتها، وفي لحظة من أكتر اللحظات المُدْهِشَة في الرواية.. «ميدوري» بتسيب فيه جَواب لـ«واتانابي»، بتكتبه أثناء مقابلة بينهم بعد أسابيع من اختفاءه، بتقوله إنها كانت بتشاغل أفكارها السلبية عن حقوقها عليه وإنه لازم يراعيها أكتر من كده، وإنها كانت جايبة بيجامة عشان تبات معاه في شقته وتعمله أكل وترعاه هي وتخفف حزنه الليلة دي عَ الأقل، بس عارف إيه أسوأ حاجة.. إنك كنت غايب لدرجة إنك مبصتليش كفاية، مخدتش بالك إني قصيت شَعري تماماً، مقلتش «شكلك حِلو يا ميدوري»، أنا شايفاك دلوقتي وانتَ جاي بعد ما جبت الشاي، بفكَّر إنك لو قلتها وحسيت بس إنك انتبهت ليَّ هقطع الجواب ده وآجي معاك زي ما كنت مِخَطَّطَة، «موراكامي» عارف تحديداً الحاجات اللي ممكن تِضيع عشان شعورنا بالثقة من كونها مَوجودة، وبَطله بعد ما قرا الجواب وشاف «ميدوري» في الجامعة تاني يوم راح يكلمها فرفضت، بعتلها تلغراف في آخره بيقولها «أنا عارف إن ده متأخر جداً جداً جداً.. بس حقيقي قصَّة شعرك عَظيمة وشكلك حِلو»، بس هو ده فعلاً كان متأخر جداً

بس أرجع وأقول، إن الحاضر مش مُهم أوي، مقادير الألم والفَقد والحُزن هي أشياء قاسية، بس بتعدّي وتمرّ، الأيام مش بتقف، المُهم فعلاً هو اللي «بيتبقى لَكُم» من الذكريات والتجارب والناس وأنْفُسْكُم، عشان برضه محدّش يعرف إيه المُهم في الحياة.. كل التجارب السيئة اللي بتظن إن الدنيا هتقف عندها ممكن تبقى بس بتحضَّرك للحظة أهم تُدرك فيها الحاجات في وقتها ومتخلّيهاش تعدّي

هناك 4 تعليقات:

نهى جمال يقول...

مش عارفه ليه البوست ربكني لدرجة الحُزن

يمكن عشان بخاف من المواقف اللي ممكن تيجي متأخر جدًا أما تفقد معناها لأنك فضلت منتظرها لحد ما زهقت !

محمد المصري يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
محمد المصري يقول...

بس هو لو الحاجات جات متأخر مفيش حاجة في إيدِك تعملها أصلاً، فيه أسى بس مش هتلوم نفسك على حاجة، الرُّعب الحقيقي إنك انتَ اللي تروح متأخر

فيه لحظة كده في فيلم Sideways من أعظم اللحظات في السينما، وزي اللي وصفته فوق في الغابة النرويجية، الحُزن عن حاجة كانت قدامك طول الوقت ومأدركتش قد إيه ده مُهِم غير بعد ما ذَهَبت

نهى جمال يقول...

مشكلة إنك تكتشف الأشياء المُهمة متأخر تقريبًا مآساة القرن ده :) وممكن نكتشف إن نُص مشاكلنا تنحصر في إننا بنتأخر وبنعمل الفعل بعد رد الفعل :)