"وحياة مَريَم متزعلش"
- وحياة مَريَم خلاص مش زعلان
15 مايو 2009
12 مايو 2009
ستمشي وحيداً
لا أؤمن أبداً بمحاولة إعطاء أسباب منطقية دعتك لتشجيع فريقك ، ربما لأن أغلب تلك الأسباب ستراها لأنك شجعته ولم تشجعه أولاً لأنك رأيتها ، لذلك فسؤال كـ "لماذا شجعت الإسماعيلي ؟" لن يجد عندي إجابة ككونه يقدم أفضل كرة في مصر مثلاً ، لديّ أسباب كثيرة يطول شرحها بشدّة لكوني منتمياً له ولكن كلها شخصية وذاتية جداً ، أيٌّ منها لا يصلح كإجابة تحتمل المنطق إن أردته ..
مع الوقت أصبح الإسماعيلي بالنسبة لي شيء شخصي للغاية ، ولذلك سببه أيضاً : أن تكون قاهرياً يستدعي بالضرورة خياراً من اثنين في السؤال السخيف "انتَ أهلاوي ولا زملكاوي ؟!" ، في كلتا الحالتين ستجد أنصارك حولك .. هؤلاء الذين سيستشعرون معك ( معنى ) الفوز أو الخسارة ، في حالة تشجيع الإسماعيلي فالأمر بسيط : لن تجد من يشاركك ذلك .. ستمشي وحيداً ، وطالما لا يشاركك أحد في شيء يزداد ارتباطك به ويصبح ملكاً لك .. أنتَ المدافع عنه .. أنتَ المستشعر لمعناه .. أنتَ المُحَمّل بهزائمه .. وأنتَ – الوحيد أيضاً – الذي ستدرك كم ( النشوة ) التي يحملها إحراز المعتصم سالم هدفاً في الدقيقة 93 مثلاً .. أو كم ( الفخر ) الذي يجلبه كونك محققاً لأكبر نتيجة لفريق مصري بالجزائر ..
سبب آخر لكون الإسماعيلي تحوّل من نادٍ أشجعه لأمر شخصي ، سبب آخر له علاقة بشخصيتي هذه المرة وهو كوني "عاطفياً" للغاية :
الأُناس الذين أحببتهم .. الأفلام التي كُنتُ فيها .. الأستاذ الذي قَسّمت نبض قلبي بيني وبينه .. أو الآخر الذي كثيراً ما أرشدني نورخياله .. والإسماعيلي ! ، أشياءٌ كهذه تتجاوزني مع الوقت .. تتخطى إحساسي بها لتصبح جزءً مني .. هي أنا، لا أعلم إذا كان الارتباط إلى هذا الحد – كما سألني صديق ذات مرة - صحيح أم لا .. ولكني أعلم أنني لم أكن لأغيره لو استطعت
عودة إلى الإسماعيلي الذي فاز اليوم
كُنتُ هناك ، تجاوزتُ ضيقي من طول المشوار إلى إستاد الكلية الحربية وغضبي من المعاملة "المتخلفة" من الأمن و"خنقتي" – الفعلية لا فقط المجازية – من الزحام والتكدّس الجماهيري المنتظر ، كان لديّ شعور – ساذج ربما – بأن تلك هي الحالات التي يمكن فيها أن يكون وجودك مسانداً لفريقك هو ما يصنع الفارق ، تخيلت – ولم أقرر – أننا لو انهزمنا ستكون تلك هي مباراة اعتزالي ، ليس للخسارة في حد ذاتها – كم تجرعتُ منها ؟؟ - ولكن لشعورٍ – ساذج مرة أخرى ! – بأن ذلك سيكون خذلاناً شخصياً لي مباشرة ، الإسماعيلي يلعب في هذا اليوم من أجلي فقط .. يلعب كي يفرحني .. كي يخبرني بأن الأمور ليست بهذا السوء .. كي يربت حمص على كتفي في النهاية مطالباً إياي بالابتسام .. مبتسماً هو وطالباً "متزعلش ، لن تمشي وحيداً أبداً"
أحب تلك المباريات التي نلعب بها جيداً لدرجة ترضيني ثم ننهزم ، عن تلك التي نفوز فيها وأشعر بأننا لم نلعب أصلاً ، مثلاً أحب مباراة بتروجيت التي انهزمنا فيها 2-1 – في الإسماعيلية ! – عن تلك التي تليها في بورسعيد حيثُ فزنا على المصري 2-1 أيضاً – حيثُ أرادَ الله حينها أن أحقق وعداً قد وعدته ، فأحرز عبد الله هدفين من الكرتين الوحيدتين الذين وصلا إلى مرمى المصري ومن خارج المنطقة حتى ! - ، اليوم لعبنا بشكل سيء للغاية ، أهم خمسة لاعبين بالفريق ثلاثة منهم غابوا واثنين لعبوا مصابين ، ولكن ليسَ هذا هو سبب امتناني لهذه المباراة رغم سوء المستوى ، السبب هو أن الإسماعيلي أحبَّ أن يفرحني رغم كل شيء
أنا فخور بهذا الفريق رغم كل الهزائم التي مُنيت بها من خلاله ، فريق يفقد في بداية الموسم لاعبيه الثلاثة الدوليين – من ضمنهم أفضل لاعب في أفريقيا - .. وتُفقِده الإصابة مهاجمه وهدافه الأول لأكثر من 90% من مباريات الموسم .. ثم تفقده في المنتصف "الظهير الأيمن" الأساسي ، ومع ذلك مازال مستمراً في المنافسة على الدوري رغم أن أكثر المتفائلين – وأنا منهم – لم يتوقع للإسماعيلي أكثر من المركز الرابع هذا الموسم في ظل كل الظروف السيئة – التي يطول شرحها – التي مرّ بها قبل بدايته ، كنا سيئين في أوقات كثيرة ونافسنا لأن الآخرين سقطوا وليس لأننا تفوقنا ولكن استمرارنا في حد ذاته شيء لم يكن متوقعاً ، أنا فخور بهذا الفريق حتى لو لم يفز بالدوري .. يكفينا أننا هنا : من كان يصدق ؟؟
هوامش :
- أحياناً كثيرة أفكر أن وجود محمد حمص فقط كافي لكي أستمر في تشجيع هذا الفريق حتى لو هبط للدرجة الثانية
- أكثر ما أحزنني اليوم هو إصابة عمر ، وأكثر ما مسّني هو نزوله بعد المباراة – محمولاً من اللاعبين – يحيي الجماهير بعد أن نادت عليه ، هل هناك أجمل من ذلك ؟؟
- حينَ فُزنا بدوري 2002 كانت مباريات الموسم تُلعَب في أوجِ انتفاضة الأقصى الثانية ، وقتها كان هناك هتاف جماهيري فطري للغاية: "القدس عربية .. والدوري في الإسماعيلية" ، اليوم كُرر الهتاف ثانياً .. عشرين ألف مُشجع يرددوه ، لسببٍ ما شعرتُ ب"الانبساط" .. كان هذا أكثر صدقاً من هتافات كثيرة رددتها لفلسطين وسط مناضلي نقابة الصحفيين
- شكراً يا إسماعيلي ، خذلتني كثيراً ربما ، ولكن المميز فعلاً أنك لم تخذلنِ في أيَّ وقت راهنت فيه عليك بوضوح
07 مايو 2009
بين تاركوفسكي وحلم البنوتة
أحب تاركوفسكي أكثر كثيراً من محبتي لأفلامه ، أحبّ أن أقرأ له .. و أشاهده يتحدّث .. أو حتى أن أرى أجداً يحبه بمثلِ هذا الشغف ، كل هذا أكثر قرباً لي من أن مشاهدة الأفلام ذاتها – رغم مشاهدتي لكل ما قدمه عدا قربانه ! - ، تاركوفسكي يتعمّد دوماً أن يقتل العاطفة بداخل ما يقدمه أو – بشكلٍ آخر – يجعل العاطفة نفسها كخطاب موجه للعقل وليس للروح ، حتى في حديثه عن أكثر الأشياء قرباً منه : كأمه التي لم يحبُ أحداً مثلها ولم يرَ من أعظم منها .. أو فناناً اعتبره دوماً نموذج لما يحب أن يكونه .. أو حتى شعوره بوطنه وعلاقته به ، يحاول – وينجح – في أن يحيّد عاطفتك تماماً كي "تحاوره بعقلك" دون أن يؤثر عليك بعاطفته ، هو يبحث دوماً عن أشياء ومعانٍ كبيرة .. عن وجود الإنسان .. عن دور الفنان .. عن ( القيمة الروحية ) .. وثالوث الخلق والخالق والطبيعة ، وهناك دائماً شعراً بالسينما - قولاً وصورة -، ولكن في
كل ذلك هناك افتقاد – من جانبي على الأقل – ( للإنسان ) حتى وهو يتحدّث عن كل الأزمات الفلسفية والوجودية التي تخصه ، افتقاد ( للحسّ الإنساني ) وهو جزءً موجود في كلَّ عملٍ فنّي أحببته يوماً
يفعل تاركوفسكي ذلك دوماً ، ولكنه – رغم محاولته – فشل في أن يفعله معي في فيلمٍ واحد أصبح من أكثر الأفلام قرباً لي ، فيلم عظيم بأفكار ورؤى تتصل مع كل أفلام آندريه عن الإنسان والطبيعة والوجود ويتحرّى فيه - للمرة الوحيدة ربما - علاقة كل ذلك بالعلم ، ولكن هذا ليس ( الأهم ) .. الأهم فعلاً حيثُ استطاعت ( العاطفة ) أن تهرب منه وتتجاوز كل محاولاته لتجاوزها أو عقلنتها
Each moment of our dates, not many
We celebrated as an Epiphany
Alone in the whole world
More daring and lighter than a bird
حلمتُ ذات ليلة "ببنوتة" .. حُلماً بمذاق ( الحنين ) ، أشتاقُ بقدرِ ما أحب .. وقد أخبرتها يوماً بأنني أحبها لآخرِ ما أستطيع ، ولم أشعر قبل ذلك كم ( أفتقد ) وجودها جانبي بأكثر مما شعرته في هذا الحلم
- أنا حلمت بيكِ إمبارح ، مكنتش ناوي أقولك بس يخرب بيت المعيلة
- لأ قول عشان خاطري ، أكيد حلو طالما أنا فيه
- أنا معرفش أشوفك غير في كل حاجة حلوة
- :) ، طيب قووووول بقى
لم يكن شيئاً بأكثر من كوننا معاً .. أراكِ .. أتلمسك .. أصمتُ كي أسمع صوتَك .. وتصمتي كي أفهمك دون حديث .. وأُحبّك حينها لآخر ما أستطيع
"كنا سوا ، في بيت ، في مكان ، حتة معرفهاش ولا شفتها قبل كده بس كانت مليانة دفا وحميمية ، يمكن بس عشان انتِ كنتِ موجودة ، قلتي لي حاجة ضايقتني وقلتلك بلاش تعمليها ، قلتي لي مش هتعمليها بس مش مقتنعة ، - حتى في الحلم لمضة ؟؟ - ، قلتلك مش عايزك تعملي حاجة مش مقتنعة بيها عشان عمري ما هحب أغصبك على حاجة .. أنا بس بخاف عليكِ ، وديّت وشّي الناحية التانية كإني مقموص .. حركتي راسي ناحيتك بشويش وابتسمتي وقلتي لي "متزعلش" ، امتى كنت بعرف أزعل منك أصلاً ؟؟ ، مسكتي بعدها إيدي وقلتي "هقرالك الكف" .. قلت "يا سلام ، من امتى بتعرفي تقري كفوف ؟" .. قلتي "تؤ مبعرفش أقرا كفوف بس هعرف أقرا كفّك انتَ" ، حرّكتي صوابعك على كفّي وقلتي حاجات لسه فاكر رنّة صوتك زي ما تكونِ بتقوليها دلوقتي في وداني
لحظتها – في الحقيقة – موبايلي رنّ أو باب بيتنا خبط ، حصل حاجة خلتني أعرف إني في( حلم ) من غير ما أفتّح عنيا ، بس عارفة أجمل حتة في الحلم ده كانت إيه ؟ ، إني كملت نوم وأنا مدرك إنه حلم ، وجوا الحلم نفسه خدتك وجرينا برة المكان أو البيت اللي كنا فيه ، معرفش كنا فين ولا رايحين لفين بس كنت بهرب بيكِ من رنة الموبايل أو خبطة الباب أو أي حاجة ممكن تفرّقنا ، كنا سوا .. جرينا على قد ما نقدر ، وفي آخر الحلم .. قبل ما أصحى بثواني ، حضنتك جامد .. كانت عينك مدمّعة ودموعك نزلت على كفي اللي كنتِ لسه من شوية بتقريه .. قلتلك إني مش عايزك تمشي ، وغمضت عيني جوا الحلم عشان يفضل ( حلم ) ، كنت زي اللي بيهرب من حاجة هو عارف كويس إنها لازم تحصل ، بس غمضت عيني ولما فتحتها ... كنت صحيت ! بس انتِ كنتِ مشيتي !!"
كل لحظة كنا فيها معاً
احتفلنا بها كميلادٍ جديد
وحدنا كنا في الكونِ كله
ِ أكثر خفّة من أيَّ طائر
في الرومانسية الوحيدة التي قدمها تاركوفسكي في مسيرته هناك رجل يحاول الهروب بماضيه لأبعد ما يستطيع ، وكأنه يحاول أن يرميه في الفضاء البعيد ، ولكنه يقابله في مهربه الذي التجأ إليه ، هناك رجل يقابل زوجته بعد عشر سنوات من رحيلها في كوكبٍ بعيد يدعى سولاريس ، رجل أضناه البعاد وأتعبه البحث ولم يلحظ أحد كونه قد قُتِلَ حنيناً ، حينما قابلها هناك أدرك كونها وهماً وأن ما يحدث ليسَ حقيقياً وأن مهما كانت محاولته لأن يحارب قدره بمصيرٍ يختاره بيديه .. فالنهاية ( ستكون ) واحدة .. واضحة من الآن ولا مهرب منها ، ورغم ذلك يستمر .. لقد أحبّ الوهم – فقط – لأنّ هيّ فيه .. أو لأنه هيّ
-----
- الشعر لـ "آرسني تاركوفسكي" .. والد آندريه
- الصور من فيلم "سولاريس" بالطبع