23 مايو 2008

حكمة الدوري المصري



حكمة الدوري المصري في أسبوعه الأخير – والتي يمكن تعميمها لتشمل كل شيء في أرض المحروسة – تبدو واضحة : اللي ليه ضهر ميضربش على قفاه .. واللي ملوش ضهر هينام على بطنه


-----


على الهامش : ملعون أبو الإسماعيلي على أبو الزمالك على أبو الكورة لو كانت بالشكل ده

21 مايو 2008

معركة مازنجر الأخيرة

( 1 )

الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي ارتكبه الفأر وأدى إلى خسارته للمعركة هو اختياره لموقع غير مناسب حيثُ يسهل محاصرته دون مكان للاحتماء أو الانسحاب التكتيكي .. حيث أكثر الأماكن تعارضاً مع قدراته وإمكانياته ، ولأن العوامل الجغرافية تتدخل بشكل أساسي في ميل الكفة الحربية اتجاه أحد موازين القوى .. كان من الطبيعي أن ينتصر مازنجر في معركته الأخيرة ..

المعركة الأخيرة بدت وشيكة منذُ فترة ليست بالقصيرة .. منذُ الفأر الأول الذي اتخذ أسيراً نتيجة الاحتياطات الأمنية والعسكرية التي اتخذتها الدولة وتمثلت في "سم الفئران .. مصيدة الفئران" ووقع هو في شباك الأخيرة أثناء تنفيذه لإحدى عملياته ، وأُعدم بعدها في ميدان عام على مرأى ومسمع من رؤوس الأشهاد باعتباره مناهضاً للحكم وممثلاً لخطرٍ واضح على الدولة ..


صور حصرية ننفرد بها
الفأر الأسير قبل لحظات من إعدامه

وقتها بدا الجميع مدركاً أن هذه ليست النهاية .. وأن الحرب مستمرة والانتقام قادم لا محالة ..

ظل الوضع الأمني والسياسي في حالة سلم لفترة قصيرة ظنّ فيها أصحاب الأرض أن الوضع قد استقر ، وأن الانتصار الذي تحقق كان حاسماً ، وأن الإعدام – الذي قوبل وقتها برفض وانتقاد من بعض معارضي السلطة الحاكمة – قد حقق غايته في بث الرعب في قلوب الخصوم وأجبرهم على الانسحاب بحثاً عن مكانٍ آخر لمهاجمته ..

كان ذلك قبل ظهور الفأر الذي أبطل تلك النظرية ، الفأر الذي يبدو أنه عاد لينتقم ..

لم تكن المعركة في البداية مباشرة بأي شكل ، استخدم بها الفأر المنتقم – كالعادة - قدرته الفائقة في الكر والفر من أجل مهاجمة الدولة بحثاً عن مؤن ولتحقيق انتصارات استراتيجية متتالية تؤثر على النشاط الاقتصادي ، انتصارات حتى ولو بدت قصيرة المدى .. محدودة التأثير ، فإن كونها متتالية دون قدرة الآلية العسكرية على توجيه أي ضربة للفأر جعله يشعر بذاتيته ويتعامل مع الجميع كمظفر مؤقت في حرب طويلة المدى ..

ويروى عن أحد شهود العيان في الموقع الحربي قوله منذ عدة أيام : " ابن الكلب وقف قدام باب الأوضة على طراطيف صوابعه ، حسيت كإنه بيطلع له لسانه ، وأول ما جيت أقوم أو اتحرك .. هووب يروح جاري ، الله يخرب بيت الفيران "

كان من المنطقي بعد ذلك أن يبدأ أصحاب الأرض في إعادة ترتيب معداتهم العسكرية لمواجهة هذا الخطر الداهم ، فأعيد نصب مصائد الفئران .. ووضع قطع الطماطم المحلاه بالسم في مواقع استراتيجية يفترض أن يتناول فيها الفأر عشاؤه ، قبل أن تفكر قيادات عُليا يرجع إليها الأمر الأخير في إدارة الدولة إلى الاعتماد على معدات حربية حديثة كـ "طارد الفئران" من أجل تحقيق نصر حاسم وسريع يُعيد الأمان والطمأنينة إلى قلوب المواطنين ، إلا أن هذا الاقتراح قوبل برفض واستهجان من أحد المعارضين السياسيين نتيجة تأثيره على الوضع الاقتصادي للدولة لأن تكلفة المعدات الحربية الحديثة المقترحة تتخطى الـ "120 " جنية مصري ، وقد ذكر في أحد تصريحاته الشهيرة قوله " ندفع مية وعشرين جنية عشان نطرد فار معفن فسل آخره شوية سم ؟ أمال لو أسد كنتوا عملتوا إيه ؟؟ "

المعارض نفسه بدا منفعلاً حينما استيقظ ذات يوم ولم يجد الجبنة الرومي في مكانها بالثلاجة ، أخبره بعدها مندوب من وزارة الحربية أن الجبنة الرومي تم تأميمها كي تصبح عشاءً مسمماً للفأر الخطير "ولو عايز تفطر عندك في التلاجة جبنة بيضا" ، وهو التصريح الذي رد عليه المعارض السياسي الهام بقوله " يعني أنا أفطر جبنة بيضا والحيوان ده يتعشى بجبنة رومي ؟! "

أكثر المتفائلين في ذلك الوقت كان يعتقد أن المعركة ستستمر عدة أيام أخرى قبل أن يقع الفأر في المصيدة .. أو يُقتل مباشرةً بعد تناوله عشاؤه المسائي في أحد المطاعم الفاخرة بركن المطبخ أو الغرفة ..

إلا أن الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي ارتكبه الفأر قد عجل كثيراً بسقوطه ، كثيراً جداً ..

خان الفأر ذكاؤه واتخذ موقعاً جغرافياً من السهل رصده .. ومن ثم محاصرته بداخله ، هناك .. في الحمام

( 2 )

الهدوء يعمُّ المكان ، الصمتُ يتحدَّث بسكونٍ يفرض نفسه ، الجميعُ نيام ، كل شيءًّ ثابت والفأر يتحرك ..

أغالب النعاس .. أتحرك متثاقلاً نحو تلبية حاجة إنسانية طبيعية .. أحرك "أكرة" الباب بهدوءٍ وثقة .. الظلام دامس وفي الظلمة تعمى العيون ولو كانت مبصرة .. يصبح الصمت هو البطل الرئيسي للحدث .. "في الصمت تتسلل الأصابع" .. أضعها على المفتاح .. أضئ النور .. أكان لابد يا محمد أن تضئ النور ؟؟

تصرعه المفاجأة التي يبدو أنه لم يكن يتوقعها .. يدرك جيداً حرج موقفه .. يتحرك كثيراً ليكسر حاجز الصمت وينتهكه .. أعلم بسرعة خطورة وضعي وأهمية المعركة التي لم أقبل عليها قدرما أقلبت – هي- علي .. بسرعة أغلق الباب لأحدد الدائرة الجغرافية التي تجمعني بخصمي .. أدرك الآن أنني إما منتصراً أو مهزوماً .. يدرك خصمي ذلك .. يعلم أنه الأضعف .. يحدد الخطأ الذي ارتكبه في الوقت الذي لم يعد ممكناً إصلاحه .. تبدو المواجهة بالنسبة له ضرباً من العبث .. تبدو مصيرية بالنسبة لي .. يختبأ في ركنٍ من الأركان .. يكاد يحدثني : لا داعي للدم .. ولكن إيماني يجتاحني : لا تصالح .. لا تصالح .. لا تصالح

أجمع أسلحتي المتوفرة الآن .. ممسحة الحمام تبدو جيدة في وضعٍ مثل هذا .. أتحرك بثقة من يعلم أنه يعد لخصمه ثوانيه الأخيرة .. لا عن غرورٍ ولكن عن ثقة

أحرك قليلاً "الغسالة" التي اختبأ خلفها .. يجري سريعاً .. أرفع يدي بسرعة وأهوى على الأرض في ضربةٍ نفسية أكثر منها استراتيجية .. يتحرك في كل ركن .. على الأرض .. على الحائط .. على مرآة معلقة .. يجري في كل مكان .. يهرب من مصيرٍ أسود يتتبعه نحو مجهولاً ينتظره .. وأنا وراءه .. أحاول أن أصيبه بضربة قاضية تنهي المسألة .. إلا أنه بدى الأسرع .. بدى وكأنه مع الوقت يكتسب ثقة إضافية في كوني لن أستطيع القضاء عليه ..

ماذا لو نادى – بلغة الفئران – زملاءه ؟ ماذا لو حاوطوني ؟ ماذا لو تضخم هو نفسه ومالت كفة المعادلة نحوه ؟ ماذا لو انتهت أوهام بطولتي على قبر موتي ؟

سيكتب في الجرائد بخطٍ كبير : الرجل الذي قتله الفأر

يا لحجم المسخرة .. يا لحجم الرعب

أحاول أن ألملم ذاتي التي تتبعثر .. أستعيد ثقتي التي اختنقت بالوقت الثقيل .. أن أبدو مهيباً وأنتصر عليه نفسياً قبل أن يعود ويهزمني : الرجل الذي قتله الفأر : لا لا .. أُبعد عني هذا الهاجس وأستعيد كل لحظات الانتصار التي تثقلني بالنشوة .. أحيط عنقي بمسئولية القضاء على المستقبل المخيف الذي يمثله وجود الفأر بيننا

بدالي حينها أنني مازنجر في معركته الأخيرة ضد وحشٍ صغير يقوده "المزدوج" من الخارج من أجل التأثير على مستقبل الأرض والسيطرة عليها

لقد حان الوقت .. لقد بدأ النهار
فهيَّ .. تحضَّر .. لإطلاقِ النـــــــــار
مازنجر .. مازنجر .. مازنجر


راقني الأمر كثيراً .. تخيثلت نفسي أرتدي مازنجر متحكماً في المارد الآلي العملاق .. كل قرار هو مواجهة لأشرار جدد ووقوف في صف الأخيار .. كل ضغطة زر يتحدد على أثرها المستقبل وحياة الآلاف من البشر .. ملأتني صيحات الجماهير بالنشوة .. "هيا يا مازنجر .. اقضي عليه " ، " مستقبل الأرض في يدك يا مازنجر" ، " دمره بسرعة يا مازنجر "

أطلق الصيحة الجبارة " افتح يا مازنجر " .. أتجاوز ذاتي الصغري وأنغرس في المعركة .. أحارب من أجل الإنسانية .. أوسع خصمي ضربات وملاحقة في كل جانب .. يدرك – بعد إدراكي – كونه ميتاً لا محاله .. يتراجع .. يتقهقر .. يتعب .. يتهاوى

" إنها الضربة الأخيرة يا مازنجر .. اجعلها قاضية "

يبدأ العد العكسي لنهايته الوشيكة

" الآن يا مازنجر "

ضربة أخيرة قوية .. نظرة حانقة يطرفها بطرف العين .. لحظة فاصلة .. لا فقط في تاريخي .. لا فقط في تاريخه .. بل في تاريخ الإنسانية

يهرب !!

نظرته بطرف العين كانت للمكان الوحيد الذي نسيت إغلاقه لإحكام السيطرة بالنسبةِ الكاملة ، شباك الحمام .. الذي بداله في لحظته الأخيرة نجدة إلهية حمته من مصير محتوم ، هرب سريعاً إلى "المَنْوَر" .. ولكنه مع ترك لي نشوة الانتصار .. انتصار لا يعني اندثار الخصم ولكن يعني اعترافه الصامت – هروباً – بكونه مهزوماً ..

نظرت من الشباك خلفه فبدا لي مرتجفاً وخائفاً ومذعوراً .. غير مصدق لنجاته ويجري متسلقاً بأسرع ما يستطيع

صرخت بقوة : " ولا .. سامعني كويس ؟! .. لو رجعت هنا تاني هنخلص عليك "

ليردد الصمت الصاخب

" هنخلص عليك "

هنخلص عليك

( 3 )

في هذه اللحظة .. بينما أحدثكم عن المعركة المجيدة ، بدالي من باب غرفتي الموارب فأراً يمر في الظلام بسرعة ، يتلفت يميناً ويساراً حيطة وحذر، وفور أن حاولت التحرك .. هرب سريعاً باستخدامه المدهش لتقنية الكر والفر ..

يبدو أن الأمر لم ينته بعد

مازنجر يستعد لمعركته الجديدة

تابعونا في الحلقةِ القادمة

06 مايو 2008

المخدوعون الذين قـُتِلوا في الشمس


آخر الملامح التي شكلت علاقتي بتوفيق صالح كانت مشاهدتي – أخيراً – لفيلمه "المخدوعون" ، تعرفت عليه قبل ذلك – وأحببته - عبر طرق أخرى غير إبداعه الفني ، بدأت من دوره الجميل في فيلم "إسكندرية كمان وكمان" الذي أدى فيه شخصيته الحقيقية بكل ما فيها من بساطة ورحابة روح وعلاقة صداقة حميمية جمعته مع يوسف شاهين كانت – ولازالت – من جوانب إعجابي بعمل شاهين العظيم ذاك ، تعرفت عليه بعدها عن طريق حواراته الذي بدا فيها عميقاً وواعياً عند تحدثه عن السينما .. سواء عند حديثه عن أفلامه أو عن أفلام آخرين ، كذلك عن طريق مقالات كُتِبَت عن أعماله الفنية القليلة والمميزة – كما قرأت – لنقاد أثق في رؤيتهم الفنية ، وأخيراً عبر مشاهدتي له عن قرب في إحدى العروض الكثيرة التي يحضرها ليدير وقتها حواراً عن فيلم ثيودور درير الصامت "جان دارك" كان فيه مشاهداً أكثر منه مخرجاً ، اختلفت معه في بعض مما قاله .. ناقشته عن الفيلم مع آخرين .. زاد حبي لتوفيق صالح الإنسان الذي يبدو شاباً حتى وهو في الثمانين من عمره ، كل هذا كان قبل أن أتعرف عليه كمخرج .. قبل أن أشاهد فيلمه مُنذُ يومين فقط .. وبجانبه شخصياً في العرض الذي أقيم بالمركز القومي للسينما ..


رغبتي الملحة في مشاهدة هذا العمل وبحثي عنه لشهور تعود لأسبابٍ ثلاث : 1- لأن العمل مقتبس عن رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني ، وهي في نظري واحدة من أعظم الروايات العربية التي كُتبت في القرن العشرين ، لكاتب ومفكر وعاشق وثائر وشهيد يُدعى غسان .. أعتبره من أعظم الشخصيات الفلسطينية التي حملت القضية في بدايتها – أدبياً وسياسياً – بل وذهب في النهاية شهيداً من أجلها ، 2- للتعرف على فن مخرج هام وكبير توقف عن إبداعه جبرياً – نظراً لظروف السينما ومشاكلها الإنتاجية – ولم يخرج سوى سبعة أفلام فقط .. ومع ذلك يُعتبر من أهم مخرجي الجيل الذي خرج منه يوسف شاهين ومن أهم مخرجي السينما المصرية بشكل عام ، 3- للسمعة النقدية العالية التي يحملها الفيلم نفسه ، لدرجة اعتباره واحداً من أهم مائة فيلم سياسي في العالم .. وبالطبع واحداً من أهم الأفلام العربية ..

الرواية كتبها غسان كنفاني عام 1963 متناولاً تأثير الاجتياح الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 عن طريق أربعة شخصيات من أجيال مختلفة وظروف مختلفة لا يجمع بينهم شيئاً سوى محاولتهم الوصول إلى الكويت فقط للبحث عن فرصة حياة أفضل بعيداً عن ( العدو والخونة ) كما يقول هو في إحدى الجمل المهمة في الرواية ، توفيق صالح ينجح في نقلها للسينما عام 1972 في سوريا بعد سعي متتالي لإنتاجها قبل ذلك في مصر ومحاولات انتهت جميعها بالفشل ، ربما لم أشاهد في حياتي فيلماً لديه هذا الولاء التام والكلي للرواية كما شاهدت في فيلم "المخدوعون" وهو الأمر الذي يؤكده توفيق صالح نفسه ، فبالرغم من نقله بضعه أعمال أدبية مهمة إلى السينما – أشهرها رائعة توفيق الحكيم "يوميات نائب في الأرياف" – إلا أنه لم يكن أميناً مع عمل كما كان أميناً مع عمل غسان هذا ، وشخصياً لم أرَ مخرج أميناً مع كاتب .. وفيلماً أميناً مع رواية .. كما رأيت هنا ..

الفيلم – كما الرواية بالطبع – يدور في أواخر الخمسينات مقدماً في شكل متتابع ثلاث شخصيات من فلسطين ومن ثلاث أجيال مختلفة .. الشيخ .. الرجل .. والصبي ورحلتهم في صحراء الشمس الحارقة من فلسطين إلى بغداد ثم الكويت بحثاً عن فرصة عمل يؤمنوا من خلالها المال لهم ولعائلاتهم ، الشخصية الأولى هي أبو قيس .. الرجل العجوز الذي شاخَ وكبر وأصبح كل حلمه هو أن يملك بيتاً فيه أشجار الزيتون التي يحبها ، وبعد ضيق الحال في فلسطين وعدم وجود فرص للعمل – أو حتى الحياة بأمان – يقرر بعد إلحاح متواصل السفر إلى الكويت رغم ما يعمله من صعوبه الرحلة على شيخ في سنه ، الشخصية الثانية هي أسعد .. المناضل والثائر المطلوب القبض عليه هناك تمهيداً لمحاكمته وإعدامه والذي يقرر الهرب إلى الكويت اتقاءً لذلك ، الشخصية الثالثة هي مروان .. الصبي في مدرسته الثانوية الذي لا يجد أمامه سوى السفر بعد توقف أخيه – الذي سافر أيضاً إلى الكويت !! – عن إرسال الأموال لإنه تزوج .. وأيضاً بعد تطليق أبيه لأمه حتى يتزوج من امرأة عرجاء تؤمن له – فقط – بيتاً ذا سقف ! ، تجتمع الشخصيات الثلاثة عند مهرَّب عراقي في بغداد يطلب منهم خمسة عشر ديناراً من أجل إرسالهم مع دليل عبر الصحراء إلى الكويت مباشرةً ، المبلغ يبدو كبيراً ولكن الأهم هو أن الرحلة ليست آمنة ولا مؤكدة الوصول ، ليقابلوا في ذلك الوقت شخصية الرواية الرابعة أبو الخيزران .. رجل فلسطيني يعمل في التهريب لصالح ثري كويتي ، أبو خيزران كان مناضلاً فلسطيناً فقد رجولته بعد انفجار قنبلة فيه في إحدى العمليات المسلحة ليخرج منها ناقما ًعلى نفسه وعلى الوطن .. يعمل من أجل شيء واحد فقط بقدر ما يبدو دنيئاً بقدر ما يبدو مفهوماً وهو أن يجمع الأموال من أجل أن يأتي عليه وقت ويرتاح ، يعرض عليهم أبو الخيزران نقلهم إلى الكويت عن طريق عربته ذات خزان المياة مقابل عشر دنانير – وخمسة فقط من مروان لأنه لا يملك غيرها - ، ليخوض رباعتهم رحلة مريرة في الشمس .. في الصحراء الحارقة التي تودي بهم لمأساة لا تقل قوة ولا نزفاً عن مأساة القضية ذاتها ..


كتب غسان رواية بعد سنوات ليست كثيرة من بداية القضية ، وقتها بدأت حالة جماعية من الهجرة إلى البلدان العربية وترك فلسطين ، هجرة تسمى أحياناً هروباً .. وبنظرة أكثر إنسانية تسمى بحثاً عن حياة أفضل ، ولا يبدو في روايته محاكماً لشخصيات قدرما يحاكم ظروف أدت بهم إلى الجحيم – وهو جحيم فعلي ورمزي - الذي لاقوه في النهاية ، توفيق صالح يستنبط تماماً تلك الروح ويبدو مشاركاً غسان في وجعه لذلك فهو يعبر عنه بالصورة خير تعبير ، وثيقة محاكمة للعدو الذي لم يتوقف خلال سنوات عن قتل آلاف الأبرياء وتشريد أضعافهم .. وثيقة محاكمة للخونة الذين باعوا القضية وناسها لبتربحوا منها .. وثيقة محاكمة للعالم العربي الذي نسى قضيته الأساسية .. وثيقة تأريخ لوقتٍ لن يُنسى ، لم يأتِ أبداً اختيار شخصيات تمثل ثلاث أجيال بشكل اعتباطي .. هي أجيال تمثل ماضي وحاضر ومستقبل القضية الذي يذهب تحت الشمس وأمام آبار البترول والغرف المكيفة لبائعي القضية ، السخرية التي يحملها في كون السائق – القائد .. الحارس كما يذكر بتلك الألفاظ في الفيلم والرواية – عاجزاً .. لنصل إلى نتيجة أن الهوان الفلسطيني نتيجة مباشرة للعجز العربي ..

ووسط هذا الخطاب السياسي العالي والواضح الذي يغلف الأحداث ، هناك زخماً إنسانياً أكسب العملين – الأدبي والسينمائي – الجانب الأكبر من تقديري لهما ، غسان كنفاني لديه قدرة مدهشة لم أرَ مثلها على أن يحب جميع شخصيات عمله بلا استثناء وهو شيء انطبع على الفيلم بوضوح واستنبطه توفيق صالح بشيءًّ من العبقرية ، جميع شخصيات العمل مقهورين نتاجاً لوطنٍ مقهور .. جميعهم لا يطمعون في أيَّ شيء أكثر من مجرد حياة كريمة وآمنة ، يبهرني تماماً في العمل تلك الأحلام البسيطة والمشروعة التي تحملها الشخصيات .. شخصيات لا يرغب أغلبها سوى في بيتٍ ذا سقف ! ، أبا قيس يحلم في أن يعود لأرضه وأشجار زيتونه ويحزن كثيراً لأن الكويت لا يوجد بها أشجار .. فقط أموال ! ، أسعد يرغب في أرض لا يعيش فيها هارباً ومقتولاً بين لحظةٍ وأخرى ، مروان يطمح في أن يكمل تعليمه في مدرسته .. في أن يُريح أمه ويطعم أخوته بعد أن تخلى عنهما الأخ والأب ، حتى أبو الخيزران لا يرغب في أكثر من الراحة .. تعويضاً ولو بسيطاً عن رجولته التي سُلبت منه ، يقبل ببساطة أن يوصل مروان إلى الكويت بخمس دنانير لأن بداخله مازال نقياً .. لم يكن جشعاً أو غليظاً لبترك صبي كهذا دون أن يوصله ، وهو في رحلته يرغب في إيصالهم فعلاً ويهتم بشأنهم حقاً ولكنه يعجز لأن القضية كانت أكبر منه ، حتى الشخصيات الثانوية التي تبدو هامشية أكسبها غسان – وتوفيق كذلك – تفاصيل حميمية تحمل مرارة القضية ، زوجة أبا قيس التي تودع زوجها .. ترغب في بقاءه بينهم وتحلم بأن يعود من الكويت بمالٍ يحمل لهم حياة غير هذه الحياة التي فرضها العدوان ، عم أسعد .. الذي يغصبه على أن يتزوج ابنته ليس شراً أو استخداماً للقوة ولكن فقط لأنه يريد أن يضمن لها حياتها قبل أن يموت ، والد مروان .. الذي يتركه هو وأخوته ووالدته .. تصرف مشين نرفضه ولكننا لا نملك غير التأثر حينما نسمعه يقول " أنت تعرف يا مروان أنه لا يد لي في الأمر ، أريد أن أرتاح وأسكن في بيتٍ قبل أن أموت" ، شفيقة – زوجة والد مروان العرجاء – التي تفقد إحدى قدميها في إحدى الغارات الإسرائيلية لا ترغب سوى في زوج ورجل بجانبها ، حتى أنها لا تمانع أن تشاركها امرأة أخرى وتعرض فعلاً على أم مروان أن تعيش معهم فهي لم تخطفه قدرما أرادت أن تستظل به ، وحينما يسافر مروان تبكي عليه بشدة – في تفصيله شديدة الإنسانية والصدق .. بعيدة كل البعد عن الميلودراما -..

جميع شخصيات العمل – بلا استثناء – لا تبحث عن المادة في ذاتها .. بل تبحث عن الأمان ، جميع شخصيات هذا العمل لا تهرب من وطن ولا تتنصل من قضية .. ولكنها تهرب من قهر يحيط بها ورصاص عدو يتتبعها ، جميع شخصيات هذا العمل ستخترقك وتلامسك وتسألك – عبر كل صفحة من الرواية .. وكل مشهد من الفيلم – "ألن تفعل هذا لو كنت مكاننا ؟!"

كل هذا يجعل العمل الملحمي السياسي .. واحد من أعظم الأعمال التي استطاعت "أنسنة" قضية كبرى وصراع مستمر ..

غسان كنفاني – الأديب الذي قدم عدة أعمال مدهشة .. المفكر الذي يعتبر من أهم من قدموا تنظيراً للمقامة الفلسطينية .. العاشق الذي كتب لغادة السمان رسائل حب خالدة مازالت شاهدة حتى اليوم على رقة هذا الإنسان العظيم .. الثائر الذي استشهد من أجل قضيته ليصبح إيمانه بها فعلاً وقوله عنها عملا – سهَّل الكثير على توفيق صالح في كتابته للسيناريو عبر تفاصيله البصرية شديدة الصدق التي حملتها الرواية ، ورغم ذلك فعمل توفيق صالح الإخراجي رائع فعلاً .. ربما لم أِشاهد مخرج عربي آخر يتعامل مع اللقطات الموسعة ثم لغة الكلوس آب وكذلك اللقطات الطويلة بهذه الحرفية سوى يوسف شاهين - ساعده على ذلك بالطبع تصوير بهجت حيدر الرائع في أول أعماله الروائية - ، توفيق يحيط فيلمه بدقة متناهية في كل لقطة من العمل واختيار ناجح للأبيض والأسود – رغم استطاعته تصويره بالألوان – للتعبير عن قسوة الواقع الذي يتناوله ، إضافة بصرية مفيدة في الكثير من المشاهد مع دمج لمشاهد تسجيلية صورها هو نفسه في فلسطين قبل عدة سنوات من إنتاج الفيلم ، ليصبح ( التسجيلي ) جزءً لا يتجزأ من ( الروائي – التأريخي ) ليزيد من صدق الفيلم ويؤكد مرة أخرى على قسوة الواقع الذي عبَّر عنه ، خصوصاً مع موسيقي العراقي الكبير صلحي الوادي التي تبدو غاضبة في بعض الأحيان .. باكية في الكثير منها .. وجنائزية في نهاية القصة التي لم تنتهِ بعد ..

في نهاية الرواية يتساءل السائق عن السبب الذي لم يجعل الشخصيات الثلاث يدقون على جدار الخزان كي يتم إنقاذهم .. أليسَ السجن أهون من الموت ؟ ، إلا أن توفيق في نهاية فيلمه يجعل أبطاله يدقون جدار الخزان بقوة ولكن لا يسمعهم أحد وتعلو أصواتهم أصوات المكيفات التي تبرد غرفاً يعيش بداخلها الصمت والخزي العربي دون أن يسمع أحدهم شيئاً من صراخ المخدوعين ، وحينما سألتُ توفيق صالح عن السبب الذي جعله يغير النهاية رغم ولاءه الكلي لباقي أحداث الرواية ، أجاب بأن هذا هو السؤال الوحيد الذي سأله له غسان كنفاني ، وأوضح – بما وافقته فيه – بأنه أخبره أن المقاومة الفلسطينية تخطف طائرات وتقوم بعمليات متتالية كي يسمعهم العالم لذلك فهم يدقوا جدران الخزان .. يدقوا ويدقوا ويدقوا منذ خمسون عاماً .. ولكن لا أحد يسمع أو لا أحد يريد أن يسمع ..

فاز الفيلم بالجائزة الذهبية في مهرجان قرطاج عام 1973 ، بعد عامٍ واحد من استشهاد غسان كنفاني – الذي كان عضو في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – نتيجة لوضع عبوات ناسفة في سيارته ، ليلحق - مستشهداً - بمخدوعيه الذين قًُتِلُوا في الشمس ..


عاجل وشكراً .. للأهمية

( 1 )

الماضي والمستقبل عملوني سندوتش
بتمرجح بينهم

( 2 )

الماضي نفاني لقدام
أنا منفي مع الأيام

( 3 )

الفجر قام ولا قمش ديك يدَّن

( 4 )

- انتَ الغلام وانتَ العجوز جداً


( 5 )

الحب عنده برد وبيعطش شجن عجوز

( 6 )

دبحتوا ليه دكر الحمام لما انتوا بتحبوه ؟!!

( 7 )

- صدقني وحش الحزن مش إنسان

( 8 )

أنا قلبي مهوش مستحمل
ده يدوبك أربع حجرات
مقفولة وضلمة
ملمومة ولمة
صور الناس اللي ما بيني وبينهم حكايات

( 9 )

متفتكرش إني نعش .. أو كبايات فاضية
أنا كبايات عصير قصب .. مليانة ع الآخر
والخلق مبتشربش

( 10 )

أنا متشرَّح

( 11 )

إلى عيون الخلق والمية :
عطشان .. ولو في دقيقة مشربتش هموت
مقتول

عاجل وشكراً .. للأهمية

( 12 )

متتوبش عن أحلامك ، متفرطش في أوهامك

( 13 )

الليل معبَّي في زكايب

( 14 )

- بانتظار النور

أُضْرِب عن هذا

السبب الرئيسي في نظري اللي أدى لنجاح إضراب 6 أبريل هو كون الدعوة خرجت من وسط الناس ، من عمال غزل المحلة ويتضامن بعدها موظفي الضرائب العقارية وفئات شعبية تانية ، بشكل موازي مع نشر الدعوة بشكل إعلامي جيد لعب فيه الفيس بووك دور البطولة في توصيل فكرة الإضراب لشريحة كبيرة من الناس ، دور القوى السياسية في مصر كان موجود بالفعل ولكنه ضئيل جداً بالنسبة للمصداقية اللي حققتها الدعوة بعد خروجها من العمال .. اللي هما أصحاب الإستفادة الأكبر والأهم لأي تغيير حقيقي في مصر – أو في أي دولة بشكل عام - ، وبالرغم من تعدد أسباب الإضراب – لدرجة غدم تحديدها أصلاً – إلا إن الغلاء اللي كان ولازال بيمس الناس بشكل واضح وفعلي طُرح – ببين الناس – كسبب أول وأهم للإضراب ، عشان كده مشاركة الإخوان أو عدم مشاركتهم .. الكلام التنظيري اللي صدر عن حزب التجمع .. حتى التهديدات الحكومية اللي صدرت للموظفين ، كل ده مقللش من النجاح اللي حققه الإضراب – بصرف النظر عن اختلافنا في تحديد نسبته .. بس فيه نجاح فعلاً - ..

النجاح الأهم اللي حصل خلال اليوم زي ما أنا شايفه هو إن مصر بقت لأول حاجة تخص شعبها ، مش لعبة ما بين الحكومة والمعارضة ، تقريباً أول تحرك شعبي حقيقي وعلى مستوى واسع مش نخبوي يشوفه جيلي ، الناس كانت مشتركة فعلاً حتى ولو بالرفض ، صحيح إن فيه ناس مكنتش فاهمة .. وصحيح إن فيه ناس أضربت بدافع الخوف .. وصحيح إن فيه ناس رفضت الإضراب واستمرت في أعمالها رغم السوء الشديد في أحوالها ، بس كل ده ارتبط ( بفعل ) .. بإيجابية .. مش صمت وتجاهل لأي تحرك سياسي زي ما كان بيحصل خلال الأربع سنين اللي فاتت ..

الاستفادة من النجاح اللي حققه إضراب 6 أبريل كان لازمله شوية هدوء ، شوية تفكير في الخطوة الجاية بعيداً عن حماس جميل ومفيد بكل تأكيد بس لما يتوجه بشكل سليم ، محاولة فهم الناس واستغلال مشاركتها المرة دي وتقوية فكرتها – عن طريق طرق أنا شخصياً معرفهاش – عن الاحتجاج السلمي ومحاولة الوصول لحقوقنا من خلاله ، بدل ده صدر دعوة لإضراب جديد قبل ما أي حاجة تحصل كنتيجة لنجاح إضراب 6 أبريل وبعد 48 ساعة بس ابتدت تصدر بانرات وصور لـ 4 مايو ، الأمر اللي قوبل بتجاهل من الناس .. وبحماس أقل من ناس كتير كانت متحمسة جداً للإضراب الأول ..

مش شايف أبداً إن فشل الإضراب الأخير سببه علاوة ال30% اللي قررت – وكانت نقطة مهمة من نجاحات 6 أبريل – لإن الناس لو حست إن الحراك بيجيب نتيجة أكيد هتتحرك أكتر ناحية حقوقها ! ، الأسباب – زي ما أنا شايفها – كانت :

1- شعور بعدم مصداقية التحرك المرة دي وتحوله مرة تانية لتحرك نخبوي – رغم إن الدعوة لحد دلوقتي مش محدد مصدرها وإن كانت بدأت من شباب الفيس بووك مش من النخبة – ولعبة على بلد ما بين الحكومة والمعارضة
2- كاريكاتيرية التاريخ المحدد
3- القرب الشديد في الميعاد لأقل من شهر
4- عشوائية التحرك الإعلامي على عكس الإضراب اللي فات
5- المرة دي ثُقل وجود الدعوة العمال – الجدعان اللي خدوا حقوقهم من حنك الحكومة على حد تعليق شخص كان قاعد جنبي من فترة في الميكروباص – مكنش موجود حتى مع مشاركته
6- بالتأكيد الضحايا اللي كانوا نتاج يوم 6 أبريل وكذلك المعتقلين أثروا سلباً

ونتيجة لده كل حاجة في القاهرة أول إمبارح كانت زي ما هي ، الشوارع .. الزحمة .. الجامعات اللي خلت من المظاهرات واستمرت الدراسة فيها بشكل عادي ، كنت نازل وسط البلد والمشوار اللي باخده في نص ساعة خدته في ساعة إلا ربع ، كل شيء كان في وضعه العادي جداً ! ، وكذلك في كل محافظات مصر باستثناء المحلة اللي يقال إنها تحولت لثكنة عسكرية ومنعت الحركة فيها بشكل تان ..

يمكن الحاجة اللي ممكن نستفيدها من الإضراب ده هو تأكيد مستمر على ضعف نظام بيرتعش من دعوة إضراب أطلقها مجموعة من الشباب على موقع إلكتروني ، تأكيد مستمر على إن أي تحرك أيًّ كان عشان يحقق نجاح لازم يكون ملامس لحساسية الناس للتحرك السياسي عشان تحقيق مطالب واضحة وليها صورة محددة في أذهانهم كغلاء الأسعار – مش معنى هلامي لا يخصهم كقانون الإرهاب أو معركة الديمقراطية - ، تأكيد مستمر على استحالة الاعتماد على الإخوان واستحالة وقوفهم ورا أي تحرك ليه مطالب تخص الشعب مش الأجندة الخاصة – الكلمة دي متكررة وساذجة شوية بس هي وصف لواقع أكثر سذاجة وتكرار - ..

ورغم أي حاجة أفتكر إن النتايج الحيدة اللي حققها يوم 6 أبريل لسه موجودة بشرط الاستفادة منها كتدعيم لفكرة الاحتجاج السلمي المستمر مش سلبية مستترة بتختصر الإضراب ورا كلمة خليك في البيت .. وللآسف كلامي ده على قد ما بتمناه على قد ما بتوقع إن مفيش حاجة منه هتحصل !

بس رغم كل شيء لسه الأمل في الناس لإن مفيش أي تغيير حقيقي هيحصل في مصر من غيرهم ..

يا مسهَّل