16 سبتمبر 2007

فلسفة التنفيس



في واحد من أشهر – وأعظم - المشاهد في تاريخ السينما المصرية يسأل أحمد زكي المحامي المُكلف بالدفاع عنه محمود المليجي عن السبب في قبوله لقضيته رغم معرفته سلفاً أنه سيخسرها ، فيجيبه المليجي في مرارة "تنفيسة .. تنفيسة ليَّ ولك ، كلمة حلوة نقولها صحافي يلقط مننا لمحة نضيفة، قاضي تفلت منه كلمة شجاعة ، أهي تنفيسة للكل"
قبل أن يدخل في منولوجه الشهير "وعايزني أكسبها" !

***

حال الصحافة في مصر – والتي تسمى تجاوزاً بالصحافة – لا يتجاوز كونها مجرد "تنفيسة" ، تنفيسة للكاتب .. للقارئ .. تتركها الحكومة لتضرب أكثر من عصفور بحجر واحد .. من ناحية تأكد على ديمقراطيتها وسماحها بحرية التعبير .. ومن ناحية أُخرى تسمح ( للمثقف/القارئ ) على حدًّ سواء بمساحة "ينفس" فيها عن غضبه اتجاه الأوضاع المتردية .. وهي – من ناحية ثالثة – تعلم أن صحافة التنفيس ليست قادرة على صنع تغيير ما في المجتمع يمسُّ مصالحها ولو من بعيد ، تحدثوا عن الفساد .. السلطة .. النفوذ ، هاجموا التوريث .. الرئيس .. الحزب الحاكم ، وفي النهاية : لا جديد ..
ربما لذلك كانت الدستور – على مدار أكثر من عامين – هي أنجح الجرائد المصرية ، فهيَ الأكثر براعة في استخدام "فلسفة التنفيس" ، المواطن المصري الآن لا يحتاج لتحاليل سياسية كُبرى .. أو أحاديث عن مستقبل يعلم أنه لن يتغير .. لا يحتاج لصحافة تتبع الفساد لتصل إلى مصدره .. فالسؤال – غير المُقال – : ما الفائدة من كل هذا إذا كنا نتعامل مع نظام "لا يسمع" ؟! ، لذلك فيبدو أن أقرب ما أراده هو صحافة تعبر عنه .. هكذا "بعبله" ، تتحدث بلغته ومنطقه وفلسفته ، تسب الحكومة آناءَ الليلِ وأطراف النهار ، صحافة بلغة القهاوي – كما وصفها زاماً ممتاز القط في إحدى نبشاتُه – .. ومن أبرع من الدستور في ذلك ؟؟
ولذلك كان نجاحها الملفت المتخطي لجرائد أخرى اتبعت نفس ذات النهج – نهج التنفيس – ولكن حاولت تطويعه لشكل ثقافي مُعيَّن ، فكانت كمن أمسك العصا من المنتصف .. فلا هي قدمت صحافة حقيقية ، ولا برعت في التنفيس كما يجب أن يكون !

وعن نفسي أمتلك موقفاً محايداً – إلى حدًّ بعيد – اتجاه تلك الصحافة ، أحياناً أشعرُ أن الصحافة يجب أن تقوم بدورها بصرف النظر عن تردي المجتمع .. ولكن أفوق بعدها من تلك المثالية الزائدة لأجد أن الأمور كلها قد غدت أكثر وضوحاً من أن تكشفها الصحافة في ممارسة لدورها المفترض .. من لا يعلم أن الفساد سيتوغل ولن يُحاسب المخطئ .. وأن الرئيس سيستمر في منصبه – كما ذكرها صراحةً – مادام حياً .. وأنَّ التوريث سيتم بصرف النظر عن أي اعتراضات تبديها المعارضة .. وأن صعود التيار الإسلامي حدث لأنه يبدو الخيار الوحيد أمام الشعب هروباً من دوامة الحزب الوطني .. إلخ ، فحينما تكون الأمور واضحة بهذا الشكل دون قدرة على تغييرها .. فما الضرر من صحافة تذكرنا في الصباحِ والمساء أنَّ الحزب الوطني ابن **** وحسني مبارك ابن ستين **** ؟!

***

ولكن فلسفة اللعبة لم تستمر على هذا المنوالِ !

***

منذُ ثلاثة أيام بالظبط انتشر بسرعة خبر الحكم على أربعة من رؤساء تحرير صحف مستقلة بالحبس لمدة عامٍ ودفع غرامة ثلاثون ألف جنية بتهمة سب رموز الحزب الوطني !! - دعك الآن من كوميدية وعبثية الاتهام -

بدأ الكثيرين بعدها في الحديث عن مساحة الحرية التي قلت ! والبدءِ في حبس الصحفيين المُنتظَر ، إبراهيم عيسى قال : "جاء الحكم بحبسي مع أستاذي عادل حمودة والرفاق الأصدقاء عبد الحليم قنديل ووائل الإبراشي دليلاً ناصعاً على إن سنتنا سودة" ..

في الحقيقة لم أشعر كثيراً بالخوف على مساحة الحرية التي تتناقص ولا في لونِ سنتنا هل سيصبح أسوداً أم كُحليَّاً !
فالحقَّ في نظري أن الحرية ليست هبة ممنوحة .. ولا مساحة معينة يحددها النظام الحاكم تقل و تزيد حسبما يريد ، ولكنها غير مشروطة وغير تابعة لرغبة الأفراد ، وقانون عدم حبس الصحفيين إذا لم يكن دستوراً ومنهجاً واضحاً فلا معنى له طالما ارتبط "بوعد" أصدره فرد قادر على إلغاؤه أو عدم تنفيذه ! ، وقرار الحبس هذا لا يؤثر على حريتنا في شيء .. فهي غير موجودة من الأساس ، ما الفارق إذاً إذا جاء حبس عيسى ورفاقه اليوم أو بعد عام ؟! طالما هو منتظر ويمكن أن يأتي في أيَّ وقت !

لم يثرني الحكم في شيء .. ولم أشعر أنه يوم أسود في تاريخ الصحافة المصرية كما رأى الكثيرين
الذي أثارني حقاً هو سؤال دار بذهني منذُ سمعت الخبر : لماذا أخلَّت الحكومة بلعبة التنفيس ؟؟!

***

قُلتُ ذات مرة أن الشعوب يمكنها التعايش بسلام مع حكومات ديكتاتورية ونظرة بسيطة لأغلب أنظمة الحكم الثورية خلال عقدي الخمسينات والستينات يجعلنا نكتشف ذلك – بصرف النظر عن النتائج بعدها - ، ولكن العبث حقاً حينما نتعامل مع حكومات ديكتاتورية موصومة بالغباء ، أنتَ يمكنك أن تأخذ من الشعوب حريتها مقابل أن تعطيها "أمانها" .. أما أن تأخُذُ منها كل شيء حتى مساحتها للتنفيس !
وقتها أتخيل شكري مراد المحامي يكمل منولوجه الشهير قائلاً : "زمن بيتحبس فيه الصحفي من دول ولا من دول عشان بيبيع للناس شوية كلام ينفسوا فيه عن نفسهم .. وعايزني أكسبها ! .. ياخي !"

هناك 10 تعليقات:

غير معرف يقول...

شوف الفيديو اللي قصدك عليه على ما أفوق و أعلق

الفيديو

عباس العبد يقول...

هو القرد لسه بيتنطط و لا بطل تنطيط
....
اهو
طلع
لسه بيتنطط
يا محمد يا مصرى
لسه بيتنطط
............
صدق العليل و لا تصدق التحاليل
......

محمد المصري يقول...

يحيى

هوَّ عندي طبعاً
بس ميرسي جداً يا ريَّس

------

رامز

اوعى تكون فهمت من كلامي إنه لسه بيتنطط !!
أزعل منك أوي

رامز انتَ من الأول سألت السؤال غلط
التيتة مش في إن القرد ( لسه ) بيتنطط ولا لأ
التيتة في إنه من ( الأول ) خالص مكنش بيتنطط أصلاً !
خدعوك فقالوا ( القرد بيتنطط !
إحنا بس اللي طيبين وبنصدق بسرعة

غير معرف يقول...

محمد قبل ما أقرى الموضوع كنت بحترمك دلوقتي بحترمك بزيادة
إوعى حد يقنعك إن اللي عندنا دي صحافة
ليها أسماء تانية فاكر كنت قاعد أنا و واحد صاحبي على القهوة و إتفقنا إن طالما الموضوع هيصة كده نطلع أنا و هو جرنان إسمه خمسة و عشرين سنة فقر يا *** يا إبن ال***
و إكتشفنا إن فعلا شعبيتنا هاتبقى عالية جدا لأننا زي ما نت قلت تنفيسة
زينا زي جرايد كتير من اللي بصراحة بطلت أقراها لأني حسيت إنك لو قريت عدد واحد تبقى قريت الباقي
ده البنسبة للمعارضة بالنسبة للقومية فممكن تقراها على أساس إنها حاجة زي ساعة لقلبك و كده يعني
بحس إن الصحافة الحقيقية هي صحافة الخبر

بالنسبة بقى لموضوع القرد بيتنطط و لا بطل تنطيط فده سؤال عبثي لأن أيا كانت إجابته الحال هايفضل زي ما هو عبد القوي إتجنن و هايفضل يقو أنا مش أنا و أبو الدهب إتشل حتى لو كان القرد بيتنطط فمافيش أمل

بالمناسبة أنا ضد حبسهم لأن أنا مش شايف إهانة في إن الريس يبقى عيان يعني

:)

معلش ع الرغي كالعادة

محمد المصري يقول...

تصدق لو قلتلك إني معرفش إيه هي الصحافة الحقيقية لإني لحد دلوقتي مقتنع إننا على أعمارنا المختلفة مشفنهاش !!
عندي تخيل ليها يطول شرحه .. بس ملهوش سند ملموس يقول إنها كانت موجودة في مصر قبل كده !

--

عبثية إن القرد بيتنطط ولا لأ هي زي أغلب اللي بيكتبه رامز ممكن يُحمل بأكتر من وجه ، بس عموماً المعنى اللي وصلني لا يتعارض مع اللي انتَ قلته في إن مش فارقة بيتنطط ولا لأ ، وإن كنت لسه عند رأيي ، هو عمره ما كان بيتنطط :)

عاجبك كده يا عم رامز اللخبطة دي !!

--

بس إيه حكاية مفيش أمل دي ؟!!
أزعل منك وحياة ربنا
"ولسه جوا القلب أمل"
Alwayes

--

النهاردة عشرين !
أنا مش ناسي ، الشدة يا بطل عشان نخلص ، هكلمك بكرة بإذن الله

كل سنة وانتَ طيَّب يا جميل :)

عباس العبد يقول...

انضم الى الحملة
حملة
سى السيد
vs
كلنا ليلى
شارك معنا فى اعادتهن الى رشدهن
طالبهن رفع شعار
كلنا امينة
زوجة سى السيد
....
قولوا ورايا يا بنات
كلنا امينة

^ H@fSS@^ يقول...

اسلوبك التحليلي قوي جدا و مع ذلك بسيط و سلس لا استغلاق فيه
اما عن الحرية فحدث و لا حرج الحكومة سايبة الناس تتكلم اعتقداد منها ان دي حرية اذا جاز لنا نقول كده فعلا لكن اصلا الحكومة مش بتسمع
السن بقى ربنا ما يكتب على حد
لكن اياك يا محمد تنكر و تقول ان الحكومة مش بتدي حرية
الا دي ازعل منك جدا جدا جدا
يا ابن يالحرية و التعبير عن الراي منتشرة جدا و الدليل قالولوا
يحيي كان بعتلي الفيديو على كتاب الوشوش
مشهد رائع


تحياتي


ملحوظة
بلوجك فعلا مميز
نادرا لما الواحد يلاقي بلوج عميق كده
تحياتي كمان مرة

محمد المصري يقول...

المشكلة في الحالات اللي زي دي إن الاعتذار نفسه بيكون تصرف سخيف !

بس سوري فعلاً يا حفصة على التأخير في الرد ، أنا شفت الكومينت ده من يومين بس لما حد قالي عليه ، اكتشفت إني كنت كاتب الميل غلط في الـ Comment Notification :)

--

بخصوص الحرية
فالحقيقة يا حفصة إن حتى مساحة الحرية المتاحة في مصر للتعبير مكنتش باختيار الحكومة ، دي مساحة اتسرقت نظراً للتغيرات العالمية اللي حوالينا ، بشكل تاني الغرب بقى عينه عليك أكتر من الأول .. بقى في اهتمام بقضايا الصحفيين وفي نفس الوقت تغييرات دستورية بتوحهات خارجية أدت لوجود أصوات معارضة زي كفاية وأيمن نور تحديداً .. في نفس وقت خروج تجارب صحفية زي الدستور والكرامة وخروج صوت الأمة من دائرة عادل حمودة ، انتَ سبت الناس دي تتكلم مش إيماناً منك بحقهم في التعبير لكن لإن موازنتك في علاقتك بالغرب خلتك مش قادر تسكتهم ..

كله تنفيس يا حفصة ، بس الأكيد إن الحكومة لو تقدر تمنع ده .. هتمنعه !

--

مش عارف هتشوفي الكومَّينت ده ولا طول المدة خلتك تنسي أصلاً :)
بس لو شفتيه تقبلي اعتذاري
وميرسي يا ستي على مجاملتك اللطيفة ، وبكو كمان فوق البيعة :)

^ H@fSS@^ يقول...

ولا يهمك رد زي ما انت عاوز
انا مش بنسى تعليق ليا خالص

mano يقول...

www.goonflash.com

the best flash games on out site