18 مايو 2007

على عزف صاحب الجيوكندا

فلتسقط كل كلمات التهنئة التقليديَّة .. وتحيَّاتنا – غير المفهومة – لأبي الفصاد !
ولتسقط معها الفواصل التي يُفْتَرَض أن تُحيلُ عالمي عن عالمك !



"الحياة متخلقتش عشان نعيشها نمل"* وأشهد أنَّكَ – رغم عيوبك – لم تعشها أبداً كنملة ..

يهمني الآن وانتَ في الثمانين من عمرك أن أشرب معك كأساً واحدة في صحَّة جيوكندا المصريَّة** .. جيوكاندتي هذه المرَّة ، ولتدرك أنت بفطرتك وخبثك .. ملاكك الأيمن وشيطانك الأيسر .. كم هيَ جميلة ، هل شاهدت صورتها من قبل ؟ هل أريتكَ إيَّاها ، لا أعلم ولكنَّي قد أريك إياها في يومٍ ما .. هيَ حنُّونة نفسها يا يوسف .. حنونة الخمسينيَّة ، اذكر كل شيء وقسه .. ولكم تلاقت الأرواح ..

-

هذا صحيح ولكن الخوف يا يوسف يزيد ، يقتل المعاني ويضعف الإحساس ويكرمش شباب الروح
هل أدركت الآن بعد سن الثمانين وفي تجربتين منفصلتين خرجت من الأولى كهلاً ومازلت في الثانية تحبو أن الحياة أبسط كثيراً من جائزة نوبل ؟ وأن ما بقى وسيبقى هو عزف مُنفرد باقٍ ؟؟
هل أخبرت صاحب نوبل بما أرسلته إليه منذ شهور ؟؟
انظر في عيني بعينك الخضراء الجميلة واخبرني أنَّكَ فعلت !
منذ فترة لا أرى فيهما سوى السخرية من كل شيء .. حتَّى منَّي ! .. لماذا يا يوسف ؟؟ ، أعلم أنك تفرح لفرحي وترقص طرباً على أنغام الدنيا حينما تسمعني صوت ليلى مُراد ، فلماذا إذن لا تؤانسني في حزني ؟ لماذا تباغتني بتلك الابتسامة الساخرة التي تخبرني بتفاهة أسباب الحزن ؟! ، حتَّى وإن كانت تافهة – أو بدت لك كذلك - .. فهيَ منَّي يا يوسف ولا معنى هنا للسخرية ! ، أم أنَّك تهرب كعادتك من كل معنى للحزن أو شعوراً به ؟؟ أمنَّي تهرب أم من نفسك ؟؟

أدركتُ حزنك لأنَّ روحك لم تحط بمدوَّنتي كما هو مفترض واستبدلتها بروح عمَّك فؤاد ، وربما كنت وقحاً حينما أخبرتك في لحظة غضب إنه "بني آدم أكتر منَّك" ، لك الحق في أن تحزن ولك كذلك حق الاعتذار ، حتى وإن كانت حقيقة .. وحتى إن لامسني هوَ في ذلك الوقتِ أكثر ، فأنتَ تعرف في النهاية من أنت .. ومن أنا .. وما هو بيننا ، ألا تعرف ؟؟

-

لا أريد أن أثقل عليك بأسباب همَّي خصوصاً وأن اليوم لك .. ولكني بالفعل أحتاجك أحياناً ، العام يتداخل مع الخاص وأنت أذكى من أن تطرحُ هذا السؤال ! .. يمكنني أن أخبرك مثلاً بأن لي لي قد توقفت عن إضاءة نور الحقيقة وأنَّ المهزلة الأرضيَّة مازالت آخذة في الاتساعِ .. أو أنَّ سلطان مازال يتحكَّم بمقاليد الوجود في مساحة لا نهائيَّة من الصراع بين فرافير العالم وأسياده .. أو حتى بأن المخطَّطين مازالوا لم يدركوا حقيقة أفكارهم وعلاقتها بالناس .. وأنَّ القمر مازال مخنوقاً و"لحظات القمر" صارت قليلة ، يمكن أن أقول كل ذلك ولكني أعلم أنك تعلمه .. فلا داعي له إذن خصوصاً أنَّ اليوم عيد ميلادك !
قرأتُ السطور التي علَّمناها سويَّاً من "الجنس الثالث"*** عشرات المرَّات .. عبقريَّة نارا في كلماتها .. وعبقري أنتَ أيضاً ، ولكن كيف لم تدرك رغم ذلك أنك أنتَ نفسك لم تصبح جنساً ثالثاً ؟؟ ولم ترتقِ تماماً لبشري يفعل الصواب لأنه الصواب .. هكذا دون مقابل ؟؟ .. كيف لم تدرك ذلك وأنتَ تضعف وتتوه مبادئك في إحدى فتراتك بين كونك سيَّد ذاتك وبين كونك بهلوان في سيرك أكبر منك ؟ ، لا أقصد الهجوم ولا تصوب نظراتك الحادة نحوي بهذا الشكل .. فأنت تعرف أنني أيضاً لم أرتقِ لجنسٍ ثالثٍ .. ربما قاربت .. ربما أبتعد أحياناً ولكني لم أصبح بعد ، والحقيقة أن قلة يصبحون .. ثلاثة فقط من بين عشرات من عرفتهم صاروا جنساً ثالثاً ، هل تعتقد أنني سأصبح كذلك يوماً ؟؟ .. دعك من غضبك واخبرني ؟ .. أتمنَّى ، كم هيَ جميلة ابتسامتك الصافية !

لا أريد أن أتركك بعد أن أخذتنا الكلمات ناسين أن هذا عيد ميلادك ، الخامس عشر أم الثمانين ؟؟ .. هل هيَ حياة جديدة أم تكملة للأصل ؟؟ ، دعنا من هذا .. أعلم أنك لا تحب مثلي الحلويات كثيراً ، دعنا إذن نهيم سائرين فوق نيل القاهرة الساحر هذه الليلة مستمعين إلى صوت موريكوني ، دعنا نتحدَّث كثيراً عنَّي وعنك ..
دعني أزيحُ كل شيء جانباً تاركاً غضبك يصارع غضبي بعيداً وأحتضنك بشدة كما أرغب وأريد
دعني أخبرك بصدق "وحشني"
دعني أقولها لك – ولو مرَّة واحدة - : "كل سنة وانتَ موجود"

===

* من مسرحيَّة "المهزلة الأرضيَّة"
** "جيوكندا مصرية" .. إحدى قصص يوسف إدريس ، مجموعة أنا سلطان قانون الوجود
*** "الجنس الثالث" .. إحدى مسرحياته .. ويُقْصَد بالمصطلح "الإنسان" من نوع "البشر" .. الإنسان الأكثر رقيَّاً مما نراه .. الإنسان الحقيقي في صورته الفطريَّة

هناك 12 تعليقًا:

غير معرف يقول...

فعلا نور الخيال
الأول عايز أشكرك لأن عن طريق القراية ليك حبيت يوسف جبت كل معظم أعماله و باخطط إني أقراها يمكن علاقتي بيه لا تتعدى حادثة شرف و أجزاء بسيطة من أرخص ليالي لكن فعلا يوسف يمكن مش عارف ألاقي الكلمة المناسبة اللي أقولها
كل سنة و هو موجود فعلا

يمكن فؤاد و يوسف كل منهم إنسان بطريقته لكن الأهم إن هم الإتنين من الكتاب \ الشعرا اللي كتاباتهم بيخلي البشر إنسان

مصطفى اسماعيل يقول...

مش فاهم يا يحيى ايه جبت كل معظم اعماله
كل معظم
والله غريب
روح ذاكر يابنى وبلاش لعب


بص
انا قريت فعلن ليوسف من خلال كلام والدك عنه
كنت اسمع عنه بس ماحتكتش مباشرة بقراية حاجة ليه
واول حاجة جبتهالوا كانت المخططين
وعلى فكرة جبتها من على رصيف فى السيدة عيشة
فاكر لما كنا فى القلعة
شكلك مش فاكر حاجة
روح ذاكر يابنى
يلا

غير معرف يقول...

مصطفى

و إنت مالك ياض
و بعدين يعني إنت صايع ماوراكش مذاكرة و لا عشان إنت في معهد العزف تحت المية
إمشي من هنا ياض ممش عايز أشوفك في البلوجسفير تاني

محمد أنا هاعمل حملة ربنا يصبرك على ما بلاك يا عم سيد إسماعيل تنضملها معايا

عباس العبد يقول...

قيل و العهدة على المستمع
لأن الراوى اجبن من تحمل تلك المسئولية
ان
روزاليوسف تخخط لحملة ادريسية فى ذكراه
و ان السيد عبد الله كمال
سيكتب نقد لمعظم اعماله
من وحى رؤيته الشخصية
السياسية الثقافية الاجتماعية الترفيهية الصحفية
رؤية خماسية الابعاد ذات محتوى و مضمون
بدون غلاف
تحب تشترك معاهم
ابعت اسمك
تحتفل مع الراجل
حبيبك

مصطفى اسماعيل يقول...

يا جماعة هو انا عملت تعليق مرتين
والله ده تأثير الاسطباحة ولا ايه

اصل والله رادد على عم نابليون ابو حملة



محمد
ماتشتغلنيش والنبى

غير معرف يقول...

مافيش فايدة
الواد ده مش هايتظبط أبدا أنا مش عايز أسيحله رغم إن معايا مستندات توديه في داهية

ياض مين أبوحملة ده ياض

مصطفى اسماعيل يقول...

اقعد ساكت ياض
واللى عندك اعمله

Mirage يقول...

يوسف ادريس من اهم كتاب مصر تستطيع من خلاله ان تتعرف على ملامح الحياة كلها بجميع جوانبها فى كل العوالم من خلال نظرة ثاقبة ساخرة

انه حقا عبقرى

اعشقه

ولكن هل يعرف احدا عما كتبته بنته نسمة يوسف ادريس ؟

Mirage يقول...

عندى مجموعة كبيرة من قصص يوسف ادريس لمن يريد الاطلاع عليها

محمد المصري يقول...


يحيى

هستنَّى تخلَّص امتحاناتك وبعدين تقولي رأيك في اللي قريته .. أفتكر إنك حد ممكن يرتبط بيوسف إدريس جداً
بالمناسبة حادثة شرف - كقصة - من أفضل عشر قصص كتبهم إدريس في نظري .. بناء عبقري جداً للأحداث وعمق بيميزه دايماً في مناقشة الشخصيات وكمان قدرة على التكثيف واختصار جنون وهوس مجتمع كامل في قصة لا تتعدَّى عشرين صفحة شايف شخصياً إنها أول حاجة كتبها إدريس تستحق إنها تتوصف ( بالعظمة ) مع كامل احترامي طبعاً لأرخص ليالي كمجموعة وكقصة هامة ..

موضوع فؤاد وإدريس والعلاقة بينهم في جانب ( إنسانية المبدع ) جانب كبير جداً ممكن نتكلم فيه بعدين ، خصوصاً إن الجملة أنا بقصد بيها أكتر من أمر وجانب بس الأكيد إن القراءة المتعمقة ليهم بتخلي البني آدم أحسن زي ما انتَ قلت ..


===

مصطفى

بص ..
ممكن تدخل عند أحمد تغلَّس على ناس عنده ويفوتهالك ، لكن متجيش هنا وتغلَّس على حد .. فاهم ؟؟ ، وكمان جاية في يحيى ! .. انتَ مالك انتَ جاب كل معظم أعماله ولا لأ - صحيح يا يحيى إيه كل معظم دي :D - ..
عموماً ملكش فيه :d

==

بخصوص الخناقة الجامدة اللي دارت بعد كده فأنا هقف أتابع من بعيد عشان عندي امتحانات والهدوء مهم بالنسبة لي ، بس طبعاً أنا مع يحيى في الحاملة بتاعته بتاعة عم سيَّد .. وجبتلك كمان توقيع أغلب الناس .. عمك عبد الرحمن وعمك سيَّد وياسمين وششتاوي وكل بني آدم قلتله عليها .. يا ساتر يا أخي : مفيش بني آدم بيحبه :D

==

بشكل جد

بطلوا شغل توم وجيري ده وركزوا في امتحاناتكم شوية
طبعاً أنا واثق في يحيى ومش واثق أبداً في مصطفى ! بس مش عارف عايز أصدقه إنه هيعدَّي بسهولة !

قولوا يا رب الفترة البايخة دي تعدَّي على خير
شدُّوا حيلكوا

محمد المصري يقول...


الحاج رامز

طب بذمتك انتَ ترضاها ؟؟

عموماً فكرني بعد ما خلَّص امتحانات أخدك أنا واحمد لأي دكتور نفسي عشان أنا من آخر مرَّة بقيت قلقان من حكاية الهَسَس اللي بيتك وبين عبد الله كمال ده !

محمد المصري يقول...


Mirage

أوَّلاً أهلا بوجودك وكلامك ودعوتك الخاصة بقصص جو :)

بخصوص نسمة .. فأنا الحقيقة قرأتلها قصة واحدة بالصدفة ، بس عموماً يعني موضوع دخولها الأدب كان جزء كتير منه بسبب إرتباطها باسم "يوسف إدريس" مش لشخصها ، وده واضح جداً من مسار مشوارها القُصَيَّر جداً اللي بدأته سنة 89 قبل وفاة جو وتم الاتفاق على مجموعتها الأولى أثناء حياته واللي صدرت سنة 92 - بعد سنة من وفاة جو - وبعدها على حسب علمي لم يصدر لها أي مجموعات أو أعمال أدبية تانية ..

عموماً كونك تكون ابن أعظم قصَّاص في تاريخ الأدب العربي ده أكيد سلاح ذو حدين .. هيساعدك لو كان عندك موهبة في إنك تستمر .. بس هيخليك دايماً عرضه لاتهام دخول الأدب لمجرد إنك ابن فلان الفلاني وعرضه للمقارنة - غير المتكافئة - معاه ، نفس مشكلة أحمد حدَّاد تقريباً بس أحمد موهوب فعلاً وبيحاول يخلق لنفسه نمط بعيد عن جدوده ، وافتكر إن نسمة لو كانت بتملك أسباب الاستمرار كانت استمرَّت فعلاً ..

شكراً على وجودك مرَّة تانية