آخر مرة سمعت فيها أغنية فيروز «تنذكر ما تنعاد» اكتشفت، للمرة الأولى، مِقدارات الحُزن الضخمة التي تَحملها، وأن ذلك الحُزن المُختفي والمُستتر وراء صَخَب الموسيقى والكورال وصوت السيّدة.. أكثر نَخزاً من حُزنٍ مُباشر وصريح في أغانٍ حملها الألبوم ذاته كـ«أنا فزعانة» أو «صباح ومسى».
الأمر يبدو لي بهذا الشكل.. «تنذكر ما تنعاد» هي أقرب لتون الحُزن العادي في الحياة، يَذهب الناس إلى العمل وإلى المقهى، يجلسون في المنزل ويتفرَّجون على التلفزيون، يمشون في الشارع ويتزاحمون في المترو، وحين ترى أي منهم لن تُدرك مُباشرةً أنه ليس بخير وأن قلبه مُحمَّل بكل ذلك الثُّقل. سيبدو عادياً. وأحياناً غير مُبالي. تماماً كصوتِ فيروز في الأغنية.
زياد يعرف الكثير هنا عن عادية الحياة، أن «تلك الأشياء تحدث»، ومن المهم أن نتكيف مع كونها تحدث لأن ذلك من سمات النُّضج، «تصير الأشيا بعاد» ويتبدل الناس بأناسٍ جُدد، الوقت يمر ويمر ويمر.. نحنُ نَكبر فنعلم أن العالم يَكبر كذلك، ونتقبَّل طبيعة الأمور، الأغنية وصوت فيروز هو ذلك الإدراك بإن الحياة بتمشي.. وأن الوقت يَخلق الطَّريق اللي رَح نمشيه.
وفي تأويلٍ أبعد، فتاة الأغنية تعلم جيداً أن حبيبها حَزين، وأنه لم يتجاوز محبتها، تريد الطَّبطبة عليه بشدَّة، ولكن بدلاً من ذلك ستقول له كل الحقائق جافَّة وحادّة. وستتركه يَكبر. تبدو غاضبة أحياناً من عمليتها و«نُضجها»: «حتى عيدي أكره فكر فيه/لون الشّمع اللي لازم أطفيه».. ولكن هذا كل ما في يديها لتفعله «بتمنَّى تنسى حبّي وتعفيه». قبل أن تعود لجفاءها وحدتها وسُخفها الناضج.. وفي العُمق حُزنها الشديد.. وهي تخبره: «كل فرحة وبعدها حداد».
أظن، في تلك اللحظة على الأقل، أنها من أعظم الأغاني التي سمعتها في حياتي. وأكثرها دِقّة في التعبير عن الوقت والحزن والثقل والكِبر والعالم الذي يُجبرنا على تقبُّل حقائقه
تأريخ: البوست خَرَج أثناء كتابة بوست آخر عن الإدراكات اللي بتيجي بعد ما الوقت
يفوت، فكَّرت في عنوانه كمقطع من الأغنية ، ذهبت لسماعها وبدأت منها فخرج البوست
بصورته الحالية على نفسِ العنوان، فأجَّلت الكتابة عن الإدراكاتِ لبعض الوقت