1992
السينما كانت بحاجة لكوينتين تارنتينو رُبّما !!
في 22 يناير 1992 عُرِضَ "مستودع الكلاب" للمرة الأولى في مهرجان "ساندانس" مُستقبلاً باحتفاء كبير يليق بالعملِ الأوّل لمن سيصبح فيما بعد – وخلال سنوات قليلة جداً – واحد من أساطير السينما ، العمل .. الذي يبدأ بحوار طويل حول أغنية لمادونا – من يمكن أن يبدأ فيلمه الأوّل بحوارٍ كهذا ؟؟ - حمل الكثير من خصائص سينما تارنتينو : انغماس كامل في الثقافة الشعبية : المفردات .. الأفكار .. طريقة الحياة .. الحوارات التافهة .. اللا منطق في الجريمة ، وإلى جانب ذلك : هناكَ ولة وعشق لكل تفاصيل السينما وتأثراً واضحاً وصريحاً بمدارسها المُختلفة
تارنتينو الذي قضى سنوات طويلة من حياته عاملاً في إحدى محال الفيديو ومُشاهداً لآلاف الأفلامِ .. من أسيا إلى أوربا ومن جودار إلى كيراساوا ومن أعظم الأفلام في تاريخ السينما إلى أردأها وأكثرها سوءً ، تلك "الثقافة السينمائية" منحته مساحة واسعة من عدم التقيُّد بأي أسس أو قواعد وهو ما بدى واضحاً منذ فيلمه الأول وتجلّى في أقوى أشكاله من خلال عمله الثاني الذي منحه سعفة كان وأوسكار أفضل سيناريو واحتفاء نقدي لم يوازيه أي فيلم آخر بين أفلام التسعينات ، وفرض صاحبه بوضوح - وعبر فيلمين فقط – واحد من أشهر وأهم المخرجين على مستوى العالم وأكثرهم ثورية وإضافة للسينما وتجديداً في أُسسها السردية
الفصل الثاني : من أجل حفنة أوغاد
2009
في عمله السادس ، يستمر تارنتينو في ممارسة هوايته المحببة في "اللعب" بالسينما لآخر ما يستطيع ، صانعاً عملاً لا يشبه أي فيلم آخر قد شاهدته من قبل
فعلياً ، بدأ تفكير تارنتينو في مشروع عن الحرب العالمية الثانية مُنذُ "بلب فيكشن" ، وعملياً بدءَ كتابته قبل "جاكي براون" وفكر في تنفيذه بعد "كيل بيل" مباشرةً ، وصفه حينها في حوارٍ قصير بأنه "عملاً حربياً وسباجيتي ويسترن في نفس الوقت" ، ولكن إعادته كتابة الكثير من أجزاءه ورغبته في أن يخرج العمل الذي يعتقد أنه سيصبح "الأعظم" في مسيرته جعل تنفيذه يتأخر حتى نهاية العِقد ، وكان السؤال عندما بدأ أخيراً في تصوير الفيلم - في أواخر 2007 -: كيف يمكن أن يجتمع تارنتينو والحرب ؟
وفي مايو الماضي ، عُرِضَ الفيلم في مهرجان "كان" السينمائي للمرة الأولى – كثالث فيلم له يُعرض في المسابقة الرسمية – ولم ينل ما انتظره تارنتينو من احتفاء ، البعض رأى فيه تطويلاً .. آخرون رأوا عدم تماسك في الأحداث ، مجملاً كان الاستقبال متوسط ، ليقرر تارنتينو حينها أن يعيد الفيلم إلى غرفة المونتاج من جديد قبل عرضه رسمياً في أغسطس ، وهو القرار الذي منحه – بعد ثلاثة أشهر – استقبالاً نقدياً وجماهيراً حافلاً عند عرضه الرسمي ، ومنحه أيضاً تصفيقاً بعد نهايته من خلال حفنة رجال شاهدوه في سينما "نايل سيتي" خلال عرضه الأول في القاهرة أمس
الفصل الثالث : فيلم للسينما
الشيء الأجمل .. الأعظم .. الأكثر تألُّقاً في سينما تارنتينو هو "عشقه للسينما" ، الرجل يتنفس سينما ويُفكّر بها ولا يجد ما يشغل باله إلا أن يلهو من خلال كل فيلم ، لا يوجد "قضية" معينة .. لا يوجد "فكرة" يُريدُ إيصالها .. لا يوجد "قصة" واضحة أو "حبكة" تُتابع .. لا يوجد حتى "صنف" سينمائي يمكن أن يشمل أي فيلم من أفلامه ، كما يقول هوَ نفسه "يمكن التصنيف كـ "فيلم لتارنتينو" ، وكفيلم "حربي" يخرجه تارنتينو .. فالأمرِ أبعد ما يكون عن الحرب أو كُتب التاريخ أو المعلومات التي عرفناها عن الحرب العالمية الثانية ، الأمر بكامله يبدو كلعبة .. هدفها الأساسي الاحتفاء بالسينما ، أكثر من أي فيلم آخر للرجل ربما :
1- دائماً ما اعتبر تارنتينو أن هُناك أربعة مخرجين أصحاب فضل حقيقي عليه ، سكورسيزي وبريان دى بالما وهاورد هوكس – الذي قال أنه قضى سنة ونصف يشاهد كل عمل يُعرض له في التلفزيون عندما اكتشفه لأولِ مرّة - ، إلا أن أيًّ من هؤلاء الثلاثة لم يحقق على الرجل حجم التأثير الذي منحه الرابع : المُعلّم والأستاذ "سيرجو ليوني" ، تأثير واضح في كل أفلامه السابقة ووصل لأن يكون الاسم الأول للأوغاد هو "Once Upon a Time in Nazi-Occupied France" – على نسق اسمي أعظم فيلمين لليوني – قبل أن يتراجع عن ذلك ويمنح الاسم فقط لافتتاحية العمل
في افتتاحية العمل ، هُناكَ فصل أول ، يعتبره تارنتينو "أعظم ما كتبه في حياته" ، وأعتبره شخصياً "أعظم ما أخرجه" ، افتتاحية ممتدة لمشهد طويل – ثُلث ساعة بالظبط – كتحيّة خالصة لليوني وسينما الغرب ، في طريقة بناء المشهد .. تفاصيله .. حجم لقطاته .. طريقة تقطيعه .. نهايته ، قصة "هارمونيكا" في ملحمة الغرب تُعاد هُنا من جديد في مشهد يبدو وكأن ليوني هو من أخرجه فعلاً ، ويبلغ بتارنتينو حجم الجنون أن يُعيد توزيع سوناتا بيتهوفن الأشهر "ضوء القمر" عن طريق النايّ – على خُطى إنيو موريكوني في إفتتاحيات أفلام الغرب – صانعاً خليطاً – موسيقى بيتهوفن على مشهد ويسترن – لم يكن أحد ليصدق أنه يمكن أن يحدث
2- عبر كلّ أحداث الفيلم بعد ذلك هناك تقدير وحب للسينما : تحية لمشاهد ولقطات كلاسيكية .. بطلة الفيلم التي تمتلك دار سينما تصبح مسرح الأحداث.. حوارات عديدة حول الصناعة .. حوارات أُخرى حول مخرجين وأفلام من هذا الزمن .. مقارنة بين السينما الألمانية والفرنسية .. مشاركة ممثلة ألمانية مع المخابرات البريطانية من أجل قتل الفوهرر .. جاسوس بريطاني كان يعمل "ناقد أفلام" قبل الحرب ، في كلّ التفاصيل - التافهة منها قبل الجديّة - هناكَ تحيّة للسينما
3- أحد أعظم مشاهد الفيلم في نظري ، فيلم "تسجيلي" لا يمتد لأكثر من دقيقة ، يتحدث عن "النترات" سريعة الاشتعال في الفيلم الـ"35 مللي" ، تارنتينو يُرسل التحيّة لسينما الثلاثينات – التي عَشَق منها الكثير – ويمنح فيلمه هو نفسه جزءً من السِحر الذي منحه سابقاً لـ"كيل بيل" في مشهد "الأنيماشن" الشهير
4- جزء من عظمة تارنتينو يَكمُن في قدرته على "التهريج" دون أن يفقد فيلمه ولو جزءً من تماسُكه ، وجزءً من روعة "أوغاده" هو أنه أكثر أفلامه تهريجاً بالسينما – حدّثني عن مشاهد "التصوير البطئ" هُنا ! – والوحيد ضمن أفلامه أيضاً الذي يمكن اعتباره "كوميديا" صريحة ، دعك من تصنيف الـ"Imdb" .. أي الدراما وأين الحرب هُنا ؟؟ هذا فيلم – إذا تجاوزنا تصنيفه كـ "فيلم لتارنتينو" – كوميدي قبل أي شيء
الفصل الرابع : كيل هِتلَر
حتى عبر العرض الدعائي ، وعصبية هِتلَر المُضحكة في نهايته ، بدا ظاهراً بوضوح أن تارنتينو ينوي "فَشْخ" هِتلَر هُنا ، ولكن من كان يتصوّر أن "يُُفْشَخُ" إلى هذا الحد ؟؟
الناقد الكبير "روجر إيبرت" كان قد قال في عنوان مقالته عن الفيلم "لتذهب كتب التاريخ إلى الجحيم ، تارنتينو سيخبرنا بالحقيقة"
تارنتينو هُنا يُعيد تشكيل التاريخ بالسينما فعلاً ، وهو شيء حدث على استحياء في أفلامٍ سابقة ، ولكن الرجل يفعله هنا عبر واحد من أهم أحداث القرن العشرين : كيف انتهت الحرب العالميّة الثانية ؟؟
تارنتينو يحوّل التاريخ إلى قصة كوميكس ، أو إلى فيلم عصابات رخيص ، يقرر أن الحرب قد انتهت بفضل رغبة انتقام - ككيل بيل - وخطّة مُحكمة لمجموعة أوغاد - كجاكي براون - ، يجعل شخصيات القرن الأشهر كاركترات في عبثٍ لا ينتهي : تارنتينو مجنون .. تارنتينو قَذِر .. تارنتينو عبقري
الفصل الخامس : رائعة ابن العبيطة
"I think this might just be my masterpiece"
وإن كُنت – رغم كل الدهشة والإعجاب – لا أعتقد أن هذا العمل هو "تحفة" الرجل ، ليسَ أفضل بالتأكيد من "بلب فيكشن" و"كيل بيل" ، ولكن حتى بغض النظر عن مقارنته بأعماله الأخرى .. فهناك نقص واضح يتعلّق بهبوط الإيقاع في مشهد القبو - الطويل بشكل مزعج - ، تارنتينو عجز أن يمنح المشهد حوارات لافتة تميز بها .. أو توتُّر كان يُمكن أن يُضفى عليه ، وفي وسط إيقاع سريع ومتوتّر جداً من البداية كما حدث هنا .. بدا الفيلم ضائعاً لدقائق قبل أن يَعلو الإيقاع من جديد وحتى النهاية
تقنياً ، الرجل يبدو في واحدة من أفضل حالاته ، استخدام "عظيم" للموسيقى التصويرية التي كان يفترض أن يضعها إنيو موريكوني واعتذر في النهاية لانشغاله بأعمالٍ أخرى ، فاستخدم تارنتينو أسلوبه في توزيع مقطوعات موسيقية شهيرة ، واستخدم أجزاء من موسيقاه في أفلامه السابقة ، وعبر عمله الثاني- بعد كيل بيل - مع المصوّر العبقري روبيرت ريتشاردسون يمنح الفيلم تنوعاً يحتاجه تبعاً للمعالجة التي وضعها تارنتينو : نفس الرجل الذي قدم تصويراً هادئاً بلقطات شهيرة جداً في أفلام الويسترن خلال الفصل الأول .. هو نفسه الذي "لَعِب" بكاميرا محمولة خلال الفصل الثاني خلال مشهد "الترجمة" المجنون مثلاً ، ومع رفيقة دربه "سالي مينك" التي تحمّلت تبعات جنونه .. من خفض مُدة الفيلم من ثلاث ساعات حتى ساعتين ونصف – هُناك أدوار كاملة حُذفت في المونتاج – وحتى رغبته في إعادة مونتاجه من جديد بعد عرضه في "كان" ، وفي النهاية هو يمنح "براد بيت" دوراً مجنوناً يُكمل به جزءً جديداً من مسيرته المميزة للغاية .. ويمنح كذلك الممثل النمساوي كريستوف والتز – نجم العمل الأول أدائياً – جائزة أفضل ممثل في مهرجان "كان" ويجعله واحد من أكثر الأداءات المُنتظر ترشيحها للأوسكار هذا العام
مجملاً ، هذا فيلم عن السينما قبل أي شيء ، عن سِحر الـ "35 مللي" ، ولذلك سيتحوّل بسهولة لكلاسيكية سينمائية عبر السنوات المقبلة ، سيصبح التناول الأشهر لـ"هِتلَر" في السينما ، والمعالجة الأكثر "مُتعة" للحرب العالمية الثانية ، لن يقتطع فروة رأسك ولكنه "سيمنحك شيئاً لن تستطيع إزالته أبداً" : جنون مُخرج عظيم يُدعى كوينتن تارنتينو
هناك 5 تعليقات:
أنا لما قريت القصة على IMDB اتحمست .. قلت شكله فيلم مختلف .. (مع ملاحظة اني لا أفقه شيئا في السينما) .. لما قريت كلامك عن الفيلم بقى .. وعرفت ان مخرج الفيلم ده هو ذات نفسه مخرج pulb Fiction .. قلت ده أكيد فيلم مختلف ..
بأول 15 جنيه هيبقوا معايا .. هخشه ..
بس عارف لو ما عجبنيش هعمل فيك ايه؟؟ هدفعك الـ 15 جنيه .. انت حر
:))
هوّ لازم يعجبك عشان في كل الأحوال مش هتطولي حاجة
أنا بعاني من أزمة مالية طاحنة لدرجة إني كنت ببيع هدومي إمبارح في محادثة على الماسنجر ، فأكيد مفيش 15 جنية ، حبّي الفيلم أحسنلك
:D
حتى انت يا محمد؟ ده أنا كنت ناوية أستلف الـ 15 جنيه أخش بيهم .. وأقولك انه ما عجبنيش أيا كان وآخدهم منك وخلاص ... بالمناسبة لو لسه ما بيعتش هدومك عندي مشتري كويس كان شاري مني قبل كده
:D :D
حلوة الكتابة يا محمد
بس فعلا الفيلم مش ماستر بيس ولا حاجة
وكيل بيل او بلب فيكشن أجمل منه
وتبقي الموسيقي التصويرية واداء والتز
أجمل حاجة في الفيلم
www.goonflash.com
the best flash games on out site
إرسال تعليق