يوم 29 يناير الصُّبح نزلت ميدان التحرير الساعة 9 تقريباً، كنت روَّحت الليلة اللي قبلها قُرب الفَجر على بيت صَديقة قديمة عشان أعرف أَطَمّن أهلي وأطمن على أصحابي في ظل إن التليفونات مَقطوعة، وكُنت مُحبط جداً عشان آخر مشاهد من الليلة اللي قبلها –رغم ملحمية 28 يناير- كانت كابوسية جداً، خطاب مُبارك.. مُدرَّعة الجيش اللي وصَّلت ذخيرة للداخليَّة.. صوت القنابل اللي متوقفش لحد ما مشيت.. والسؤال عن انحياز المؤسسة العسكرية هيكون للنظام ولا للانتفاضة الشعبية اللي بقت ثورة من كام ساعة، والراجل اللي كان بينَهْنَه جوا نفسه في مركز «هشام مُبارك» واحنا بنسمع خطاب مبارك والاشتباكات مع مُدرَّعات الجيش في الشارع، صورة ضيّقة كده اتحاصرت جوَّاها كانت مخليَّاني قلقان ومُحبط في اليوم اللي بقى بعد كده أعظم يوم في حياتي/حيواتنا
بالخلفية دي، لما نزلت الميدان، كان مُجرَّد إننا لسه متجمَّعين وموجودين أمر عَظيم، سمعت صوت القنابل والرصاص لسه مُستمر في شارع محمد محمود، رُحت على هناك، دي المَعركة الصغيَّرة اللي تاهت وسط ملحمية 28 يناير وموقعة الجمل –رغم إن أعداد الشهدا مثلاً فيها كان أضعاف عدد شُهداء 2 فبراير-، الداخلية كانت بتتعامل بافترا وتجبُّر شديدين باعتبار إن مفيش حاجة تانية تخسرها، عددنا كان قليل جداً، كل شوية واحد يُقع برصاصة في دماغه أو صِدره، بس الناس ثابتة عشان تمنع أي قوات من إنها تِدخل أو تقرَّب الميدان –نفس الصورة اللي اتكررت بعدها بـ10 شهور؟!-
بعدها حَصَل هُدْنَة، نَقيب جيش تدخَّل بين الداخلية والمتظاهرين، الضرب قَل، رجعنا الميدان، الضرب بيحصل على فترات مُتقطعة، توقف في ساعات النهار، رِجع في فجر يوم 30 بقتل مُتعمّد لأي حد بيقرّب من الشارع، لحد ما العدد زاد جداً ظُهر يوم 30 وبقى فيه انتصار واضح بالناس، الجيش حُيّد شعبياً بهتاف "إيد واحدة"، والداخلية انسحبت تماماً من المُحيط ده، واتقال إن حبيب العادلي خَرج متنكر في زي نسائي عشان يعرف يطلع من الوزارة
.
.
يوم 9 أكتوبر كان أول أيام قطم الضهر الكبرى في الثورة، القهر مش إن الناس تموت، عشان كده "محمد محمود" شيء عظيم، فيه نديَّة ومُقاومة رغم الموت، بس القهر الحقيقي إن الناس تداخد على خوانة وعلى غفلة، زي ما حصل في ماسبيرو وزي ما حصل في إستاد بورسعيد، ولما نضيف فكرة استباحة الدولة لأقلية دينية وتنمية مشاعر الفتنة عند الناس عشان اللي حصل يعدّي.. فالأمور في ماسبيرو كانت أكبر من التحمُّل
بَظُن دايماً إن الأحداث الكبيرة في الثورة بترتبط من غير ما نَشْعُر بصورة، شَهيد أو شخص ما، بالنسبة لي عَ الأقل ده بيحصل طول الوقت، عين حرارة في محمد محمود أو الشيخ عماد في مجلس الوزرا أو أنس في بورسعيد أو جيكا في محمد محمود التانية أو الحُسيني في الإتحاديَّة أو أسماء في رابعة، وصورة مينا دانيال كانت كل شيء بشأن مَذبحة ماسبيرو
نَهْنَهة الناس بصوت خفيض في التأبين اللي اتعمله في مسرح روابط بعدها بأيام، المسار بتاع حياته كشاب عادي جداً مُتعلق ومُرتبط بالثورة، أخته اللي فيها شيء من حِسُّه، صورته الحقيقية بعد ما مات بدقايق، وصورته الشعرية في قصيدة أمين حدَّاد لاحقاً كـ«شهيد مبتسم وبيشكر البنت اللي زغرطت في جنازته»، وجملته العَظيمة اللي بتختصر كل شيء في الفيديو اللي اتنشرله بعدها «ليه الثورة جميلة وحلوة وانتَ معايا؟»، ده اللي تبقَّى لَنا من مينا، اللي بقى –مع الوقت- رَفيق بَحمله ذكريات حتى لو عُمري ما شُفته
عشان كده لما اكتشفت بعد سنة وأربع شهور إني فعلاً شُفته.. كان شيء مُدْهِش
.
.
في ذكرى الثورة التانية، يناير 2013، بسَّام مُرتضى اقترح عليَّ نِعمل حلقات متتابعة للمصري اليوم، 18 حلقة على مدى الـ18 يوم، نستغل فيها الماتيريال الضخم اللي موجود عندنا في تأريخ الثورة، لأسباب كتير الشغل ده.. الساعات الطويلة اللي قعدت أتفرَّج فيها على ماتيريال الـ18 يوم.. وشعور استعادة الثورة اللي كان بيَغمرني وقتها.. كان من أعظم الحاجات اللي حصلت لي السنة دي
من ضمن الأسباب دي، أهمها في الحقيقة، لما شُفت ماتيريال يوم 29 يناير، اكتشفت إن نَقيب الجيش اللي وقف بينا وبين الداخلية هو ماجد بولس، الشخص العظيم اللي عرفته بعدها بأربع أيام في موقعة الجَمَل، وعندي ليه حكاية كبيرة بالنسبة لي هحكيها يوماً ما، واكتشفت كمان إني كُنت بجوار مينا دانيال يومها طول الوقت
مش عارف أصف كنت حاسس بإيه، أو تحديداً مش عارف أصف اللي شَعُرته بحياد عاطفي مفيهوش مُبالغة، بس أنا حسّيت إن بقى فيه ذكرى ما بينا تِسمح لي أقول إني كنت أعرفه "ده إحنا حتى كنا مع بعض عند الداخلية يوم 29 يناير الصبح"، وحسيت.. بقامته الثابتة وعلامة النَّصر اللي بيرفعها في «شارع محمود محمود» وقدَّام «كوستا وبينوس» تحديداً –في خلفية الصورة- كإنه كان موجود معانا طول الوقت في الست أيام من 19 لـ25 نوفمبر 2011، كإن الزَّمَن اتحرَّك، كإن الصورة –اللي لو مقلتلكش إنها في يناير مش هتعرف إنها مش في نوفمبر- إثبات إنه كان بالجوار، وأن رُوحاً لم تُبارِح هُنا
.
.
-محمد
- مينا
- ليه الثورة جَميلة وحلوة وانتَ معايا، ويُضاف إلى ذلك.. هِناهو هِناهو هَنشنقه هِناهو.. في تمارين الصباح إن شاء الله
تعريف المُسلسل العَظيم بالنسبة لي هو إنه المُسلسل اللي بعد فترة
من المُشاهدة تبتدي تتكلم عن شخوصه بأسماءهم فيه مش بأسماء المُمثلين، وتتوَرَّط
جوَّاه لدرجة الاهتمام بمصائرهم والحَديث عنها ومُناقشتها، ويتحوَّل في لا وَعيك
تدريجياً لإنه حاجة حقيقية بتحصل مش عالم مُختلق
عندي نظرية إن مُشاهدة المسلسلات أسهل بكتير من مشاهدة الأفلام،
وإنك تشوف 10 حلقات متتالية من مسلسل متابعه أسهل من إنك تبدأ فُرجة على فيلم،
عشان الأمر مُتَعَلّق بالتعرُّف على العالم، في الأفلام فيه عالم جديد بيُبْنَى في
أول 15 دقايق.. مِحتاج مَجهود منّك في التورُّط قبل ما تبدأ مرحلة
"الفُرجة".. وإدراكك ,وتعلّقك بالعالم ده مُرتبط بحاجات زي مَزاجَك
اللحظي مثلاً، في المُسلسلات انتَ غالباً بتدرك عالمها من أول حَلقة.. وحتى لو
مسلسل وِحش بس انتَ سَهل تتابعه من أي نُقطة عشان عارف حدود العالم اللي بتتحرَّك
فيه فمفيش مَجهود بتبذله عشان "تتفرَّج"
في المُسلسلات الأجْمَل الأمر بيتجاوز لاحقاً نُقطة «الفُرجة» وقد
إيه هيَّ سَهْلَة لليفل الــ«مُعايشة»، التعريف اللي في أول فقرة يَصلح كمُرادِف
ما للكلمة، وكمرادف آخر فمثلاً في آخر السيزون التالت من مُسلسل مُفضَّل كنت بتكلم
مع شريف وفضل عنه.. فشريف قال إنه «بطَّل يقيّم اللي بيشوفه درامياً، بقى بيتقبله
كإن حد بيحكيله حكاية حقيقية حصلت، مش هيقعد يحسبه بالمنطق، هو بيصدَّقه زي ما هو
عشان كِده المُسلسلات عالم عَظيم، بشكل شخصي أنا واقِف على حافته
تماماً، عدد المسلسلات اللي شفتها في حياتي قليل جداً مقارنةً بالموجود،
والمسلسلات اللي شفتها في آخر 5 سنين مثلاً تُعَد على أصابع الإيد الواحدة، ربما
للوقت اللي بتحتاجه للمُشاهدة، والحِسبة دي بتاعة إن «مشاهدة مسلسل واحد كامل ممكن
تساوي مشاهدة 30 فيلم» ولعَظَمة حاجات تانية مُقابلة في السينما بتخلّي الكفَّة
تَمِيل ليها رغم استثنائية احتمالات التورُّط والمُعايشة في المُسلسلات.
بس تقديراً للتلفزيون والمُعايشة والمُسلسلات العَظيمة، حابب جداً
إني أكتب البوست ده قبل 3 أيام من الحلقة الأخيرة من «Breaking Bad»، اللي مُمكن
أدَّعي إنه أعظم مُسلسل شُفته في حياتي، وواحد من أهم تجارب المُشاهدة والتورُّط
والشَّغَف اللي مرّيت بيها بشكل عام.
كنت بفكَّر إني عايز أكتب عن المسلسل نَفسه، وأتمنَّى إني أعمل ده
يوماً ما، قريب أو بعيد، بس لما حاولت كنت حاسس إنّي مُنْغَمِس تماماً لدرجة إن
مفيش حاجة تتقال، أنا في أكبر مراحل إن «حد بيحكيلي حكاية بصدَّقها زي ما هيَّ»،
والاهتمام بمصير «والتر» و«جيسي» في الحلقة الأخيرة أهم من إني أبدأ أتكلم عن قد
إيه كانوا رِفقة في رِحلة طويلة في صحرا «ألباكركي» خلال 61 حَلقة.
فبدلاً من كده، ولإن «بريكينج باد» تحديداً بيرفع جداً من قيمة
«عالم المُسلسلات» والسبب اللي ممكن تِحكي عشانه حكاية في 50 ساعة بدل ساعتين،
ففكرَّت إني أستعيد قبل حَلقته الأخيرة مُسلسلات مُفضَّلة ومحاولة التقاط تجارب
مُشاهدتها، لأجلِ «والتر» و«جيسي» و«هانك» و«جَس» و«سول» و«مايك» وكل الأوقات
الجيدة والعَصيبة اللي حصلت خلال سَنة من حيواتهم وآخر 6 شهور في حياتي.
ملحوظة: هَتكلم عن المُسلسلات العربي الأقرب ليَّ عشان هي الأهم في
سياق مُشاهداتي، وبتحقق بشكل دَقيق فكرتي عن الأعمال التلفزيونية العَظيمة، خصوصاً
لما إن فيه زَّمن عَدَّى على رؤيتي ليها.. بيخلّي شخوصها وأحداثها «ذكريات» حكاية
حقيقية شُفتها يوماً ما.
.
.
- أوبرا عايدة (أسامة غازي وأحمد صقر - ೨೦೦೦):
لسَّه فاكِر كويس مُشاهدة أول حلقة من المُسلسل لأول مرة على
قناة «نايل تي في» سنة 2000، إزاي كان شيء مُدْهِش جداً عن كُل اللي أعرفه قبل
كده، بدءً من أغنية عَفاف راضي في المُقدّمة بتلك الخفَّة العَظيمة، مروراً بكل
التفاصيل الصغيَّرة من أول لَحظة: البيت القديم اللي بيتهز لما الترام يعدّي،
المحطَّة المتسميَّة باسم «سيد أوبرا»، صورة حَبيبته المحطوطة ببروزا جنب السرير
وهو قاطع منها جوزها اللي واقف جنبها، علاقته بـ«الفيل» وحركته في المَدينة كلها
كأنَّها بَيت أبيه.
لاحقاً كانت كل تفصيلة في كل حلقة بتدعّم قد إيه ده مُسلسل مَفيش
زيُّه، عالم «إسكندرية» اللي بيتخلق هنا مُمَيّز جداً، رغم اعتماده برضه على فكرة
إنها «مَدينة مَفتوحة»، بس وِسع الأرضية اللي بيتحرَّك فيها، وتَشابُك مصائر
شخصياتها، ودقة كل شخصية وإزاي مَرسومة بتفاصيل نَضِرَة جداً لدرجة إنك سهل تفكَّر
أي حد شاف المسلسل من زمان بيها، عوضاً عن الشكل ده من «الملحميَّة الصغيرة» اللي
بيمشي فيه في حلقاته الأخيرة. كل شيء هنا كان جَميل فعلاً.
فاكِر إني كُنت مَبهور بإنه أول مسلسل لمؤلفه «أسامة غازي» وكان
بسهولة ممكن تتوقع إنه «ذا نيكست عُكاشة»، فاكِر إني اتصدمت لما مات بعدها بسنتين
من غير ما يَترك إلا مسلسل تاني مَكتوب، فاكر إزاي مَحَبَّة وقيمة «أوبرا عايدة»
كانت بتزيد مع كل مشاهدة على مَدار السنين، وإني مع الوقت بقيت متأكد إن ده
المُسلسل الأقرب لقلبي.
- أنا وانتَ وبابا
في المشمش (أسامة أنور عُكاشة ومحمد فاضل- 1989):
المُسَلْسَل الفَلْتَة
بفكَّر إن مَفيش فنانين في تاريخ التلفزيون المَصري كانوا أحرار
وهما بيعملوا مُسلسل زي عُكاشة وفاضل في الحاجة الاستثنائية اللي حَصلت هِنا في
خَطف من الزَّمَن
على مستوى الكِتابة، أكتر حاجة بتبهرني في المُسلسل هو إزاي إن
العالم عمَّال يكبر كل شوية بـ«عبدالباقي الجوهري» وبنته و«بشير»، من مواجهة مع
مُدير المؤسسة «السمري بيه»، بتتسع لمُتحكم رأسمالي في المَدينة «أبو صالح»،
وبتوصل –ببنا درامي عَظيم- لإنها حاجة بكبر حَجم بلد كاملة مع «صديق عَشَم الخير»
و«لبيب شَطَا» و«مدحت السرنجاتي» و«باهر الأمير» (ماذا عن الأسماء أصلاً؟! شوف
مشهد تقديمهم العظيم في الحلقة التامنة)
الحاجة التانية إن المُسلسل هو مُواجهة كلاسيكية بين الخير والشر،
ناحية فيها «جوهري وبنته ويوسف ونجاتي وبشير» والناحية التانية فيها عصابة الستة،
والشر مُتَحَكّم وأقوى بكتير، بس على عكس أغلب المسلسلات المصرية اللي بتجتر
المأساة بغُلب الخَيّرين، فالخير هِنا واسِع الحيلة جداً، ما يَنقصه من قوة
بيعوَّضه بالذكاء، وبتبقى المُعادلة متكافئة طول الوقت، الإيقاع مَشدود ومُحتمل أي
حد يكسب. لعبة مُفضَّلة لعُكاشة عن موازنة القوى وصلت ذروتها هنا في رأيي.
المُعطيات دي كافية لوحدها إنها تِطلع مُسلسل حِلو، بس ده مُسلسل
فَلتة فعلاً، الشكل الفنّي اللي اختاره عُكاشة بعد أربعة من نجاحاته الكُبرى (من
ضمنهم مَلحمة «ليالي الحِلميَّة») كان حُر فعلاً، ومعنديش كلمة تَصفه غير
«الحريَّة» والقدرة على اللّعب، «مشاهد الحوار الغنائي أشعار أسامة أنور عكاشة»
وتنفيذ فاضل ده بالقدر المُناسب من الخفَّة وأصوات الناس اللي بتتآلف معاها
وأيقونيّة حسن عابدين والمنتصر بالله ومن بعدهم كل المُمثلين بلا استثناء.
شُفت المُسلسل لأول مرة في يوليو 2010، كنت بتفرَّج عليه مع جدتي،
وفي نُص الفُرجة توفَّت، كنت مُمتن إن دي الذكرى الأخيرة، بالليل كنا بنشوف
الحَلَقة.. بعدها بكام ساعة ماتت صباحاً في سَكينة، الله يرحمها
على عَكس المُسلسل اللي فات، «عُكاشة» هنا، وفي أول مراحل تكوُّن
أسطورته ومسيرته الاستثنائية، كان مُنتمي تماماً لكل قواعد الدراما الكلاسيكيَّة،
وبيحقق فيها ذروة حقيقية في التلفزيون المصري وقتها
أنا مبحبش الجزء التاني خالص، عشان لما العالم بيكبر بتفلت منه
شخصيات الأبناء وبيعمل غلطته المُفضَّلة إن الناس تنقلب تماماً عما كانت عليه،
عوضاً عن كَم الميلودراما الزايدة اللي مَلأ بيها الأحداث، أنا بَقفل من مُجرد
تذكر عبدالمنعم إبراهيم مثلاً!، كان جزء تاني سيء فعلاً
بس في المُقابل، في الجزء الأول من المَلحمة، بين حافظ وشوقي، بين
دولت وزينب، كان فيه دراما شكسبيريَّة عَظيمة فعلاً، حتى لما بتطوّر ناحية جوانب
أكثر مأساوية، عُكاشة بيعمل –لأول مرة هنا- موازنة قوة الخير في مُقابل الشر، بخلق
شخصية عظيمة زي «زينب»، بيكون فيه تَحيُّز من المشاهد نحوها، بس مش منبعه الشفقة
خالص –على عكس المسلسلات العربي برضه- بس مَنبعه إنها شخصية قوية وصَلْبَة مش
بتراوض في حقها ولا بتهادن عشان توصله، وفيه ثقة منّا نحوها إنها هتتصرف وتربي
ولادها كويس ومش هتنكسر، أقوى شخصية نسائية في مسلسل غالباً؟
فاكِر إني سَقَّفت، حرفياً، في آخر مَشهد من الجزء الأول، لما دولت
بتروح لزينب البيت، وتاريخ طويل عُمره 10 سنين مثلاً بيترمي عَ الترابيزة، لما
بتقولها إنها عارفة إنها كانت بتحب شَوقي ونفسها تتجوّزه وقرت الرسايل اللي كانت
منها ليه، كإن ده السّر الكبير اللي بيتكشف وبيخلّي لكل حاجة شفناها مَعنى أكبر،
ولما دَولت بتتزن من المفاجأة، الشخصيتين بيقفوا قدام بَعض بتحدّي ورهان على
المُستقبل، «ولاد زينب وشوقي هيبقوا أحسن من أولاد دولت وحافظ»، خسارة إن الجزء
التاني كان وِحش والله، بس الأولاني هيفضل بالنسبة لي دراما كلاسيكية عَظيمة.
- الزيني بركات
(يحيى العلمي ومحمد السيد عيد 1995):
التعريف الأعظم، وربما الوحيد، للملحمة التاريخية في التلفزيون
المصري؟
فاكر إني لما قريت الرواية، بالزَّخم اللغوي اللي فيها، في المرة
الوحيدة اللي «جمال الغيطاني» يُظبطه عشان يخدم على النَّص والحدث مش مُجرد فائِض،
كنت شايف صعوبة شديدة في تحويل اللي بيحصل لوسيط تاني.
لما شُفت، كنت مَبهور تماماً، الدّقة دي في كل التفاصيل، والقدرة
على تحويل تداخلات النَّص وتعقد أحداثه لصورة مَلحميَّة كبيرة فعلاً.
الرواية بالنسبة لي هي مُساءلة واحد من جيل الستينات ومُنتمي
للتجربة تماماً للقهر السياسي والاجتماعي اللي حصل أثناءها، من خلال الاعتماد على
التشابهات التاريخية بين الوقت ده وبين السنين الأخيرة قبل سقوط دولة المماليك.
المُسلسل كان أكثر تحرُّراً من إيجاد التشابهات دي، وده خلاّه –بشكلٍ ما- أكثر
عموميَّة في تناول العلاقة بين الحاكم والمَحكوم. وخَلَق صورة أيقونية مُناسبة
للـ«الزيني بركات» بقدر الرواية.
مُسلسل مُدْهِش، وممثلين كبار في المرّة الوحيدة يمكن اللي كان
عندهم مساحة يعبروا عن قد إيه هما ممثلين كبار.
- أحلام الفتى
الطائر (وحيد حامد ومحمد فاضل – 1978):
عايز أفتكر إذا كانت أيقونية عادل إمام، حركة إيده على مناخيره قبل
ما يتكلّم، تقطيعاته للجُمَل وطريقته في الحوار، القدر ده من الخفَّة و«الكولنيس»،
بدأت هِنا الأول ولا في حاجة أسبق
بداية الشراكة طَويلة الأمد بين وحيد حامد وعادل إمام كانت في
التلفزيون مش السينما، حكاية بَسيطة، وسينمائية أكتر منها تلفزيونية، لشخص بيتفق
مع دكتور في مستشفى الأمراض العقلية على إنه يدخل هناك هروباً من جريمة ما، وبعد
ما بيدخل الدكتور بيموت وبيلاقي نفسه مُتَوَرّط ومفيش قدامه سبيل غير الهَرب مع
مريض تاني دخل المُستشفى ظلماً.
الحكاية البَسيطة دي بتُمنحها التفاصيل زَخَم شديد، مش فاكر كل
تفاصيل المسلسل بس حاسس في روحه إن «مسلسل طَريق»، مش عارف فيه تعبير كده ولا لأ،
بس هو في السينما فيه «رود موفي»، الأفلام اللي بتدور في الطُّرق والرحلات وبتكتسب
قيمتها من اللي بيقابله البطلين –غالباً بيكونوا 2!- أثناء رحلتهم، الأمر هنا
مُشابه.
بس الأهم من الزَّخَم جه حتى هو خصوصية المُمثلين اللي كانوا هنا،
الدّقن والمليجي وصلاح منصور ونجاح الموجي وسعيد صالح، وعادل إمام قبل أي حاجة،
وأيقونيته اللي بدأت هِنا، «اسمي إبراهيم» *يَعقد يديه على شكل عَصفورة* «إبراهيم
الطاير».
- رأفت الهجّان
(الثلاثية) (صالح مرسي ويحيى العلمي – (1987-1991):
ليه المُسلسل ده تحديداً، وفي 3 أجزاء، فَلَت من ابتذال الأفكار
الوطنيَّة وحكايات ملفّات المخابرات السخيفة وعدّى بكليشيهاته العَديدة لإنه يبقى
شيء كلاسيكي عالي القيمة للدرجة دي؟
معنديش
إجابة واضحة إلا التقدير الشديد لأيقونيَّة كل تفاصيله، بدءً من موسيقى عمَّار
الشريعي –كنت بفكَّر في التعليق أكتب بس مُجرد "تيرارا را را را را را
تارارا" وبعدين حَسيته سُخف فمعملتهاش بس كان تقدير للموسيقى كاختصار
لأيقونية كل شيء هنا-، مروراً بإن المسلسل بقى المَرجعية عند المصريين لتفاصيل
المُجتمع الإسرائيلي ومحدش بقى مُهتم فعلياً –أو أنا عن نفسي- في تبين مصداقية
الصورة المَرسومة من كتر ما هي حِلوة، عظمة الشخصيات اللي لسه مَحفوظة بأسماءها
لحد دلوقتي، والعلاقات اللي مَكتوبة وأُخرجت برقَّة بالغة حوّلت أي كليشية لمشهد
حلو وباقي في الذاكرة.
وطبعاً محمود عبدالعزيز، الكاريزما الأعظم بين كل المُمثلين
المصريين في واحد من مساحات تجليَّاته العظيمة.
.
.
.
ذِكر شَرفي: كل ما لم يتسع المجال لذكره لعكاشة (ليالي الحلمية
(أول 3 أجزاء)، أرابيسك (أيام حسن النعماني)، رحلة السيد أبو العلا البشري (ج1)،
زيزينيا (ج1)، الرّاية البيضا)
ملحوظة: كان مفروض النوت تكون 5 مسلسلات، بس سَرحت في الكتابة
وطِلعوا 6، فغيَّرت العنوان على وَزن أحد أفلام جودار ملحوظة تانية: كَتبت البوست من 10 أيام، قبل عرض الحلقة الأخيرة، بس منزلتوش هنا غير دلوقتي لدواعي الكَسَل مش أكتر، ومحبّتش أغيَّر في الإشارة الزمنية اللي موجودة فيه