لأجلِ رَوح هبة وخاطِرها
.
.
.
.
.
.
الله، حينَ خَلَقَ الكَون، أوجَدَ كُل الحياة في النّهار، هو
الحَركة والعَمل، جِيئَة الناس وذهابهم، هو النُّور الذي يَنبع من السماء، وفي
المُقابل.. فإن اللّيلِ هُوَ الظُّلمة، السّكون والنَّوم، هو الوُحْشَة.. لا لمَن
سَهِروه ولكن لِلّيلِ نَفسه الذي يَخلو فيه العالم من الحياة.
لذلك،
فإن الله حينَ شَرَّع العبادات.. جَعَلَ ناشِئة اللّيل خَير أوقات العِبادة،
أمر النّاس بقيامه، وتَرتيل القرآن فيه، وخَصَّه بخيرِ الطَّاعات. كان الله
يَجبر بخاطِر الليل ويَنتصر لروحه.
وبالمثلِ،
فإن الله قَسَّم الحياة على أماكِنها، أوجد المُدن والرّيف لمعيشة الإنسان، خلقَ
الغابات التي يرتادها رغبةً في حيواناتٍ تَسكنها، البحر كان لأسماكه، والنَّهر
ليشرب منه، كل الأماكن مُرادة، إلا الصحاري.. يَمُر فوقها عابراً ويرغب في
الانتهاء منها كي يَصِل بين أرضين للحياة.
لذلك،
فإن الله قد اختص الصحاري بالنَّفطِ أكثر من غيرها، ليرتادها الإنسان ويَسكنها.
والله بذلك كان يَجبر بخاطِر الصحراء ويَنتصر لروحها.
بينَ
الناس، جَعَل الله جُبران الخاطِر وانتصار الرَّوح بينهم وبين بَعضهم، أنتَ شَخص
جَيد.. ليسَ لأجلِ نَفسك ولكن لأجلِ الناس، أنتَ لو سَقَطت ستكسر جانباً من
خاطِرهم الذي رَجَاك، ورَوحهم التي عُلّقت بك، أنتَ جبران الله للخاطِر وانتصاره
للروحِ.
وبالمثلِ
أيضاً، فإن الله قد جَعل فيكَ الحَسَن، وحينَ اشتدَّت الظُّلمة أظهره وأوضحه،
ليؤانس تِلك البنت التي دَعَت بأن يعود الغائِب إن كان فيه خَيراً من الله. والله
أعاده. بصدقٍ في كُل ما جَرى، ليجبر بخاطِرها ويَنْتصر لروحها في نَفسِك.
وما يتبقى من انتصارِ رَوحك هو أن تَدَع ما يُريبك إلى ما لا
يُريبك، تترُك القبيح في مُقابل الحَسَن، وتَذْهَب بالخيرِ عن الشّر، أن تَنْظُر
لتسعةٍ وتسعين لازلت تَمْلكهم، ولا تَذهب وراء ضال لن تَجده، وأن تَحْمَد، تَحْمَد
كثيراً، لأننا –رغم كل شيء- يَنْبغي أن نَفرح ونَسُر، لكونِ أخاكَ هذا كان ميتاً
فعاش، وكان ضالاً فُوُجِد. ولأنّكَ كِدتَ تَموت فَعِشت، وكِدت تُضَل فوُجِدت.
ولأنّ الله ظَل دوماً بالجوارِ، يخبر الخواطِر المَكْسورة ويَنتصر للأرواحِ
النّقية.