( 1 )
أذكر منذُ ما يقارب العامين أن حضرت حفلاً لوجيه عزيز بمناسبة صدور ألبومه "ناقص حتّة" ، كان حفلاً سيئاً لا أذكر منه الكثير ، ولكن أكثر ما عَلِقَ بذهني حتى الآن هي تلك الكاريزما التي يتمتع بها "هشام نزيه" بعد صعوده مع وجيه على المسرح وتقديمه لعدد من مقطوعاته ، كاريزما وحضور سأبالغ إن قُلت أنه طغى على حضور وجيه نفسه ، ولكنه الآن أول ما أتذكره من الحفلِ ..
الصفة الأقرب التي يمكن أن يُوصف بها نزيه من أي مُهتم بالموسيقى التصويرية في السينما المصرية هي كونه "مَوْهُوب ومِشْ نَحّات" ، بالأمس كُنت أتحدث مع أصدقاء عن الموسيقى في الأفلام المصرية وكونها من أكثر العناصر تجاهلاً وأن دورها في لا يتجاوز التوجية : حضور الكَمَان أو العود يعني أن المشهد حزين .. البيانو يطغى في المشاهد الرومانسية .. إلخ ، يبدو الأمر وكأنه كتالوج ينقلون منه جميعاً ، ولا يتطلب الأمر موهبة قدرما يتطلب إدراك لتلك الآلية التي يتم التعامل بها مع الموسيقى التصويرية في مصر ، حتى الموهوبين منهم بشدّة - كالأستاذ فعلاً راجح داوود - يتعاملون مع الأمر في أحيانٍ كثيراً بصفته "أكل عِيش" وينحتون أعمال سبق أن قدموها دون أي مجهود وأشهرهم بالطبع هو عمر خيرت ..
هشام نزيه فنان بحق وقريب إلى الناس حتى لهؤلاء الذين لا يعرفون اسمه ، من الصعب تصوّر أن أحداً لم يُحب موسيقى هيستريا .. من الصعب عدم الشعور باختلاف وتميّز الموسيقى التي تقدمها أصالة في "نص حالة" ، أهم ما يميز نزيه في نظري هو الخصوصية التي تطبع أعماله .. من السهل معرفة أن هذه موسيقاه دون معلومة مسبقة .. تلك البصمة أو الروح المميزة لأي فنان حقيقي ، ومن جهة أخرى فهو لا "يَنحت" أعمالاً سبق أن قدمها لسبب بسيط وهو أنه بالأساس لا يعمل كثيراً ، في مسيرته إحدى عشر عملاً كلها - باسثناء فيلمين ربما - أعمالاً جيدة في نظري ، ولا أبالغ إن قُلت أن موسيقى الرجل هي جزء أساسي من أهمية أفلام كبيرة ومميزة كالأبواب المُغلقة وسهر الليالي وهيستريا ..
( 2 )
قبل عدة أيام شاهدت "إبراهيم الأبيض" - بعد تسريبه على الإنترنت في ضربة معتادة جداً لشركة جودنيوز !! - ، لم أهتم بالعمل قبل صدوره لأنه لم يكن به شيء مبشر : شركة إنتاج تُعطي ميزانيات شديدة الضخامة لأفلام ينطبق عليها "جعجعة بلا طحن" - وأحياناً يكون الطحن قذراً كالبيبي دول وبوبوس مثلاً - .. مُخرج لم يُثبت في عمله الأول أنه لم يدخل الفن من بابٍ غير الواسطة .. مؤلف في عمله الأول ولا يُعرفه أحد بغير "الجزار ده أسطورة مافيا لوحده" .. ونجم مؤمن بأنه يجب أن يضرب كل من في العمل كي يثبت نفسه في صنف الأكشن ، الرباعي كان كافياً لأن أُعطي للفيلم ظهري ، ضف على ذلك التعليقات السلبية الكثيرة التي نالها .. ليصبح من المنطقي ألا أراه إلا بعد تسريبه !
وعلى غير المتوقع وغير المُنتظر أعجبني العمل ! ، باستثناء تقديمة سيئة وخاتمة أكثر سوءً - هُناك هَوَس غير مفهوم عند مروان حامد بأن يموت أبطاله في أحضان بعضهم !! - ، فالفيلم كان جيداً فعلاً ، أعجبتني بشدة ديكورات أُنسي أبو سيف .. تفهم ناهد نصر الله لطبيعة العمل وتصميمها ملابس غير معتادة لأفلام العشوائيات لأن الفيلم أصلاً لا ينتمي إليها .. الإيقاع المُمَيّز الذي يخلقه خالد مُرعي - مونتيراً من جديد ! - ، أعجبني "كاركتر" مميز ومرسوم جيداً كـ"عبد الملك زرزور" ومؤدّى "بمعملة وأستاذية" - في ضعفه وقوته - من محمود عبد العزيز ، فاجئني اللعب على تيمات غير معتادة في الدراما المصرية وكون ذلك يأتي من عباس أبو الحسن ..
ورغم كل ذلك فنصف قوة هذا العمل في موسيقاه ، وبدونها لن يُصبح شيئاً ذو قيمة !
خرجت بعد مشاهدة الفيلم مُستفزاً مِن "عَبط" النهاية التي قَبّحَت في فيلم جيّد ، ولكن مُعجباً بجملة من فنانينه وفنييه خلقوا أجواءه فعلاً ، تذكرت أُنسي وناهد ومرعي وعبد العزيز وواكد .. ولم أعرف قبل بداية العمل من وَضَع موسيقاه وإن كُنت قد راهنت نفسي بعد نهايته على كونه هشام نزيه !
( 3 )
منذ عمله المميز في 2006 في فيلم كاملة أبو ذكري - ومع السقا أيضاً ! - "عن العشق والهوى" تغيّب نزيه تماماً ، إشاعات كثيرة ربطته بعددٍ من الأعمال إلا أن ظهوره جاء بشكل سريع ومن خلال "غنوة حلوة" لأصالة حملت عنوان ألبومها الأخير واستخدمت بعد ذلك كأغنية لفيلم "ميكانو" ، ولم أعرف قبل نزول إبراهيم الأبيض - ربما لعدم اهتمامي بالعمل من الأصل ! - أن موسيقاه لنزيه .. وربما ظللت لفترة طويلة قبل مشاهدته مُعتقداً أنها لخالد حمّاد - الموهوب والنحّات في آنٍ واحد ! - ، حتى شاهدته فأدهشتني موسيقاه .. راهنت نفسي وكسبتُ الرهان !!
طموح مروان حامد في فيلمه الثاني هو تقديم عمل ملحمي بأجواء أسطورية ، وإن نجحَ في ذلك إلى حدًّ ما فالفضل أولاً وأخيراً يعود لموسيقى العمل التي تخلق تلك الأجواء ، لا أُبالغ إن قٌلت أن أغلب علاقات هذا العمل قد تشكلت من خلال موسيقاه وليس من خلال قوة سيناريو أو بلاغة مخرج ، هذا الولة الشديد الذي يكنه "عبد الملك زرزور" لـ"حورية" .. أو قوة الصداقة التي تجمع "إبراهيم" بـ "عشري" .. الغريزة التي تقود الأخير نحو "حورية" وعاطفة المحبة بداخلها نحو "إبراهيم" والتي لم تستطع محوها حتى رغبتها في الإنتقام ، هذه العلاقات لا تقنعنا بصلابتها أثناء المشاهد - رغم كون بعض أجزءاها مُنتقده بعدها - إلا بسبب الموسيقى - شديدة الصوفية - التي تُبرزها ببلاغة أقوى وأوضح من أيّ كلمات افتقدها الفيلم وتجعلها أعمق كثيراً مما ستكون عليه دونها ..
ربما مُنذ عمل "راجح داوود" العظيم في تحفة داوود عبد السيد "أرض الخوف" ، لم أتلمس هذا التأثير الذي تمنحه الموسيقى لفيلم مصري وهذه الأجواء التي تستطيع خلقها كي تُدخلك في عالمه كما تلمست هذا التأثير في موسيقى هشام نزيه هُنا .. نزيه في رأيي هو مصدر القوة الرئيسي لهذا العمل !
( 4 )
لا أفهم حتى الآن لماذا لم تقم شركة "جودنيوز" بطرح "سي دي" يحمل موسيقى الفيلم أسوةً بما فعلوا مع ياسر عبد الرحمن من قبل !
( 5 )
عودٌ عظيمٌ !