*****
بعد فترة من الحزن والشجن ، أتخذُ عدة خطوات نحو العتبات ....
*****
المشهد 1 : بنت البارح كبرت اليوم
"وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" *
كل أما أشوف مريم بتكبر في عنيا بيبقى نفسي أسبق الأيام عشان أخدها بالحضن وأغنيلها "يا ملاك يا جنية يا ست الحسن" ، فستانها الأبيض .. شعرها ديل الحصان .. ابتسامتها اللي بتنور الدنيا .. عنيها سوداء النني اللي بتهوّن عليا كل حاجة وبتقولي إن بكرة أجمل طالما فيه مريم بتكبر وبتزهّر ، "مَريم يا محمد" ، أجمل حاجة في الدنيا .. مش عشان بنتي بس عشان هي حتة من الجنة ربنا زرعها ع الأرض .. تملا كل مكان تروحه رائحة طيبة وجنات تجري من تحتها الأنهار ..
من يومين كانت نايمة على كتفي .. وإيدها ماسكة إيدي وبنتفرج سوا على كازبلانكا .. مكنتش قاعد أتفرج على الفيلم قد ما كنت قاعد أسرسب نظري ليها وأشوفها وهي بتتفرج على أكتر فيلم حبيته .. واللي مفرحتش قبل كده في فرجتي عليه قد ما فرحت وأنا بشوفه بعنيها ، بعد ما خلص فضلنا ساكتين حبة وبعدين قلتلها :
- مريم
- نعم يا بابا
- انتِ أجمل بنت في الدنيا شفتها بتقول يا بابا
كنت عايز أقولها سرّ محكتهولهاش قبل كده عن الفيلم ده ، قلتلها إني "وأنا صغير .. مش وأنا صغير أوي وأنا شاب يعني ، وعدت بنت زي القمر إني مش هشوف الفيلم ده تاني قبل ما أشوفه معاها ، وبعدها فضل البُعد يتسرسب بينا ووعدي ليها متنفذش ، وفضلت سنين مشوفش الفيلم ده عشان مكسرش الوعد وعشان حاسس إحساس عبيط إني لو فضلت مشوفتوش هي هترجع في يوم من الأيام ولما نشوفه هتبقى دي أجمل مرة أشوف فيها الفيلم في حياتي ، بس لما انتِ جيتي وبقيتي تقعدي معايا وأنا بشتغل وتقعدي على حجري وأنا بتفرج على أفلام ، حسيت إننا لازم نشوفه سوا وطلعت الفيلم اللي رغم السنين لسه فاكر كل لقطة فيه ، وشفناه أنا وانتِ ويوسف اللي كان لسه بيبي ومامتك ، كانت هي فرحانة عشان دي أول مرة نشوف سوا الفيلم اللي هي عارفه بحبه قد إيه ، وانتِ كنتِ مزعجة زي كل العيال الصغيرين ، شوية تنامي وشوية تسألي ، لما الفيلم خلص خدتك انتِ ويوسف في حضني وبوست مامتك من قورتها وحسيت إحساس كده ميتوصفش ، حسيت إن دي أجمل مرة في حياتي أشوف فيها الفيلم ، وحسيت بالفتى الجميل اللي ادى الوعد أول مرة بيبتسم من بعيد وهو حاسس إن أخيراً وعده اللي عمره أكتر من خمستاشر سنة اتنفذ"
ابتسمت وباستني في خدي ، دايماً مريم مبتقولش بس بحس إنها أكتر حد بيفهمني ويحس اللي بقوله ، نسخة مني على أحسن بكتير
قلتلها : "عارفة يا مريم ، زمان أوي .. وأنا شاب برضه ، كان جالي وقت حسيت فيه إن ممكن أستغنى عن أي حلم شخصي مقابل إني أكون أب كويس ، ممكن أتخلى عن إني أبقى مخرج أو كاتب أو أي حاجة اتنمنيتها قصاد إني لما أرجع م الشغل مثلاً ألاقيكي انتِ ويوسف بتجروا عليَّ وتقولوا بابا جه وتخدوني بالحضن ، وفضل الحلم ده معايا سنين إني عايز أبقى أحسن أب .. حتى مش شرط أحسن قد ما مهم أكون أب كويس وأشوف في عنيكي انتِ ويوسف إنك مبسوطين وفخورين بيّ ، بس أول يوم ليكِ في الدنيا .. أول ما شفتك ومن أول واء واء واء حسيت إن الحلم مبقاش مجرد خيال ، بقى حقيقة في إيدي لازم أحافظ عليها ، ومن يومها كل ما أبص لعنيكِ أو أشوفك انتِ ويوسف بتكبروا خطوة ورا خطوة أحس إني أب كويس ، ما هو مينفعش تبقوا كده ومكونلكمش أب تستاهلوه"
بعد ما خلصت حطت راسها على كتفي وطلبت مني أحكيلها حدوتها المفضلة ، الشاطر حسن وست الحسن ، كان ياما كان يا سعد يا كرام ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام .. "عليه الصلاة والسلام" ، ونامت في نص الحدوتة كالعادة ، حطيت راسي على دماغها الساندة على كتفي .. ونمت
مشهد 2 : يهزوا قلب الليل فرح
"إذ رزقه الله بأخين ، فلما جاء الأول سُمّيَ عُمَر ، ولما جاء الثاني كان عَلِيْ ، وقد كانَا لَهُ خيرٌ من الدنيا وما فيها"
مشهد 3 : الحواري تلف قبل الخيال ، بكرة في إمبارح هنرجع عيال **
"وأولئك الشباب الذين ارتدوا صبية كانوا هُمُ الفَرِحُون"
وزي الحلم الغريب اللي بيداعب قلوب لسه عايش جواها عيال صغيرة بتلعب الكورة بحتة حجر ، وزي الرسام الماهر اللي خلا الشمس تفتح جناحتها وتنسج خيوطها وتاخد الدنيا في حضنها ، وزي مشهد ليوسف شاهين بتفضل فيه إسكندرية رمز الحلم والبهجة والحرية واللحظات المسروقة اللي بتملا كل الدنيا فرح
كانوا ماشيين في ممر القلعة ، البحر على شمالهم وعلى يمينهم والشمس لسه بتفتح عنيها من النوم عشان تقولهم "صباح الخير يا شباب .. صباح مسكّر يا أحباب"
أكتر ما فيهم نايم كان يجيله يوم بليلة صاحي ومن التعب نعسان ، بس واحد فيهم قال :
- هات الكنزاية اللي هناك دي وبصيهالي
وراح التاني - زي الطفل - قال حاضر
- ياه يا محمد ، أنا بقالي كتير أوي كان نفسي أرجع طفل
مشهد 4 : قول للغريب حضنك هنا
"فرأى وعد الله قريب وعلمَ أن البين لا يفرق الدروب"
.....
- كان وحشني صوتك أوي يا محمد .. أوي
- وانتِ وحشتيني بكل حاجة فيكِ ، ارجعي بقى
- كله بوقته
- طيب عشان خاطري ووحياتي عندك افضلي كويسة ، مش هعرف أكون كويس لو حسيت إنك تعبانة
- وحياتك عندي وحياة فاطمة وحياة ماما أنا كويسة وهحاول أفضل كويسة
- وعد
- وعد
"تونسك ضحكة صوتها ويصحي صوتها أحلى ما فيك"
ومقلتلكيش يومها إن انتِ المكعب الوحيد الناقص في لوحة فرحتي الكاملة
مشهد 5 : زغرد النور جميلاً ملهما ، يصل الأرض بأحضان السما **
"وكان البحر أمامهم والشط تحت أقدامهم ، ولما جنَّ عليهم الليل مشيا حتى اقتربا من صياح الديك ، إذ قال أحدهما لصاحِبِهِ :
( تيجي ننام ع الرملة ؟! )"
وقتها حسيت براحة مش عارف مصدرها كان إيه ولا كان جاي منين ، بس الإحساس نفسه كنت عارفه .. إحساس نقي بيجردني من كل ما يسوء ويخليني زي الروح الصافية ، شبة نور الشمس لما يحضن السحب ساعة الصبحية
" عارف إيه أجمل حاجة في الدنيا ؟ ، مش إنك تكون ناجح أو إنك تحس إنك محقق ذاتك أو حتى محقق أحلامك ، ممكن في لحظة – بصرف النظر عن مدى دوامها – تحس إن كل ده مش حقيقي وإن أحلامك مش أحلامك ولا ذاتك المحققة هي اللي انتَ كان نفسك فيه ، أجمل حاجة في الدنيا بجد إنك تكون متصالح مع نفسك ومتصالح مع كل حاجة حواليك ، حابب ذاتك ومتفهم جروحك ، عايز تحضن نفسك جوا كل اللي بتحبهم"
":)"
"وعارف إيه أجمل حاجة في اللحظة اللي إحنا فيها دي ؟"
"؟؟"
"إني حاسس بنفسي حامل أجمل ما فيَّ ، وعشان كده شايف وشوش كل اللي بحبهم على القمر المكتمل قدامنا وبيتبسم"
*****
.... أتخذُ عدة خطوات نحو العتبات ، أو تتخذ العتبات خطواتها نحوي .. ثم أدخل
-----
* قرآن كريم .. سورة "آل عمران"
** فؤاد حداد .. مش فاكر قصيدة إيه !