29 مايو 2013

ويصيروا الأشيا بعاد


آخر مرة سمعت فيها أغنية فيروز «تنذكر ما تنعاد» اكتشفت، للمرة الأولى، مِقدارات الحُزن الضخمة التي تَحملها، وأن ذلك الحُزن المُختفي والمُستتر وراء صَخَب الموسيقى والكورال وصوت السيّدة.. أكثر نَخزاً من حُزنٍ مُباشر وصريح في أغانٍ حملها الألبوم ذاته كـ«أنا فزعانة» أو «صباح ومسى
».

الأمر يبدو لي بهذا الشكل.. «تنذكر ما تنعاد» هي أقرب لتون الحُزن العادي في الحياة، يَذهب الناس إلى العمل وإلى المقهى، يجلسون في المنزل ويتفرَّجون على التلفزيون، يمشون في الشارع ويتزاحمون في المترو، وحين ترى أي منهم لن تُدرك مُباشرةً أنه ليس بخير وأن قلبه مُحمَّل بكل ذلك الثُّقل. سيبدو عادياً. وأحياناً غير مُبالي. تماماً كصوتِ فيروز في الأغنية.

زياد يعرف الكثير هنا عن عادية الحياة، أن «تلك الأشياء تحدث»، ومن المهم أن نتكيف مع كونها تحدث لأن ذلك من سمات النُّضج، «تصير الأشيا بعاد» ويتبدل الناس بأناسٍ جُدد، الوقت يمر ويمر ويمر.. نحنُ نَكبر فنعلم أن العالم يَكبر كذلك، ونتقبَّل طبيعة الأمور، الأغنية وصوت فيروز هو ذلك الإدراك بإن الحياة بتمشي.. وأن الوقت يَخلق الطَّريق اللي رَح نمشيه.

وفي تأويلٍ أبعد، فتاة الأغنية تعلم جيداً أن حبيبها حَزين، وأنه لم يتجاوز محبتها، تريد الطَّبطبة عليه بشدَّة، ولكن بدلاً من ذلك ستقول له كل الحقائق جافَّة وحادّة. وستتركه يَكبر. تبدو غاضبة أحياناً من عمليتها و«نُضجها»: «حتى عيدي أكره فكر فيه
/لون الشّمع اللي لازم أطفيه».. ولكن هذا كل ما في يديها لتفعله «بتمنَّى تنسى حبّي وتعفيه». قبل أن تعود لجفاءها وحدتها وسُخفها الناضج.. وفي العُمق حُزنها الشديد.. وهي تخبره: «كل فرحة وبعدها حداد».

أظن، في تلك اللحظة على الأقل، أنها من أعظم الأغاني التي سمعتها في حياتي. وأكثرها دِقّة في التعبير عن الوقت والحزن والثقل والكِبر والعالم الذي يُجبرنا على تقبُّل حقائقه





تأريخ: البوست خَرَج أثناء كتابة بوست آخر عن الإدراكات اللي بتيجي بعد ما الوقت يفوت، فكَّرت في عنوانه كمقطع من الأغنية ، ذهبت لسماعها وبدأت منها فخرج البوست بصورته الحالية على نفسِ العنوان، فأجَّلت الكتابة عن الإدراكاتِ لبعض الوقت

26 مايو 2013

الأمل شيء خطير*



... ولكن الأمر في النهاية كان يَسْتَحق المُجازفة

الشيء الحَزين في المُقابل أنه قد لا يُتاح "لهم" –التي صارت "لنا" في تِلكَ الليلة على الأقل- الذهابِ وراء ذَلك الأمل مرةً ثانية، المدير الفني ذو الـ46 عاماً، الفريق الشاب والنابض الذي لا يزيد سِن أكبر من فيه عن الـ27، الميزانية الضَّئِيلة، و«القِيَم الكروية»، ومن وراءِ ذلك الجُّمهور الأعظم –ربما- في العالم، الذي حَمَل كل شيء على كتفيه منذ عام 2002 وكادَ أن يَصِل إلى القمَّة في 2013.. ثُمّ انْزَلِق

الشيء الحزين لم يكن الخُسارة، الشيء الحَزين كان هذا العُقد الفريد الذي سَينفرط حَتماً، وأن احتمالية الـ1% في أن تَذهب لأجلِ الضالِ.. وتَجده.. -والتي بَدَت على بُعد خطوة واحدة في «ويمبلي» الليلة-.. لَن تتكرر ثانيةً

ولكن الذكريات هي الشيء الأهم، وكل ما في الأمر كان مثالياً للذكرى


هامِش ذاتي: في مبارياتٍ كتلك أراهِن على الفِرَق بأكثر من الحماسِ والتَّصفيق وبحَّة الصوت العالي، أراهِن ببضعٍ منّي، والجانب الجيد أن كل ما وضعته على طاولة «دورتموند» هذه الليلة ظَلّ في مكانه رغم الخُسارة، «يورجان كلوب» بطل مُفضَّل.. و«المُسْتَقبل لنا» في كل النواحي

هامش تأريخي: لم «أَصْرُخ» في مباراة كرة هذا الموسم بقدرِ جون «كوسليني» التاني في ليلة الـ«أليانز أرينا»، وكرة «ماتس هوملز» التي أخرجها من على خَط المرمى قبل ساعات، الليلتين انتهيتا بالخَسارة.. ولكن حَلاوة الكرة أولاً وأخيراً في لحظاتٍ كتلك


*..يُمكن أن يَقود المرء للجنون".. الجملة الأبقى من فيلم فرانك درابونت
 "شاوشانك ريدمبيشن"